الخليل- أطلس- طرد الاحتلال الفلسطينيين من ديارهم في العام 48 في غفلة من التاريخ، ليسوق المعتدون رواية الى العالم غطت على الحقيقة بضعة عقود، مفادها ان الفلسطينيين هربوا من قراهم ومدنهم اما بسبب الجبن،او الخوف على اعراضهم، انطلاقا من مفاهيم تقلييدية، لينفي هذه الرواية بالاثبات والبرهان القاطع الاكاديمي الاسرائيلي ايلان بابيه، الذي بيَن استنادا الى حقائق ومعطيات ان الفلسطينيين انتزعوا من ارضهم بالقوة والاكراه والقسر.
وقد جرى ذلك في مرحلة خلت من الفضائيات والفيس بوك والمواقع الالكترونية ومن البث المباشر الذي جعل ايه جريمة في ايامنا هذه تنقل الى المشاهدين والمتابعين في اي بلد، دون ان يتسنى لمرتكبها ان يزوَر او يحوَر او يطمس الحقيقة.
وقبل بضع سنوات فقط كان بمقدور نظام قمعي في دولة عربية ما ان يحتجز كاتبا او مبدعا عشرين او ثلاثين عاما، لانه خرج على اطر ومقاسات وتوجهات النظام الحاكم، ولو من خلال نص ادبي او لقطة سينمائية، دون ان يعرف ذووه مكان احتجازه، او اذا ما كان قد قتل او بقي على قيد الحياة.
وامام هول هذه الجريمة لم تكن مؤسسة اعلامية في البلد المقموع تجرؤ على اصدار خبر او بيان يشير الى ذلك. من هنا قمعت الانظمة الاستبدادية وقتلت وسجنت وكأنها تعيش خارج التاريخ بلا حساب او عقاب، لتفاجأ بثورة التكنولوجيا التي صفعتها واقلقتها قبل ان تتحشد الجماهير وتقوم باقتلاعها من الجذور.
وعود الى الاحتلال الاسرائيلي الذي فرض ولعقود رقابة مشددة على الصحف الفلسطينية وتدخل في كل خبر وصورة، بل وراقب حتى الدلالة والايحاء، وفرض على الفلسطينيين اعلامه المكتوب والمسموع والمتلفز باللغة العربية، والذي كان موجها لتزوير الحقائق والاستحواذ على العقول من خلال اطر وقنوات اخبارية مهمتها صرف انتباه المواطن عما يجري في مدينته او قريته او مخيمه. هذا الاحتلال يفاجأ اليوم ب ( عالم القرية الصغيرة ) ، التي بات كل مواطن مهما كانت لغته يملك مفاتيحها، بحيث يرى ويسمع ويتفاعل مع الحدث لحظة وقوعه، فلا مجال للروايات الكاذبة وللالاعيب واساليب الخداع، وعلى سبيل المثال علم الناس في كل اصقاع الارض ان هناك شابا فلسطينيا اسمه عرفات جردات انتزع من بين افراد اسرته، وزج به في الاعتقال وخضع لوسائل تعذيب اوقفت نبض قلبه فعاد الى زوجته واطفاله جثة هامدة.
لقد شاهد العالم زوجته الثكلى والكلمات تترنح مذبوحة بين شفتيها، وشاهد طفولة صغاره تشبح وتصلب على حائط الاستهتار بالانسان والقذف بمصيره في المجهول.
ان انفتاح افق الفضاء وتوافر وسائل الاتصال الحديثة جعل الجريمة كالمخرز تثقب عين مرتكبها ليعيش في ظلام دامس، يجتر اوهامه مختبئا في دهاليزه القديمة، ظانا انه ما زال قادرا على خداع الاخرين.
واخيرا العالم اليوم ليس بحاجة الى عشرات السنين لكي يكتشف حقيقة ما جرى لشعب من الشعوب على ايدي حكامه او بفعل من قام به غزاة قدموا من خارج الوطن، لان التكنولوجيا تقف للمعتدي بالمرصاد، تعريه، وتعري ادواته، وتظهره وهو يتمرغ في وحل جريمته بلا رتوش او مكياج او اوراق توت.