الكاتب: علام صبيــحات
لن أتحدّث عن الطائفية، ولن أخوض في تفاصيل أصول الضيافة بين الرؤساء، فللبروتوكولات خبرائها ولا أدّعي أنني منهم.. ولكنني سآخذ الصورة بمجملها العام، وأعود إلى العام 1978 من القرن الماضي، عندما حدثت الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى يومنا هذا.. أحاول جاهداً مع نفسي، أن أقارن بين (إيران) و(مصر).. بين (الثورة) الإيرانية، والسلام (المصري) في كامب ديفيد، (وهما أمران حدثا في نفس الفترة).. بين (معاداة) أمريكا والغرب وإسرائيل من قبل (إيران)، وبين (السلام) مع إسرائيل من قبل (مصر).. خمسةٌ وثلاثون عاماً، أو يزيد، مرّت علينا، وعلى (إيران) و(مصر) ببطئ شديد.. إمتلكت فيها إيران (النووي)، و(الطائرات)، و(الغواصات)، و(الأقمار الصناعية)، و(حلم الفضاء)، و(التكنولوجيا).. وما زالت مصر تلاحق رغيف (العيش)، و(الفقر) و(الجهل) و(الذلّ) و(حلم الحرية)..
فرق كبيرٌ بين أمةٍ صنعت مجدها بيدها، وبين أمّةٍ ما زالت غائبة مغيّبة عن الوعي، ولم تستطع أن تصنع شيئاً، سوى المزيد من (القهر) و(الذلّ) و(الحرمان).. فرقٌ كبير بين تبعية أمريكية في (مصر)، أمّ الدنيا، وبين رفضٍ للتبعية الأمريكية في إيران.. لكلّ أسبابه بالطبع، ولكن أيضاً (لكلٍّ نتائجه).. !!
(أحمدي نجاد) زار مصرُ فعلاً وقولاً، كثرت الأقاويل حول الزيارة، وصفه البعض بالمهزوم، ووصفه آخرون بأنه جاء لـ (تشييع) الشعب المصريّ.. كلٌّ أدلى بدلوه، وأخرج تحليلاته بناءاً على معادلة (المنتصر، أو المهزوم).. ولكن فيما سبق من مقارنة بسيطة، لا نعرف بالضبط من هو (المهزوم)..
الأمة الإيرانية – ككلّ الأمم والشعوب التي أرادت النهضة فعلاً وقولاً- هي أمّة وضعت أهدافاً واستراتيجيات كبرى بدأت بتنفيذها (سواءاً اتفقنا معها أم لم نتّفق).. وحتى يومنا هذا لم يضع العربُ أيةَ أهدافٍ إستراتيجية (غير أهدافِ كرة القدم).. ! عَلَامَ نلوم إيران، ونحن من صنعنا من أنفسنا توابع وهوامش للغرب والشرق.. عَلَامَ نلوم الآخر ونحن ألدُّ الأعداءِ لأنفسنا .. فإذا كان العرب (ورقة) لعب بيد القاصي والداني، فتلك مشكلة العرب، لا غيرهم.. !
وإذا كان البعض لا تعجبه المقارنة بين (إيران) و(مصر)، فلنأخذ التجربة (التركية) كنموذج للتطوّر والتقدّم، بعيداً عن أية تبعيّة.. ولنقارن (تركيا) بـ (مصر)، وهي الأقرب للمقارنة.. فهي دولة سنّية، وتعداد سكّانها مقارب لمصر، ومواردها متشابهة تماماً، والسلاح الأكبر متوفّر لدى الطرفين بنفس النسبة، ألا وهو (الإنسان).. فماذا سنجد في المقارنة ؟!.. ماذا استثمر كلّ طرف بـ (الإنسان) لديه ؟! .. ما أوجه الاختلاف في المقارنة ؟! .. بل ما أوجه الشَّبَه ؟!
ما أن يبدأ أيُّ نقاش عن إيران، حتى يبدأ الحديث عن قمع الحرّيات فيها، وعن أنها بعيدة كلّ البعد عن (الديمقراطية).. أمريكا، التي تتغنّى بالديمقراطية، تتعامل مع كل شعوب الأرض على أنهم (قطعان) من البهائم، تزرع فيهم أفكارها على أنها (على رأس) الحريات في العالم.. نستذكر هنا في كلّ نقاش عن الحرّية، تلك (الحرّية) والديمقراطية الأمريكية التي منحتها للعراق، وتلك (الحرّية) والديمقراطية التي منحتها لأفغانستان.. نستذكر التاريخ الأمريكيّ المليء بالحرّيات، منذ عهد (هيروشيما وناجازاكي) في اليابان، مروراً في حرب فيتنام، وصولاً إلى الملف الفلسطيني.. فلا يعرف الفلسطينيون كيف يشكرون أمريكا على الحرّية التي منحتها لهم.. !
في كلّ دول العالم هناك قمع للحريات، ولا نستثني أيّ دولة.. ولكن العجيب والمضحك المبكي في الأمر، هو تبنّي بعض المثقفين وقادة الرأي لوجهة النظر الأمريكية، في أن أمريكا هي سيدة الحريات، وأن إيران هي الشيطان الأكبر الذي يحارب تلك الحرية التي تمنحها أمريكا للآخرين.. !
نحنُ العرب، وبكل مرارة أقول، أقدر الناس على التباكي، والردح، واختراع الشمّاعات لفشلنا.. ولن تقوم لنا قائمة أبداً ما لم ندرك حجم الخراب في واقعنا الذي نعيش، وما لم نحارب (السوس) الذي امتلأت به قلوبنا وعقولنا.. قبل أن نتحدّث ونحن نشهر سيوفنا ضدّ إيران.. فلنسأل أنفسنا، ماذا أعددنا للغد؟.. ماذا أعددنا للردّ على ما يقال إنها (مخططات) إيرانية ؟.. ماذا استثمرنا في الإنسان؟.. بل هل استثمرنا في الإنسان؟ .. وهل نملك أيّ خطط أو رؤىً إستراتيجية تكون كفيلة برفع الأمة إلى مصاف الدول المتقدّمة والمتطوّرة ؟.. ما لم نقم بكلّ هذا، أعتقد جازماً أنه لا يحقّ لنا أن نتحدّث بلوم الآخر أيّاً كان، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.. لأننا جعلنا من أنفسنا أمواتاً.. !