اطلس: كتب د. عقل أبو قرع: يحتفل العالم هذا الشهر بما يعرف "باليوم العالمي للمرأة الريفية"، والذي يتم الاحتفال به في عام 2023، تحت شعار" المرأة الريفية دعامة أساسية لتحقيق الامن الغذائي والحد من تداعيات التغيرات المناخية"
وهذا يدل على الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي للدور الذي تلعبه المرأة الريفية، والتوجه المتزايد نحو منحها حقوقها ودورها من منظور النوع الاجتماعي من خلال الاستفادة من عملها الذي غالبا ما يكون غير مدفوع الأجر.
وكذلك الحصول على حقها في تملك الارض واستغلالها بالطريقة المناسبة لها وحسب مصلحتها، والمرأة الريفية في بلادنا تتسم بخصوصية فريدة، من خلال تجذرها بالأرض والحفاظ عليها وعلى الانتاج والاعتماد على الارض كمصدر دخل قد يكون وحيدا لها، وما لذلك من تبعات سياسية وطنية واقتصادية واجتماعية، ويتجلى هذا الوضع في مناطق زراعية مكثفة، مثل مناطق الأغوار وشمال الضفة الغربية وبعض مناطق قطاع غزة، حيث تشكل المرأة غالبية القوى الزراعية المنتجة.
وارتباط المرأة الفلسطينية بالأرض وما تحويه من موارد طبيعية كان وما زال من أهم عوامل الصمود والتشبث بالأرض ومقاومة مغريات الانتقال أو الترحيل الى مناطق اخرى، وهذا الارتباط شكل وسوف يشكل الضامن الأهم للحفاظ على الارض، بعيدا عن الشعارات الكبيرة الجوفاء التي يطلقها البعض من هنا ومن هناك من خلال التغني بالأرض والحفاظ عليها، بدون أن يتعايشوا مع الارتباط بالأرض وما تضخه من خيرات ومن ثروات، ومن الأمثلة على ذلك الارتباط بشجرة الزيتون التي تعطي ثمارها وانتاجها هذه الايام وما لزيت الزيتون من رمزية وأهمية وارتباط وثيق عضوي وعاطفي مع المرأة الريفية الفلسطينية.
وتجذر المرأة الريفية بالأرض يتطلب الاعتراف بحقوقها وتغيير نظرة المجتمع لها، اي من منظور النوع الاجتماعي، والتخلص من مظاهر العنف الاقتصادي المبني على النوع الاجتماعي"، والذي يصب في الأنواع الأخرى من العنف المرتبط بدورها أو بنظرة المجتمع للمرأة الريفية، ورغم ان هناك تقدما ملموسا خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بنظرة مجتمعنا الى المرأة، سواء من ناحية التعليم أو العمل أو تقاسم الأدوار أو تبوأ المناصب والمسؤوليات، ألا ان المرأة الريفية ورغم مساهمتها في الإنتاج والرعاية والمسؤوليات بكل أنواعها، الا انها ما زالت تتوق الى الحصول على حقوقها، وبالأخص في التملك في الأراضي والأملاك والاهم حقها في استخدام وسائل وأدوات التملك الخاصة بها بالطريقة التي تراها مناسبة لمصلحتها وفي حقها في الحياة والتقدم.
ويأتي "اليوم العالمي للمرأة الريفية" هذا العام، في ظل التعامل مع التداعيات البيئية والمناخية الوخيمة التي تحدث في العالم أو التأثيرات البيئية والمناخية من منظور النوع الاجتماعي"، حيث تتفاقم هذه التأثيرات على المرأة الريفية بشكل أعمق واشرس، والمرأة الريفية الفلسطينية ليست بالبعيدة عن هذه الآثار السلبية بعيدة المدى، وبالأخص حين يفاقم الاحتلال الاسرائيلي ذلك، حيث أصبحت النساء الفلسطينيات الريفيات المزارعات يتعايشن وبقوة مع هذه الاثار، من خلال التصحر الذي ضرب المحاصيل، وشحة المياه التي تعني قلة الإنتاج من حيث النوعية والكمية، وتدهور نوعية المياه من خلال ازدياد نسبة الاملاح والملوثات فيها وبالتالي عدم القدرة على زراعة محاصيل اعتادت عليها، وظهور أوبئة وآفات جديدة وما يتطلب ذلك من استخدام مواد كيميائية مع الآثار الصحية والبيئية المرتبطة بذلك.
