اطلس- جلس حسين أبو جامع 45 عامًا يمسك بيده "عكاز" يتكئ بعد تعرض إحدى قدميه للكسر، ونجاته من الموت المحقق بأعجوبة، في أعقاب تعرض منزل عائلته المكون من أربعة طوابق وقتل جميع من بداخله، وأبقاه على قيد الحياة وأحد أشقاء ونجله.
وشنت طائرات الاحتلال الإسرائيلية الحربية من طراز (إف16) مساء الأحد الماضي غارةً على منزل المواطن توفيق أبو جامع في بلدة بني سهيلا شرق مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، أثناء تناولهم طعام الإفطار، ما أدى لاستشهاد 26 شخصًا من أفراد المنزل جلهم أطفال ونساء.
وعكفت فرق الإنقاذ مستخدمة الحفارات والجرافات البحث عن جثامين الشهداء تحت أنقاض المنزل الذي يضم ثماني شقق سكنية وتعيش به أربع عائلات يُقدر عددها بحوالي 30 شخصًا، نحو 10 ساعات حتى تمكنت من إزالة ركام المنزل بالكامل وانتشال جميع الشهداء أشلاء من تحت الأنقاض.
وأوقفت الطواقم العمل مرات عدة بسبب القصف المدفعي الذي يطال المناطق المجاورة للمنزل المستهدف
وقال حسين أبو جامع (45عامًا) شقيق صاحب المنزل المستهدف لـ مراسل وكالة "صفا" وهو يجلس على جزء من ركام المنزل يبكي بحرقة ويقف بجواره عدد من جيرانه يواسونه في مُصابه : "كنت ذاهب للمسجد لأداء صلاة المغرب وخارج من منزل أهل زوجتي المجاور لمنزلنا، وعلى بعد أمتار منه سمعت انفجار قوي جدًا".
وأضاف أبو جامع "لم يسبق وأن سمعت أقوى من هذا الانفجار، ومن شدته دفعني وألقى بي على الأرض مسافة تزيد عن خمسة أمتار من المكان الذي كنت أسير فيه، وتطاير الركام على رأسي وإصابة قدمي اليُمنى قطعة من حجارة المنزل ما أدى لإصابتي بكسر في القدم".
وتابع "لم أشعر بضربة قدمي، فانتظرت لمنزلنا فوجدته قد دمر بالكامل وانهار على رؤوس ساكنيه دون سابق إنذار، فبدأت أصرخ (إسعاف.. إسعاف.. إسعاف..)، فانهرت على الأرض، إلى أن هرع أقربائي ووصلت سيارات الإسعاف للمكان".
وأدى القصف لاستشهاد شقيق أبو جامع ياسر ونجا تيسير وبسام وتوفيق واستشهد أبنائهم وزوجاتهم جميعًا ووالدته فاطمة محمود أبو جامع (65عاما) ولم ينجوا سوى طفل لشقيقه الأكبر توفيق، واسمه نور 3سنوات، تم إخراجه من تحت الأنقاض بحالةٍ مصاب بشظايا ورضوض وكسور.
فيما استشهد سامي سهمود أحد جيراننا وكان في ضيافة شقيقي توفيق، وابن شقيقتي اليتيم حسام أبو قينص (6 أعوام)، وأوضح أن أسماء شهداء شقيقيه توفيق هم (جودة 14 عاما)، ورزان (15عاما)، وأية (10 عاما)، وهيفا (9 أعوام)، وأحمد (11 عاما)، وتوفيق (4 أعوام)، إضافة إلى الأم صباح (35 عاما).
أما شهداء أسرة ياسر "ساجد (6 أعوام)، وسراج (4 أعوام)، وإسراء (3 أعوام)، والزوجة فاطمة (25 عاما)، والأب ياسر (26 عاما)"، وشهداء شقيقي بسام المُصاب بكسور (سهيلة 4 أعوام)، وبتول (5 أعوام)، والرضيعة أية (4 شهور)، والزوجة ياسمين (34 عاما؟).
أما عائلة تيسير فاستشهد منها أيوب (7 أعوام)، وريان (5 أعوام)، ورناد عامين، وفاطمة (9 أعوام)، وجود (5 أعوام)، والزوجة شهيناز (29 عاما).
ولم يستطع أبو جامع أن يُكمل حديثه وهو يسرد أسماء شهداء عائلته وينظر لمنزله الذي تحول للركام، وأبيد جميع من بداخله في مجزرةٍ بشعة، ليرفع يداه للأعلى ويضعها تارة على رأسه باكيًا بصوتٍ عالِ ويصرخ ويقول: "ليش هدول هدول الأطفال، شو عملوا لإسرائيل، إيش عملوا هؤلاء الأطفال، أين العالم؟، أين شرف الأمة؟".
وقاطع أبو جامع جاره نضال الداده وأحد الشهود على الجريمة، وقال لـ "صفا" : "كنا ننتظر صلاة المغرب بالمسجد، وما إن أذن المؤذن، حتى سمعنا دوي انفجار، وهرولت من المسجد مسرعًا، فشاهدت الدخان والغبار يتصاعد من منزل أبو جامع جارنا".
وأضاف الداده "فناديت على المتواجدين بالمسجد (منزل أبو جامع انقصف)،ركضت مسرعًا ومن معي من المُصليين للمنزل، فوجداناه ركامًا ومُنهار بالكامل على رؤوس ساكنيه، وأول ما وصلنا عثرنا على طفل مُلقى فوق الركام أشلاء والمُسنة فاطمة ملقاة على الأرض وقمنا بوضع غطاء عليها حتى وصلت سيارات الإسعاف".
وأشار إلى أنهم واصلوا العمل للبحث تحت الأنقاض حتى حضرت سيارات الدفاع المدني والجرافات والحفارات، وبدءوا بإزالة الركام، وبدأنا نعثر تباعًا كل نحو نصف ساعة على طفل مقطوع الرأس، والنساء مقطعة أشلاء، وأحد الأطفال عثرنا عليه وهو بحضن والدته مستشهدة ووالدته أشلاء مقطعة".
ويصف الدداه المشهد بأنه "مروع" ولم يسبق وأن شاهد مثله، ويقول "المنزل مدمر بالكامل عن بكرة أبيه ولم يبقى منه حجر على الأخر، ما يدل على أن ما حدث كان عملية استهداف متعمدة ومباشرة وإبادة جماعية لعائلة مدنية تعيش بمكان أمن لا يوجد به ولا محيطه ما يُشكل خطرًا على إسرائيل".
وتشن "إسرائيل" منذ السابع من الشهر الجاري عملية عسكرية ضد قطاع غزة أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد" قبل أن تتوسع فيها وتبدأ توغلا بريًا محدودًا الخميس قبل الماضي، وقتل الكيان الإسرائيلي حتى مساء اليوم الجمعة 836 فلسطيني، وأصابت أكثر من 5400 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال والمسنين، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة.