اطلس- "لكن الذي لم يعترف به العدو اليوم هو فقده لأحد جنوده في هذه العملية؛ فكيف له أن يخفي اختفاء الجندي شاؤول آرون صاحب الرقم (6092065).. إن هذا الجندي هو أسير لدى كتائب القسام في هذه العملية".
الكلمات السابقة هي جزء من أحد خطابات المتحدث باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس "أبو عبيدة"، والتي كان لها مفعول "السحر" على الفلسطينيين بعد ليلة دامية شهدت مجزرة حي الشجاعية في 20 يوليو الماضي، ليأتي إعلان القسام ويحوّل شعور الحزن إلى فرحة بالنصر والأمل.
وزاحمت خطابات المقاومة صور الشهداء وركام دمار العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة فظلت عالقة في الأذهان تروى بشكل متتالي بطولات عمليات غير مسبوقة شكلت الانتصار وعبرت عن تطور نوعي وقوة في الصورة والمضمون.
وبرز جلياً خلال عدوان غزة الأخير تنويع المقاومة في أساليب خطاباتها لتتلاءم مع الحدث الميداني؛ فأجادت –بحسب مراقبين- فن الحرب النفسية ضد الجنود والمستوطنين، وكان لذلك تأثير سلبي كبير على روح "العدو" المعنوية، فيما رفعت في المقابل معنويات الجبهة الداخلية الفلسطينية بشكل كبير.
ويقول الخبير العسكري اللواء واصف عريقات لوكالة "صفا" إن أبرز ما ميز خطاب المقاومة خلال عدوان غزة تمتعه بالمصداقية، ونقله الحقيقة كما هي في الميدان.
ويبرز عريقات مصداقية خطاب المقاومة على عكس الإعلام الإسرائيلي "الذي ضلل المستوطنين بادعائه تحقيق انتصارات وهمية على الأرض؛ ما اضطرهم لاستقاء معلوماتهم من خطاب المقاومة لا بل الوثوق فيه".
وكانت توقيتات خطابات أبو عبيدة مضبوطة بشكل جيد، إذ أنها كانت تأتي بعد مجازر إسرائيلية بشعة، أو ادعاءات بتحقيق نصر كمحاولة اغتيال القائد العام للقسام محمد الضيف، فيما حملت في أيام أخرى بشريات لم يكن يتوقعها جيش الاحتلال أو الفلسطينيين على حد سواء.
ويقول عريقات إن مفاجئات المقاومة بتبني عمليات غير مسبوقة "شكل عاملًا إضافية للصمود".
تطور الخطاب
ونجحت خطابات المقاومة خصوصا القسام في رفع الروح المعنوية في ذروة تصعيد العدوان الإسرائيلي وهو ما شكل تطورًا نوعيًا في أدائها الإعلامي من حيث المضمون والتوقيت وشكل الأداء، لتكون الأجواء ما بعد خطابات "أبو عبيدة" ليست كما قبلها.
وارتبط ظهور الناطق باسم القسام في عقول الفلسطينيين بالأخبار السارة رغم التصاعد المستمر في دموية العدوان الإسرائيلي.
ويرى عريقات أن الخطاب المقاوم ظهر بثقة كبيرة بالنفس تعكس الإعداد الجيد للمعركة مع الكيان الإسرائيلي، وقدرة فائقة على تنفيذ الخطط والسيناريوهات الميدانية، والإمساك بزمام المبادرة.
وعلى مدار 51 يوما من العدوان الإسرائيلي وجه أبو عبيدة خمسة خطابات مسجلة بدأت في اليوم الرابع وتلاها خطاب في اليوم 12 وثالث في اليوم 14 ثم في اليوم 32 وأخيرا في اليوم 45 للعدوان.
ومن بين ما جاء في خطاب اليوم 45 للعدوان على لسان أبو عبيدة "يُمنع على سكان ما يسمى بغلاف غزة والمدن القريبة من العودة إلى بيوتهم، وعلى من يظلّ منهم للضرورة البقاء داخل الملاجئ والمناطق المحصنة حتى إشعار رسمي آخر من القائد العام لكتائب القسام".
ويدلل الخبير الإعلامي المقيم في بروكسل حسام شاكر على النمو الواضح لخطاب المقاومة خلال المعركة بحفاظها على تدفق الرسائل والمفاجئات لتبقى في ذروة مستمرة، مؤكدًا أن ذلك لم يأت من فراغ بل بتنسيق ميداني-إعلامي متقن.
وبعث تصوير العمليات الهجومية النوعية برسائل اقتدار ميداني كان لها تأثير بالغ في مسار المعركة- يضيف شاكر لوكالة "صفا"- علاوة على أنه رسم صورة واقعية لما يجري في عمليات، بمقابل دعاية إسرائيلية تقدم مشاهد ملتقطة من بعيد باللونين الأبيض والأسود دون تفاصيل.
صنع الحدث
وكان من اللافت سعي المقاومة للتأثير على مفاصل معينة خلال عدوان غزة كضرب الثقة بين جمهور الاحتلال من جانب والحكومة وقيادة الجيش من جانب آخر، وكذلك إشعار الإسرائيليين بعدم جدوى منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ.
ويشير شاكر إلى أن المقاومة بدت صانعة للحدث خلال أسابيع العدوان، من خلال التحديد المسبق للمكان والزمان الذي سيتم فيه القصف، أو بفرض الحظر على تحليق الطيران المدني وتعطيل مطار "بن غوريون"، أو إلزام سكان مستوطنات ما يسمى بغلاف غزة بالفرار أو لزوم الملاجئ "وهو ما منح المقاومة أفضلية في التأثير".
ولعلّ الإشارة الأهم لفعالية خطاب المقاومة في التأثير على جمهور الاحتلال وردت في "مؤتمر الهزيمة" الذي خاطبت فيه قيادة الاحتلال جمهورها يوم 27 أغسطس، إذ أن وزير الجيش موشيه يعالون قال حينها للإسرائيليين: "لا تتأثروا بأقوال قادة حماس".
لغة خاصة
وعن الظهور الإعلامي للناطق باسم القسام خلال المعركة، ينبه شاكر إلى نشوء لغة تفاهم خاصة بين "أبو عبيدة" والجماهير في العديد من البلدان، وتحوّل اللثام من عائق تواصلي إلى عُمق رمزي.
ويقول بهذا الصدد "لا يمكن تخمين قسمات وجه أبي عبيدة من خلف اللثام الأحمر، لكنّ ذلك اللثام الشامل لم يمنع التواصل مع الجمهور، فهو طور لغة تواصل ذاتية نقل فيها انفعالات الوجه لحركة الرأس واليدين والأذرع".
ويضيف أن رفع أصبع السبابة بشكل متكرر من قبل الناطق باسم القسام في كل ظهور "جاء تأكيدًا للثقة بموقف المقاومة وتحذيراً واضحاً للاحتلال".