اطلس:كنت أتمنى أن أوثّق الجديد الذي يبعث على التفاؤل في هذا اليوم، ولكن للأسف ليس هناك جديد، نفس الأخبار التي تنقلها قنوات تلفزيون الجزيرة والعربي و الميادين، والذين يهتمّون بالتركيز على أخبار تفاصيل الدمار والقتل نتيجة العمليات العسكرية اليومية التي ينفّذها الجيش الصهيوني في قطاع غزة.
ولكن التركيز الآن على أخبار رفح التي تضمّ نحو مليون وثلاثمائة ألف من سكانها ومن النازحات والنازحين نحوها من مختلف المحافظات من شمال غزة ومدينة غزة ومحافظة الوسطى وخانيونس، حيث تزدحم المدينة وشوارعها بالخيام والبشر، في نفس الوقت بدأت حكومة الحرب تُنفّذ تهديداتها بتصعيد القصف على رفح باستهداف البيوت المكتظة وأماكن التجمع.
تقول صديقتي من رفح: "نحن خائفون، تشرّدنا من مدينة غزّة وشمالها عدّة مرّات ونحن الآن في رفح. لحقنا القصف وين ما بنروح، طيب هلق وين نروح؟" طبعا لا أملك إجابة للسؤال، ولا أعرف أيضًا متى سيتوقف هذا العدوان، ومتى سأعود إلى بيتي لأعيش حياتي الطبيعية، ومتى سنعود لعملنا، وهل سنُعيد إعمار مركزيْنا اللذان دمر أحدهما الجنود الصهاينة بوحشية غير مسبوقة وكتبوا كلمات قذرة تشبههم على جدرانه، والثاني تدمّر جزئيًا من كثرة القذائف والشظايا. ومتى هذا؟ ومتى ذلك؟ أسئلة كثيرة نتداولها مع الصديقات والزميلات إذا توفّرت إشارة اتصال أو إنترنت.
أمّا أنا فأنشغل طيلة اليوم كما باقي الأيام في محاولة الحصول على شبكة اتصال، وطلب شراء وتجريب شرائح إلكترونية كي أحصل على اتصال بالإنترنت ولو كان ضعيفًا كي أتواصل مع ابنتي وعائلتي وصديقاتي لأطمئنهن وأطمئنّ عليهن.
وأنشغل أيضًا في تفقّد المواد التموينية في المنزل، وماذا نحتاج وكيف نشتري ما أمكن بديلاً عما استهلكناه، ولكن حتى الآن ومنذ أكثر من شهر فشلنا في الحصول على القمح كما فشلنا قبل شهرين في الحصول على الطحين، كما فشلنا منذ أربعة شهور في تعويض ما استهلكناه من غاز الطبخ.
لقد أصبح لديّ هاجس شراء أيّ شيء، مثلًا المنظفاّت، حيث تقول قريبتي: "منتجات التنظيف متوفرة، لماذا تُصرّين على شراء المزيد؟" وأنا أردّ عليها: "اليوم موجودة، غدًا غير موجودة"، هكذا دواليك، يجري دولاب الحياة اليومي، ونعيش نفس التفاصيل صباحًا ومساءً.
تناقشت اليوم مع صديقتي، وقُلت لها: "أشعر بالخجل إذا فكّرت أن آكل برتقالة إذا لم يأكل كُلّ من في المنزل". وبالرغم من أنه في الأيام العادية كلّ شخص يأكل ما يريد، وربما الآخر لا يريد أن يأكل من نفس الشيء. في هذا العدوان، الكلّ يجب أن يأكل نفس الفاكهة أو نفس الطعام وأن يشربوا نفس المشروب.
قالت لي: "صحيح وأنا تعوّدت أن أشرب القهوة عدّة مرّاتٍ في اليوم، والآن أخجل من فعل ذلك إذا لم يشرب الآخرون".
هذه التفاصيل التي تجري معنا يوميًا، ولا ننسى طنين الطائرة الزنانة المرافقة لكل تفاصيلنا، وأصوات القصف المدفعي والصاروخي الذي لا يتوقّف هنا وهناك.
ولكن المهم اليوم أن ما يُسيطر على أذهاننا هو أملنا بأن يتمّ الاتفاق لوقف العدوان، كي لا يدمّر الاحتلا رفح أيضًا، وكي لا يسقط المزيد من الشهيدات والشهداء، فيكفي ما تحمّله أهالي قطاع غزة من مرارة وألم، ويكفي ما تحمّله شعبنا في الضفة الغربية من مآسٍ ورعب بأن يتكرّر في مدنهم وقراهم ما يحدث في غزة، خاصّةً مع ما حدث في المدن والمخيمات هناك خلال الفترة الماضية وطيلة أيّام العدوان.
نرجو أن تمر الأيام القادمة بسلام لننجو بمن وما ظلّ منّا
زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف