اطلس: تقدّموا... يموت منّا الطفل والشيخ ولا نستسلم، وتَسقط الأم على أطفالها القتلى ولا تستلمُ
رغم أنّ كلمات الشاعر سميح القاسم جاءت في سياق خلق حالةٍ حماسيّةٍ لدى الجمهور الفلسطيني خلال أيام الانتفاضة الأولى، إلا أنّ الواقع الحالي في غزّة أصبح هكذا بالفعل، حيث تتقدّم ناقلات الجند والدبابات والزوارق البحرية، لتضرب بكلّ قسوة في مخيم جباليا، فتُدمّر البيوت وتوقعُ نحو 500 شخص من الضحايا بين شهيدٍ وجريح، إلى جانب مجزرةٍ أخرى في مخيم النصيرات أوقعت الكثير من الضحايا. إنّهم يمسحون مربعاتٍ سكنيةٍ كاملة دون رحمة.
سماءُ غزة مليئةٌ بالفسفور الأبيض المحرّم دوليًا، وهي أيضًا ملبّدةٌ بدخان الحرائق، وسيسجّل التاريخ أنه لأوّل مرة إن أمطرت في غزة قريبًا، فسيسقط علينا حتمًا مطرٌ أسود.
بدأ كل شيء يتناقص خصوصًا في المنطقة التي عزلها الاحتلال الإسرائيلي: المواد التموينية، مياه الشرب، مياه الاستخدام العادي، وبالتأكيد المحروقات التي تُشغّل المخابز ومحطات الصرف الصحي، ومولدات الطاقة الخاصة وسيارات الإسعاف وسيارات الدفاع المدني وكلّ ما هو أساسي لاستمرارنا في البقاء والنجاة.
وبيتي ليس استثناءً عن البقية، فمخزوننا من مياه الشرب تناقص كثيرًا، وإذا استمر العدوان هكذا ليومين آخرين، فسنلجأ إلى غلي المياه العادية المالحة نسبيًا كي نشربها. وقد بدأنا أنا وصديقتي بتقليص وجبات الطعام، نركّز على أن نهتم بالأطفال فقط، وغير ذلك لا يهم. كما أبلغتني جارتي بأنّ المواد التموينية في المحل المجاور تشحّ بتسارعٍ أيضًا.
عند الفجر انقطعت الاتصالات والإنترنت مجددًا واستمر ذلك لأكثر من سبع ساعات، ما أعادني للقلق الشديد لأن ذلك يعني عدم القدرة على التواصل مع الأحبّة خارج حدود منزلي، ولذا أتمنى ألا نعيش في ظلّ هذا الانقطاع عن التواصل مجددًا.
وأنا أكتب هذه المذكرات اقترب الموت كثيرًا منّا، حيث قُصفت إحدى العمارات ليس ببعيدٍ عنا وكان الصوت مرعبًا جدًا، بالإضافة إلى صوت الزجاج المتكسّر من بعض شقق المبنى
أرسلت لي صديقة تسألني كما يسأل الجميع "كيف نساعدكم؟"، وقلت لها ما قلته سابقًا "نحن نحتاج فقط إلى إنهاء هذا العدوان، ووقف هذا الجنون وهذا الموت اليومي".
قالت صديقةٌ أخرى "يمكنك المغادرة عند فتح المعبر"، هي تفكّر بسلامتي طبعًا ولكنها لا تعرف أبدًا أن المغادرة تعني الموافقة على التهجير وهذا ما نرفضه، أما إذا كانت مغادرة القطاع هي للهرب من الموت فأقول إذا كان لي وقتٌ آخر في هذه الحياة فسنعيش هذا الوقت أينما نكون، وإذا قُدّر لنا أن نموت فسوف نموت في أي مكان حتى لو حاولنا الهرب منه. لكن الهروب يعني الاستسلام لإرادة العدوّ الذي يجبرنا على الهرب والتهجّر.
نحن لن نقبل بتكرار النكبة، هذه البلاد لي وهذه الأرض لي وهذا البحر لي، ونحن باقون.
ونأمل أن نكون بخير.