رام الله - أطلس- وجه المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة " مذكرة لمستشار الرئيس حول إشكاليات القضاء الشرعي في فلسطين
بالإشارة إلى الموضوع أعلاه، وإلى المذكرات الخطية التي وجهها المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" لفخامة الرئيس بتاريخ 12/2/2013، ولمعاليكم بتاريخ 28/3/2013، ولاحقاً للقاءات التي تمت بيننا في أعقاب إرسالنا للمذكرتين المُشار إليهما، وبالنظر لكون القضاء الشرعي ما يزال حتى هذه اللحظة يعاني من إشكاليات لم تتم معالجتها قانوناً بعد، فإننا نأمل من معاليكم الوقوف مجدداً على مذكراتنا، وعلى وضع القضاء الشرعي بشكل عام، والعمل على اتخاذ الاجراء القانوني الملائم لحلّ تلك الاشكاليات، بما يضمن للقضاء الشرعي مشروعيته وقانونيته، ويوفر الثقة المجتمعية بأدائه وبأحكامه.
فيما يلي أبرز الإشكاليات التي ما يزال القضاء الشرعي يرزخ تحتها، وذلك على النحو التالي:
1. الفصل بين منصبي رئيس المحكمة العليا الشرعية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ومنصب قاضي القضاة:
تؤكّد "مساواة" على عدم جواز الجمع بين منصب رئيس المحكمة العليا الشرعية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ومنصب قاضي القضاة، كون صلاحيات المجلس الاعلى للقضاء الشرعي واضحة ومحددة بموجب القانون وتختلف عن صلاحيات قاضي القضاة المحددة قانوناً، ولا يجوز الجمع بينهما. وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنّ نقل القضاه وتأديبهم وعزلهم وترقيتهم من صلاحيات المجلس، والذي يقوم بتنسيب قراراته بهذا الصدد لقاضي القضاة لاتخاذ الإجراء اللازم وفقاً للأصول، وبالتالي فإنّ الجمع بين الوظيفتين في يد شخص واحد مخالف للقانون ما يستدعي فصل الوظيفتين.
كما نشير في هذا السياق إلى أن سماحة رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي نفسه سبق له أن وجه كتاباً لفخامة الرئيس طالبا منه تعيين قاضي القضاة لعلمه اليقيني بأنه غير مُخوّل للقيام بمهام وصلاحيات قاضي القضاة. وعليه، فإننا في "مساواة" نأمل من معاليكم العمل على سرعة الفصل بين الوظيفتين حسب الأصول، خاصة وأنّ استمرار عدم الفصل بين المنصبين وإسنادهما لشخص واحد من شأنه أن يوسم تشكيل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بعدم الشرعية، ونرفق مع مذكرتنا هذه صورة عن مذكرة رُفعت إلى رئيس الوزراء السابق، الدكتور سلام فياض، مذيلة بتواقيع عدد كبير من السادة القضاة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والمحكمة العليا الشرعية ومحكمة الاستئناف الشرعية وموظفين في القضاء الشرعي يؤكدون فيها على عدم جواز الجمع بين المنصبين (مرفق).
2. تشكيل محاكم استئناف شرعية:
لا شك أنكم توافقونا الرأي بأنّ تشكيل المحاكم يتم بقانون وفقا لأحكام المواد 92، 97، و 101 من القانون الأساسي، وبالتالي فإنّ تشكيل محكمة استئناف شرعية في الخليل وأخرى في نابلس بقرار إداري من رئيس المحكمة العليا الشرعية يخالف القانون الأساسي والقوانين الناظمة للقضاء وللمحاكم الشرعية، والتي جاءت خلواً من هذا التشكيل، مع التأكيد أنّ قانون تشكيل المحاكم الشرعية لم يرد فيه إلا محكمة استئناف شرعية واحدة منحها القانون صلاحية عقد جلساتها خارج مقرّها في مدينة رام الله على أن تنعقد من ذات الهيئة القضائية المشكلة لها، الأمر الذي يحظر معه تشكيل محاكم استئناف أخرى تحت أي مسمى أو إنعقاد محكمة الاستئناف الشرعية من قضاة غير قضاتها المنصوص عليهم قانوناً. وعليه فإننا نأمل من معاليكم تصويب وضع محكمتي استئناف الخليل ونابلس لحلّ مثل هذه الاشكالية ضمانا لشرعية التشكيل ومشروعيته، وضمانا لسلامة الأحكام القضائية وإخراجها من تخوم البطلان.
