اطلس- مع غياب النهار وبزوغ نور قمر الضياء معلنا قدوم يوم جديد على مطرقة الموت فأولئك المحاصرين بين الألم والأمل، يوم جديد لسلم المعانة الذي يتتالى على عائلة المواطن أحمد شيخ العيد في مدينة رفح فحالهم لم يبقى على ما هو عليه ليتبدل بأسوأ ما سبق, قذائف الطائرات تقترب وأصواتها تعلو تارة تلو الأخرى لتعلن قدرهم.
البيت والشارع والمسجد حتى الإسعاف لم يحمل لهم الأمن فالأب والأم والأخ والأخت كلهم ذهبوا بحتا عما يحميهم من حمم الطائرات الحارقة، فحديث الخوف ما قد يصيب كلها كلمات لم تكن سوى لحظات قبل أن يتسارع عليهم الموت.
أصوات بكاء علت فوقها أصوات الطائرات التي لم يشأ وان فارقت الأجواء فخليل وأية وعبد الكريم أطفالا لم يبلغوا العشرة أعوام، سئموا حياة الترحال والهرب مما لم يعلموا ملاحقته لهم، للقاء سارة التي اشتاقوا لرؤيتها سائلين عن وقته الذي طال.
شيء من الخيال ولحظات تتسارع في عداد الموت موشكا على النفاذ أصوات تعلو وأعمدة دخان تتصاعد وسط ظلام دامس يعلوه ضوء القمر، فالأب يؤمن والأم تطمئن أبنائها من أجل الفرار وقت الخطر.
مصاب جلي وهم أكبر ذلك ما ارتكبته طائرات الاحتلال بحق عائلة المواطن الحاج أحمد عبد الله شيخ العيد الذي ارتقى من عائلته احد عشرة شهيدا ما بين شاب وطفل وسيدة، فى وقت سابق من العدوان على غزة كان قد فقد اثنين من أبنائه جهاد وعمر وحفيدته من عمر سارة، ليتجدد فيما بعد استهداف الاحتلال لهذه العائلة مسفرا عن سقوط كلا من محمود (21عام) وحازم (23عام) وإبراهيم (25عام) وزوجته دعاء(24عام) وأبنائهم خليل وأية وعبد الكريم.
بعد مكالمة هاتفية من قبل المخابرات الإسرائيلية التي أمرتهم بإخلاء المنزل لاستهدافه فقسم الأفراد أنفسهم من أجل عملية الإخلاء متجهين إلى المسجد المقابل لمنزلهم للاختباء بداخله، ليبدأ الفصل الآخر من الموت والقصف الذي تسمع أصواته في كل مكان وكل شبر من هذا الحي الذي لا يشبه إلا كابوس في انتظار الاستفاقة منه.
انفجار ضخم يهز المكان وأصوات أهات تعبر عن حدوث شيء غير ما كانوا يتوقون لحدوثه فمنزل عائلة شيخ العيد لم يقصف إنما لعائلة أبو هلال بجوارهم في مشهد يستدعى التدخل والمساعدة في إنقاذ من أصيبوا فصوت الانفجار هائل.
سارع الشبان الخطى فكل خطوة للأمام هي فرصة لإنقاذ الموت العشوائي الذي لم يتوقعون فيه بان تلك الخطوات هي نهاية مصيرية ستسقطهم شهداء، فيتناثر الغبار و تتساقط الحجارة فتلتصق أمهات الأطفال لحمايتهم بحيطان المسجد من يمينها و يسارها كي تحمي نفسها من أي ضرر يسبب لها جرحاً يعيق حركتها.
جرم الاحتلال بحق المواطنين لم يتوقف على ذلك وحسب فعند ذهاب أولائك الشبان لإنقاذ الآخرين لم تغفر لهم إنسانيتهم لتوجه طائراتهم صورايخها وتسقطهم شهداء بلا رحمة ولا شفقة .
زوجة إبراهيم التي كانت تختبئ داخل المسجد ومع سماعها صوت انفجار قيل بأنه أمام باب المسجد أشعرها بالقلق، لتهرع هي وأبنائها متفقدة ما أسفر عنه هذا الانفجار وجدت ما جعلها تطلق الصيحات وبصوت عالي وإذا بزوجها ملقى على الأرض جثة تنتظر من يساعدها فى إسعافه هو أشقائه بجواره، فلم يكن هناك من يجيب نداء دعاء فهو يوم يفر فيه المرء من أبيه وأخته وأخيه كل فرد هنا يجري يفكر كيف النجاة من آلة الحرب الصهيونية العمياء التي لا تعرف للإنسانية أدنى معنى ولا تفرق بين طفل رضيع ورجل مسن لا يقوى على السير.
بعد لحظات وصلت سيارة الإسعاف للمكان الذي لم يشهد أي أشكال من الأمن فمن كان يصل يتم استهدافه مباشرة من قبل طيارات الاستطلاع التي كانت تحلق بالمكان ,دعاء التي كان يراودها في تلك اللحظات مرارة فراق زوجها وأمل حياة أبنائها بعد غياب زوجها الذي ارتقى شهيدا بين يديها.
الدقائق ثقيلة في ذلك الوقت بالرغم من أن الجميع يسرع الخطى والوضع يزداد سوء, وتصر دعاء هي وأطفالها أن ترافقهم الإسعاف إما إلى طريق النجاة أو الشهادة لتلتحق بزوجها وهذا بالفعل ما قامت به الطائرات التي قامت باستهدافهم بشكل مباشر ليرتقى كل من بداخله شهداء، ويتحقق ما نادت به دعاء ألا تودع زوجها وتتركه وحده .
انقطع الأمل ببقائهم فكلهم أصبحوا شهداء فالأب الذي كان يحمل الأمنيات شهيد والأم التي كانت تحتضن أبنائها استشهدت فلا مفر فالموت كأن أقرب لهم من الحياة ووصل خبر ووصل خبر ارتقائهم شهداء بعد أيام قليلة من حزنهم على من فاتهم.