الكاتب: محمود الفطافطة
رجل يُشهد له بالصدق في المعاملة والثقة في الأمانة. وفي أحد الأيام صادفني والحزن بادياً على قسمات وجهه وكأنها جُبلت مع فطرته. سألته: ماذا يعتريك؟ أجاب: "أنا حزين بسبب وجود عدد كبير من الناس تلازمهم النظرة السوداوية للواقع ومستجداته". رددت عليه: أليس هذا السلوك منطقي وصحيح؟ قال: نعم، ولكن المشكلة الخطيرة هي دمغ هذه النظرة لكل تفاصيل الحياة وأبعادها، دون التفكير في التخصيص أو الفصل بين السلبي والايجابي، وهذا ما يمنح مجمل المشهد عوامل مقيتة تساهم في التردي النفسي، وتضاءل الانتماء للوطن وقضاياه، وتحد من جمالية وفائدة ما هو حسن ونافع.
الحوارية القصيرة هذه تنقلنا للتركيز على ظاهرة أصبحت ثقافة تلازم نسبة ليست بالقليلة من المواطنين،وكذلك المسؤولين.هذا السلوك أصبح يتغذى على ما شهدته، ولا تزال، الحياة الفلسطينية من وقائع قاسية، وتحولات عصيبة، ومستجدات معقدة، أضفت بنتائجها وبواعثها على حياة الإنسان الفلسطيني، ما خلق لديه انطباع عام ( وصل إلى حد التعامل اليومي المكثف)سلبي لكثير، إن لم يكن لمعظم، سلوكيات وشؤون الحياة.
هذا الانطباع له جذوره وأسبابه، فمن طبيعة التربية الأسرية،خاصة إذا كانت فقيرة، إلى واقع الشارع وتناقضاته، مروراً بالجهل وسمومه المتكاثرة والمدمرة، نهاية بعفوية الحياة وعدم جدولة الوقت أو استثماره بشكل ناجع، وهذا ما يخلق فضاءات واسعة من الفراغ المحدث لنشر بذور التوتر العصبي والذهني والنفسي لدى الإنسان، وما يسببه ذلك من ردة فعل سيئة نحو المجتمع بعموميته،وشخصه على حدٍ سواء.
ولعل أخطر ما ينجم عن هذا التصرف اليومي الواسع تغلغل وتجذر الإحباط،ومن ثم اليأس في القلوب والعقول،حتى يتحول العمل والحل في نظر الكثيرين مما أصابهم هذا الداء،إلى عجز ومستحيل،وبالتالي تتساوى الموت والحياة،لتُفتقد عندها كل مولدات ومقومات الصمود لنوائب الدهر،ومهالك المجهول.كما أن الإنسان الذي ابتلي بهذا الوباء يصبح عبئاً نفسياً،ومشكلة كأداء على ذاته وعائلته ومجتمعه،ليغدو(شخصاً صفرياً) كما يصفه علماء النفس الاجتماعي.شخصاً يتسلح بالألم والسكون والإحباط،بعيداً عن الإيمان والحيوية الفاعلة والتفاؤل السرمدي.
وقد يكون للحالة القاسية جداً التي يعيشها شعبنا الفلسطيني مبرر لهذا السلوك،ولكن الخطورة ،كل الخطورة، تكمن في خسارتنا لجيل أو أجيال، يُؤمل منها أن تدفع بهذا المجتمع إلى مسار ومصير أفضل وأقوى مما نحن فيه. ونتساءل: من المستفيد من تبعات هذا السلوك، أليس عدونا، وكل من يتربص بنا دوائر الضعف والهلاك،أليس المستفيد هو الشيطان، وأيضا أليس المستفيد هو العجز والمستحيل اللذين يتشربان روح وعقل وقلب من وقع ضحية لذاك المفترس المسمى(الانطباع العام السلبي).
وقطعاً للتفصيل والتحليل الإضافي بخصوص هذا الموضوع،علينا جميعاً أن نوطن أنفسنا على فضيلة الأمل،وحسن القول والعمل،وأن نطرد من ذواتنا وساوس الشيطان وهفوات البشر ونزغاتهم، التي تؤسس لحالة خطيرة من الانطباع الذي يعمم بالانتشار ويضر بالنتائج.علينا أن نحسن الظن بحاضرنا ومستقبلنا،انطلاقاً من الإيمان الذي يجب أن يتجذر في مجمل دقائق ومناحي حياتنا. إيماننا بالله، وحسن أملنا بالنصر والتمكين سيجنبنا، بدون شك،هذا الداء، بل اللعنة، التي اسميها "المهلكة السواء"،ويسميها الآخرون"الانطباع العام السلبي" فاحذروا هذا الانطباع ،وإياكم أن تتطبعوا به لأنه هلاك مريع.