الكاتب: جهاد حرب
تنظم الحملة الوطنية لعودة مبعدي كنيسة المهد ومؤسسات مخيم بلاطة مهرجان الشهداء، ويُنظم المهرجان في الذكرى الثالثة لعودة جسد الشهيد المبعد عبد الله داود أمير شهداء مخيم بلاطة أول المبعدين العائدين من كنيسة المهد.
المخيم الذي يسميه أهله مخيم الشهداء، القابع شرقي مدينة نابلس "جبل النار" والمزدحم بسكانه على مساحة تقل عن الكيلو متر مربع، يزخر بالنضالات والتضحيات والمناضلين والمناضلات، في المخيم مائتان وأربعة عشر شهيدا وآلاف المعتقلين ومئات الجرحى وعشرة مبعدين. شكلت بداية سنوات الثمانيات من القرن الماضي تحولا على يد ثلة من الشباب والصبايا الفتحاويين الذين أحدثوا نقلة في آليات العمل النضالي الجماهيري والشعبي لينتزع مخيم بلاطة الصدارة في مقاومة الاحتلال ومقارعته ليتلاحم مع جباليا بانطلاق الانتفاضة الأولى، يومها كان يلاحق صبيةُ المخيم وشبابه ونسائه جنود الاحتلال بحجارتهم من حارة مغدوشية الى حارة يافا مرورا بالجماسين وبين أزقته الضيقة.
في مخيم الشهداء رموز نضالية وصور وطنية كبيرة وكثيرة؛ فالشهيد عبد الله داود شكل حالة نضالية متميزة من معتقلات الاحتلال في طفولته وابعادان في شبابه ناتجان عن حصارين "جامعة النجاح عام 1992 وحصار كنيسة المهد عام 2002"، فيما عاد من منفاه الثاني شهيدا الى مخيمه الذي أطلق شرارة نضاله.
وأم مهيوب "خنساء بلاطة" أمٌ لأربعة شهداء وآخر يقبع في سجون الاحتلال بمؤبد مدى الحياة، في الانتفاضة الأولى قالت إنها مستعدة لتقديم ثمانية من أبنائها العشرة فداء للوطن، بالأمس، في عيد الأم، كررت مقولتها ذاتها كأنها تعلن استمرار تقديمها القرابين معلنة تلاحمها الأزلي مع الأرض ناشدة الحرية ومتحدية رئيس الولايات المتحدة صاحب مقاربة ربط الدولة الفلسطينية بالأمن الاسرائيلي ولم يفت في عضدها حزن الزمان وتعبه.
أما الأسير ناصر عويص تتجلى به حكاية وطن في شخص وشخص في وطن، بطلٌ أمضى سنوات مراهقته في سجون الاحتلال ليخرج في الانتفاضة الأولى، ويطارد أيام معدودة بعد ولادته الجديدة، ويحاصر في جامعة النجاح ومن ثم مبعدا مع رفاقه متنقلا ما بين بغداد وعمان، وعائدا الى مخيمه ليعاود فكرته الأولى بانطلاق الانتفاضة الثانية معلنا انتفاضته من جديد كأنه عاد الى مراهقته أو شبابه الذي لا ينطفئ مشكلا مع رفاقه ماجد المصري وياسر البدوي النواة القيادية الأولى لكتائب شهداء الأقصى.
أما حكاية آل دعوس مع سجون ومعتقلات الاحتلال كانت منتشرة في سنوات الثمانيات، حينها قضى الأب والأم أيام الجمعة على أبواب سجون الاحتلال لزيارة أبنائها المعتقلين الخمسة؛ فيوم الجمعة هذا كان موزعا ما بين شطة وعسقلان وبئر السبع ونفحة ونابلس وجنيد وجنين والفارعة أسماء معتقلات الاحتلال حاضرة في ذهن الأب والأم كأسماء ابنائهم القابعين فيها لكن ما يحزنهم ليس الوقوف على أبواب المعتقلات ،لكن الذي أحزنهم دائما ان الشهر فيه فقط اربعة جُمعٍ ما يفقدهم زيارة أحد ابنائها "الخامس".
نساء المخيم لم تكن حارسة المخيم فقط بل منقذات ومنتزعات المتظاهرين من أيدي جنود الاحتلال في حارات المخيم وأزقته الضيقة. يعرفهن الجنود، آنذاك، كما يعرفهن شباب المخيم وأطفاله. فما من طفل أو شاب لم تتدخل لتهريبه أو حمايته أو تخبئته تلك النسوة الكثر، لكن أبرعهن كانت أم زيد شرايعة، وأم أحمد حموده، وأم شاكر عطاالله، وأم محمد جباره، ورسمية نمر. أما صبايا المخيم الرائدات حسنية داوود وأسماء خروب ودلال سلامة وكفاح حرب وليلى خضر ولطفية ابو دراع وغيرهن أيضا كثر.
بيوت كثيرة هدمها الاحتلال انتقاما وأخرى زج بكامل أهلها في سجونه بقيت شامخة عامرة رغم غيابهم القسري عنها. في مخيم بلاطة "مخيم الشهداء" ويسمونه أيضا قلعة الشهيد ياسر عرفات قصص وحكايات ونضالات يفخر بها أبناء المخيم كما تحمل معاناة وآلالام وعذابات. في الانتخابات التشريعية الأولى عام 1996 كافئ ناخبو محافظة نابلس نضالات بلاطة بانتخاب نصف نوابها "ثلاثة نواب من ستة" من المخيم. لكن في المخيم يبقى المناضلون مناضلون إما شهداء أو أسرى أو مقاتلون ولكنهم ليسوا بسياسيين.