3. نظام المحكمة العليا الشرعية:
نعيد هنا التأكيد على ما تضمنته مذكرتنا الموجهه لفخامة الرئيس بتاريخ 12/2/2013، والتي أشرنا فيها إلى أن تشكيل المحكمة العليا الشرعية يتم بقانون وليس بقرار أو مرسوم إداري، ما يستدعي إعادة النظر بمرسوم تشكيل المحكمة العليا الشرعية من جهة، ومن جهة أخرى لا يجوز إستمرار العمل بنظام المحكمة العليا الشرعية الذي سبق للمحكمة العليا (المناط بها القيام بمهام المحكمة الدستورية العليا لحين تشكيلها) أن قضت بعدم دستوريته، ما يجعل منه نظاماً باطلاً ومنعدماً وغير واجب التطبيق، ويجعل من إستمرار عمل المحكمة العليا الشرعية به أمراً مخالف للقانون من الواجب التوقف الفوري على الاستمرار فيه، ونرى بأنّ مجلس الوزارء- وهو صاحب الاختصاص- يمكن له أن يصدر نظاماً آخر وفقاً للأصول القانونية المرعية.
4. رسوم المحاكم الشرعية:
لا شك أن معاليكم على دراية بالنتائج السلبية المترتبة على فرض رسوم المحاكم الشرعية وفق تعاميم صادرة عن رئيس المحكمة العليا الشرعية، وهو أمر مخالف لأحكام القانون الأساسي الذي نصّ صراحة على أن الرسوم تُفرض وتحدد بقانون، ما يوسم كافة التعاميم والقرارات الادارية المحددة للرسوم بالبطلان المطلق والإنعدام، وبالتالي يجدر العمل الفوري على حلّ هذه الاشكالية.
5. استمرار العمل بالقوانين الاردنية الصادرة بعد عام 1967:
لا شك لدينا بأن معاليكم على علم واطلاع بأن المحاكم الشرعية ما زالت تطبق القوانين الأردنية الصادرة بعد العام 1967 سنداً لقرار إداري صادر عن مجلس القضاء الشرعي أو رئيس المحكمة العليا الشرعية، وذلك في تعارض واضح مع القوانين الفلسطينية السارية، وفي مقدمتها القانون رقم 1 لسنة 1994، والذي نص على إستمرار العمل بالقوانين والأنظمة والأوامر التي كانت سارية المفعول في الأراضي الفلسطينية قبل عام 1967 ، مما يتطلب حلاً تشريعيا فورياً لحلّ هذه الاشكالية.
6. النيابة الشرعية:
لا شك لدينا أنّ معاليكم على دراية وعلم بالاشكاليات المترتبة على استحداث منصب ما يعرف بالنيابة الشرعية، علما بأنّ قانوني تشكيل المحاكم الشرعية والقضاء الشرعي يخلوان من تنظيمه، مما يستلزم إحداث تعديل تشريعي عليهما بما يبين مهامها وصلاحياتها على اعتبار أن تشكيلها لا يتم إلا بقانون وفقا لأحكام القانون الأساسي والقوانين الناظمة للقضاء الشرعي.
