اطلس- على مدى عقود، اغتال الإسرائيليون كثيرا من الفلسطينيين؛ منهم أدباء، وفنانون، ودبلوماسيون، وعسكريون، لغرض إنهاء المقاومة
أما فلسطينيا، فمارست مجموعات منبوذة انتهت شر نهاية، الاغتيال الداخلي، وتحديداً جماعة المدعو صبري البنا (أبو نضال)؛ وكان ذلك نتيجة لتطرف وشهوة سلطة، ولأنّها كانت "بندقية للإيجار"، ولكن بذريعة معارضة التسوية السلمية. وحدث اقتتال بين حركتي "حماس" و"فتح" في قطاع غزة في العام 2007، محوره السلطة، ونزعة "حماس" إلى الحسم العسكري لما اعتبرته تمرداً أو انقلاباً مزمعاً من حركة "فتح" ضد حكومة جاءت بالانتخاب. بدورها، رأت "فتح" أن ما تم انقلاب ضد شرعية الرئاسة المنتخبة، وضد القانون الأساسي وما حدده بشأن المسؤول عن الأجهزة الأمنية. وفي غزة الآن سلسلة انفجارات مذلة ومرعبة، عنوانها "مهرجان".
تبرز ثلاثة مطالب رئيسة في حالة عملية مثل التي حدثت في غزة يوم الجمعة الماضي؛ عندما تم وضع عبوات ناسفة قرب منازل قيادات حركة "فتح" هناك، إضافة إلى منصة الاحتفال الذي كان مقررا بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. هذه المطالب هي: أولا، الكشف عن الجناة وهدفهم. وثانيا، منع استفحال الأمر وتدهور الحالة الأمنية. وثالثا، عدم نجاح الجناة في خلط الأوراق وفرض ما يريدون، ليشكلوا مستقبلا ميليشيات تزرع بالرعب ما تريد، مقابل أيضا عدم استخدام الحدث لتقييد الحريات وتصعيد حملة ضد المعارضة، ولاسيّما في الضفة الغربية، فمع حدث من هذا النوع يأتي عادة من يحاول استغلاله لتمرير أجندات كانت تنتظر اللحظة المناسبة.
في ثنايا كل هذا، فإنّ هناك إشكالية تبرز بوضوح، ألا وهي محدودية وضيق الأجندة الوطنية الفلسطينية، وانحسارها للحديث عن مهرجان جماهيري (واجهه فشل في كل مرة عقد فيه)، إلى أزمة رواتب لعناصر أمن في زمن ما يزال الاحتلال فيه يعيش حالة تمدد.
لو أجرى باحث إعلامي تحليل مضمونٍ للتصريحات التي صدرت عن حركتي "حماس" و"فتح" عقب تفجيرات الجمعة الماضية، لوجد القليل جداً عن الإسرائيليين والاحتلال، إذ اقتصر الحديث عنهما على محاولة بعض مسؤولي "حماس" الإشارة إلى احتمال تورط إسرائيلي، مع أنّ هذا يعني اختراقاً أمنيّاً هائلاً لقطاع غزة، ينسف حديث "حماس" عن نجاحاتها في مَسك الأمن في القطاع، ومواجهة المخابرات الإسرائيلية. إذ لو تحقق أنّ جهة خارجية نفذت ما حدث، فهذا يعني أنّ الأمن وأجهزته في غزة يعيشان حالة انهيار.
أضف إلى ذلك تهرب "حماس" من الإجابة عن الأدلة الظرفية العديدة الخاصة بإعلان عناصر فيها، في أجهزة الأمن والإعلام، عن سعيها إلى منع انعقاد المهرجان؛ بل إن بيان "الاعتذار" عن عقد المهرجان فيه تأكيد لهذه الأدلة الظرفية، من نوع الحديث عن "عدم توفر الوقود والميزانيات التشغيلية ورواتب للموظفين". والسؤال هو: هل هذه مقدمة لاعتذار هذه الأجهزة (التي كان تأسيسها سببا أساسيا للانقسام) عن كل مهماتها الأخرى قريباً؟ وهذا سؤال يوجه لحكومة رامي الحمدالله، بقدر ما يوجه لحماس وفتح.
إلى ذلك، يختزل احتشاد أعضاء لجنة مركزية "فتح" وقياداتها خلف المايكروفونات للتعليق على الحدث، والإشارة إلى ما إذا كان المهرجان سيُعقد أو يلغى، حالة انهيار وطني. إذ لم نر غرفة عمليات ومواجهات لنصرة القدس وردع الاحتلال، أو توقفاً، بذات الحجم، عند جرائم القتل اليومية في كل فلسطين. وهو غياب ينسحب على حركة "حماس" أيضاً. وحركة "فتح" نظمت أكثر من مهرجان لإحياء ذكرى عرفات في قطاع غزة، نجحت فيها الجماهير بالاحتشاد الهائل، لكن فشل فيها التنظيم الفتحاوي وفشلت "حماس" بأجهزتها الأمنية؛ ففي العام 2008 قتل عدد من المواطنين في المهرجان، وفي العام الماضي لم يكتمل المهرجان بسبب عدم القدرة على ضبط النظام.
لم تؤدِ حرب غزة الأخيرة إلى رفع الحصار عن القطاع، بل ازداد قسوة، خصوصاً مع الإجراءات المصرية بذريعة تورط فلسطينيين من غزة في أحداث سيناء. وتعزز التفجيرات الأخيرة المزاعم بشأن انفلات أمني في القطاع، وبشأن وجود شبكات تسرح وتمرح هناك، وتدعم أصواتا تتهم "حماس" أو عناصر فيها بالتورط في عمليات عنف.
تشير البوصلة الفلسطينية الفصائلية الراهنة للتناقضات الثانوية الداخلية، بعيداً عن التناقض الأساسي، وتقزم الأجندة الوطنية إلى مهرجان ورواتب ورتب عسكرية ومدنية، ونكايات داخلية.