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية، والاهتمام بالأرض، وبالتالي الاهتمام بالزراعة في هذه الارض، فأن هناك اجراءات او وسائل دعم من الممكن القيام بها في هذا الصدد، وبالأخص من خلال الحكومة والجهات الرسمية، منها التسهيلات الضريبية للعاملات في الزراعة، وتوفير المواد التي تتطلبها الزراعة الحديثة من بلاستيك واسمدة ومبيدات امنة أو غير خطيرة، والمزيد من الارشاد الزراعي بأنواعه المختلفة، والذي لا يكفي الموجود منها حاليا، الإرشاد فيما يتعلق باختيار المحصول المناسب للارض، والارشاد حول استعمال الكيماويات في الزراعة، والارشاد فيما يتعلق بالقطف والتسويق.
وكذلك التركيز على التخطيط الزراعي والنظرة الوطنية لذلك من حيث استخدام المياه والأرض بشكل يتلاءم مع الاحتياجات ومع واقع المرأة الريفية الفلسطينية، ومن حيث الاستهلاك المحلي او التصدير، ومن حيث فتح الاسواق الخارجية، ومن حيث التنسيق لحماية المنتج الوطني، سواء من خلال العطاءات او اصدار المواصفات او الفحوصات المخبرية، والدعم يشمل التوجه نحو الأبحاث العلمية التطبيقية، التي تعمل على تبيان خاصية التربة، وتربط ذلك مع تلبية حاجات القطاع الزراعي وحل مشاكلة المحددة.
ودعم المرأة الريفية، يعني توفير الدعم لمنطقة الأغوار الفلسطينية، الذي تمتاز تربتها بالخصوبة العالية ، القادرة على انتاج محاصيل متنوعة، للاستهلاك المحلي وللتصدير، وهي تحوي حوالي ثلث احتياطيات الضفة الغربية من المياه الجوفية، وتشكل حوالي 45% من المناطق المصنفة "ج"، وان انتاج المستوطنات الاسرائيلية في منطقة الاغوار الفلسطينية فقط يصل الى أكثر من 500 مليون شيكل سنويا، ، وحسب تقارير دولية فان منطقة الاغوار يمكن ان تدر للاقتصاد الفلسطيني، حوالي مليار دولار سنويا، إذا تم استغلالها بالكامل، وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية، من المفترض اعتبار دعم المرأة الريفية في منطقة الاغوار، أولوية وطنية، وبالتالي الحفاظ عليها وعلى هذه البقعة الحيوية التي تحوي كل المقومات للإنتاج.
ومع الاحتفال ب اليوم العالمي للمرأة الريفية في بلادنا ورغم التقدم الذي حدث ويحدث فيما يتعلق بنظرة المجتمع الى المرأة الريفية، الا أن واقعها ما زال يحتاج الى تغيرات أساسية في إطار الحصول على الاحتياجات والحقوق والأدوار ووسائل الإنتاج ومن منظور النوع الاجتماعي، سواء في مجالات القوانين والتشريعات والسياسات والإجراءات والبرامج والمشاريع، أو في مجال بث الوعي والمعرفة وبناء القدرات، أو في مجال التأثير والوصول الى أصحاب المسؤولية في القطاع العام والخاص والاهلي، أو في مجال رفع قدرة المرأة الريفية في استخدام مساحات آمنة مريحة للضغط والمناصرة والتأثير من أجل التغيير المستدام.