7. عدم دستورية التعميم رقم 592012 الصادر عن رئيس المجلس الاعلى للقضاء الشرعي والمتضمن العمل بالخلع القضائي والمشاهدة مع الاستضافة وسلطة تقدير القاضي الشرعي بشهرة النزاع والشقاق اعتباراً من 192012 واعتماد النماذج الصادرة عن المكتب الفني والمصدقة من قبله كما يعلن للعمل ، وذلك استنادا على اجتماع المجلس الاعلى للقضاء الشرعي وهيئة المحكمة العليا الشرعية وهيئتي محكمتا الاستئناف الشرعية في القدس ونابلس بتاريخ 2782012 والاجتماع الدوري للقضاة الشرعيين المنعقد بتاريخ 3082012 في مقر قاضي القضاة في رام الله، كون التعميم المذكور ينطوي على تعديل لمجلة الاحكام العدلية فيما يتصل بالبينات وكذا تعديل لقانون الاحوال الشخصية وبخاصة المادة 183 منه وذلك على خلاف حكم القانون وهو تعديل صادر عن جهة غير مختصة يوسم بعدم الدستورية لانطوائه على تجاوز لتخوم وحدود صلاحيات واختصاصات السلطة القضائية وتعد على اختصاصات السلطة التشريعية الاصيلة وخروجاً عن احكام القانون الاساسي، ناهيك ان التعديلات صدرت بتعاميم على خلاف المقتضى التشريعي والدستوري الذي يقضي بان اي تعديل بالحذف او الاضافة او التعديل للقانون لا يتم الا بقانون ولا يمكن تصور وقوعه او اجرائه بتعميم اداري صادر عن جهة لا تملك اصلاً صلاحية التشريع، وبالتالي فإن مخالفة الاصول التشريعية وقواعد الاختصاص الدستوري يجعل من التعميم المذكور باطلاً بطلاناً مطلقاً ما قد يوسم كافة الاجراءات والقرارات والاحكام الصادرة سنداً اليه بالبطلان المطلق ويجعلها عرضة للطعن ويمس بحقوق المتقاضين ويزيد من ظاهرة التراكم القضائي ويطيل من امد النزاع ويعمق من ازمة الثقة بالقضاء الشرعي وما يترتب على ذلك من نتائج ذات ابعاد اجتماعية وقانونية خطيرة تهدد الامن المجتمعي برمته، ما يستدعي بالضرورة سرعه المعالجة التشريعية السليمة واصدار التشريعات الموفرة للسند القانوني الناظم للمسائل الواردة في التعميم المذكور وفقاً للكيفية والاصول التشريعية واجبة الاتباع.
معالي المستشار المحترم،
علمت "مساواة" بوقوع مخالفات جسيمة لقانون الأحوال الشخصية، ومن ضمنها إقدام إحدى النساء بالزواج من آخر أثناء قيام العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها الأول، وهي جريمة لا تقتصر آثارها على أسرتها فحسب، بل تصيب القيم الدينية والمجتمعية بأفدح الأضرار، ولعلّ أحد الأسباب التي سهلت وقوع مثل هذه الجريمة هو غياب نظام أرشفة الكتروني لعمل المحاكم الشرعية ودوائرها المختلفة، ما يتطلب الاسراع في توفير هذا النظام للقضاء الشرعي وبأسرع وقت ممكن، إلى جانب الحاجة الملحة لترميم وحفظ سجلات المحاكم الشرعية بإعتبارها وثائق رسمية وثقافية وقانونية توثق تاريخ شعبنا، وبناؤه الأسري، وممتلكات الأوقاف، وغيرها من الوقائع والحقوق الفردية والعامة، وقد علمت "مساواة" بأنّ سجلات المحاكم الشرعية والقضاء الشرعي مهددة بسبب تآكلها بالنظر لطول عمرها، ما يستدعي التدخل الفوري لترميمها والعمل على حفظها بأسرع وقت ممكن.
معالي المستشار المحترم،
بقي أن نشير الى معارضتنا لمقترحات يجري تداولها هذه الايام تدعو الى حلّ القضاء الشرعي وادماجة بالقضاء النظامي، وإن معارضتنا لهذه المقترحات تعود إلى أن القانون الأساسي نصّ على وجود قضاء شرعي مستقل إلى جانب القضاء النظامي، الأمر الذي يجعل من توحيدهما يتطلب تعديل القانون الأساسي نفسه، فضلاً عن أنّ القضاء النظامي الفلسطيني في تشكيله وبنائه يفتقد إلى السند القانوني الناظم لنظام الدوائر، ومنها دائرة الاحوال الشخصية المعمول به في بعض البلدان العربية كمصر أو الكويت، وبالتالي لا يجوز إعماله أو الأخذ به قبل ايجاد السند القانوني الناظم له وادماجه في التشريعات والقوانين ذات الصلة، ناهيك عن ان القضاة العاملين في القضاء النظامي يفتقدون إلى القدرة والكفاءة والتخصص في النظر والفصل في المنازعات الشرعية، بالنظر لخصوصيتها، الامر الذي يتطلب معه عدم الالتفات لتلك المقترحات التي تفتقد للسند القانوني وتخالف الواقع وتتعارض مع احكام القانون الاساسي والقوانين ذات الصلة.
لكل ما تقدم، فإننا نتطلع ونأمل من معاليكم الوقوف بجدية على مذكرتنا هذه، واتخاذ المقتضي القانوني الموائم بشأن ما تضمنته، وإطلاعنا على الاجراءلت التي ستتخذونها، متطلعين إلى تعميق أواصل التعاون بيننا، لتجسيد سيادة القانون وسواده على الكافة.
مع الإحترام،