بقلم منقذ ابو عطوان
بالنظر الى طبيعة السجون الاسرائيليه من الخارج، فهي تبدو من الخارج وكأنها قلاع مشيده ومسيجه باسلاك جارحة لا يستطيع العصفور ان يمر من خلال سياجها. اما من داخلها فالمنظر مرعب ومخيف وهي اشبه بعلب اسمنتية يكسوها اللون الداكن والضوء الخافت، مغلقا لكل فسحات او شطحات للفكر قد تخرج الحلم بالحريه والانعتاق. سجون اعدت وصممت على ايدي مهندسين معماريين استمدوا فكرت تاسيسها من اساتذة علم النفس والاجتماع وما توصلت اليه اخر ابحاثهم في تدمير النفس والجسد لقاطنيها من السجناء، هي قبور جماعية لاموات احياء، بل ان ما يميزهم عن الاموات انهم يتنفسون ويأكلون، فكلاهما السجناء والاموات، محجوبون عن الشمس، ومعزولين عن الفعل الاجتماعي.
السجون الاسرائيلية التي اعدت لتكون بديلا لاعواد المشانق، او بديلا سيئا للتصفية الجسدية للمناضلين الفلسطينيين، استطاع الاسرى الفلسطينيين ترويضها وتحويل اهدافها من مؤسسة هدامة وفتاكة بالروح والجسد الى مؤسسة تعيد انتاج ذات وطنيه مقاومه اسست وساهمت في تطوير وسائل واساليب مواجهة المحتل من خلال الادلجه والفكر المقاوم الذي تسلح به الاسرى داخل السجون، وبدأو يمارسونه وينشرونه خارج السجن بعد تحررهم وخروجهم من السجن، وذلك لان الاسرى هم جزء من الجسد الاجتماعي العام، فما حملته اجسادهم من قهر والم من السجان ومن فكر مقاوم من الاسرى انتشر وعمم من الجسد الفردي الى الجسد العام( المجتمع) وهذا شيئ طبيعي طالما ان الانسان لا يستطيع العيش الا داخل وسط اجتماعي -او كما قال ابن خلدون"الانسان مدني بالطبع"_ يؤثر فيه ويتأثر به.
هذه الحال من اعادة بناء الذات الفلسطينيه وعمليات الادلجه وتثقيف للاسرى الفلسطينيين لم تكن تحدث بعيدا عن عيون السجان( المحتل)، فهو حاربها باشكال عدة وعديدة، سواء بالتنقلات بين السجون وجعل الاسرى يعيشون حالة عدم الاستقرار والترقب، او بالاعتداء المباشر على بعض رموز الاسرى وعزلهم داخل زنازين قاسية، أي عزلهم فوق عزلهم الاساسي( السجن) او من خلال الابعاد او التصفيه المباشره للاسرى كما حدث مع الاسرى الشهداء بسام سمودي واسعد الشوا وغيرهم من اطلقت عليهم النار من مسافة الصفر، بطرق عدة ووسائل مختلفه واجهت ادارة سجون الاحتلال التغييرات والتحولات الفكريه والثوريه لدى الاسرى، بل تجاوز الامر الى ابعد من ذلك في الاونه الاخيره من خلال تجريب بعض الادويه على الاسرى والتعامل معهم وكأنهم فئران تجارب لمختبراتهم، لذلك نجد الكثيير من الاسرى يخرجون من السجن وهم محملون بكثير من الامراض والاعراض غير المعروفة كما حدث مع الاسير الشهيد اشرف ابو ذريع مؤخرا، حيث تم حقنه بابرة سامه لا يعرف نوعها ادت الى تأكل جسده وادخلته في غيبوبة افضت الى الموت، او كما حدث مع الاسير زياد ردايده الذي خرج من السجن عام 2008 مريضا ولم يستفيد جسده من العلاج الى ان وصل الامر الى فشل رئوي افضى الى موته، فالسجن الذ كان البديل السيئ للقتل اصبح اليوم هو من يمارس القتل والتصفية علنا دون أي تحرك او احتجاج او شجب من المؤسسات الحقوقية والانسانية الدولية، قتل مباشر وغير مباشر للاسرى داخل السجون، تمارس عليهم ادوات القتل في داخل السجن ثم يخرجون من السجن لكي يموتون في خارجه، وهنا نتسائل ماذا تقصد ادارة سجون الاحتلال من ذلك؟
في اعتقادي ان ادارة السجون الاحتلال تعيد تحديث وتطوير ذاتها من خلال دورها في تدمير الجسد والروح للانسان الفلسطيني من خلال عاملين اساسيين وهما:-
1. ادخال الرعب والخوف داخل الوسط الاجتماعي الذي يعيش في الاسير، فقد قلنا ان الاسير يحمل معه اللام وقهر السجن للجسد الاجتماعي العام بعد تحرره من السجن، وهنا فالاسير المحقون بالابر السامة كما حدث للشهيد اشرف او الامراض غير المعروفة كما حدث لزياد ردايده وموتهم متأثرين بها تجعل الاخرين يخافون ويهابون من السجن اكثر وبالتالي التراجع عن المشاركة او المساهمة في أي فعل نضالي من شأنه الحاق الاذى في المحتل، بمعنى اخر ضبط الجسد الاجتماعي العام من خلال فناء وموت الاسير.
2. ان اطلاق سراح الاسرى وهم على وشك الموت هي بالاساس فكره استعماريه تستهدف الى حرمان الاسرى من التحول الى شهداء ورموز يحج الى قبورهم، وليس سلوك نابع من انسانية السجان، بل ان السجان يدرك ويعرف جيدا ان اطلاق سراحهم لا يمكن ان يتم الا بعد دراسة تفيد بان الحالة اصبح ميؤوس منها ولا يمكن ان تستفيد من العلاج كما حدث للاسير زكريا عيسى من بيت لحم او الاسير زهير لباده من نابلس او اشرف ابو ذريع من دورا. فالمحتل من خلال سجونه لا يكتفي بعزل الاسير عن وسطه الاجتماعي ومصادرة حريته وحبس فكره وروحه، وانما قتله وحرمانه من صفة الشهيد التي قد يتمتع بها اذا وافته المنية داخل السجن.
لهذه الاسباب تسعى ادارة سجون الاحتلال الى جعل السجن بديلا سيئا للقتل فهي من ناحيه تفرض هيمنها وسيطرتها على الشعب من خلال ادخال الرعب والخوف من تكرار الفعل المقاوم لدى الفلسطينيين، ومن ناحية ثانيه استمرار دور السجون في الحرمان، فهي تحرم الاسير من التحول لرمز وشهيد، رغم ان الحالتين يقودان الى التخلص من الاسير بالقتل والموت، هكذا أصبح دور ووظيفة السجون الإسرائيلية في هذه الايام.