اطلس-قبل حرب 1967 كانت اسرائيل تطالب بالمفاوضات مع العرب بأي شكل، وتتباكى على رفض العرب لأي تعامل معها وإصرارهم على مقاطعتها.
وحين بدأ التفاوض المباشر مع حكومة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات تبين أن التفاوض في نظر اسرائيل هو قبول كل شروطها، وأن مفهوم السلام الذي لا يتماهى مع الاستسلام ليس في واردها.
وفي حالة المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، رفضت اسرائيل قرارات الشرعية الدولية التي نصت على مقايضة الأرض بالسلام، وأصرت على اتفاق مرحلي مدته خمس سنوات، كان من المفروض في نهايتها وفقا للاتفاق أن تتسلم السلطة الفلسطينية السيطرة الكاملة على 99 في المائة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وخلال واحد وعشرين عاما من المفاوضات التي أعقبت اوسلو تنصلت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من هذا الالتزام الذي وقعت عليه، ورسخت جذور الاستيطان والمستوطنين في الأراضي المحتلة بحيث اقترب عددهم من ثمانمائة ألف، ويبدو أنها تطمح لتحويلهم إلى أغلبية تفوق الفلسطينيين عددا، وبالتالي تمكنهم من إقامة كيان خاص بهم ويصبح الفلسطينيون غرباء في وطنهم، محرومين من كل الحقوق الإنسانية والوطنية التي تتمتع بها كل شعوب العالم.
الفلسطينيون وافقوا وامتثلوا لإرادة المجتمع الدولي الذي سلبهم حق الدفاع عن النفس، ومنح هذا الحق بشكل مطلق لاسرائيل المدججة بكل أنواع الأسلحة، ولها جيش يعتبر من بين الأقوى بين جيوش الدنيا، في الوقت الذي ظل فيه الفلسطينيون عزلا من السلاح. ومع ذلك يتم التركيز على الأمن الاسرائيلي، ولا يهتم أحد بأمن المواطنين الفلسطينيين أو بحمايتهم من الاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون، أو من الاقتحامات التي ينفذها الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية في أي وقت يراه مناسبا، ودون أي مبرر في كثير من الأحيان.
وحين كان الكفاح المسلح وسيلة لتحقيق التطلعات الفلسطينية الوطنية واجهته اسرائيل والعالم بالرفض والإدانة، وكانت المبادرات السلمية تتوالى لتطلب من الفلسطينيين أن يستجيبوا لنداءات الشرعية الدولية. فما الذي حدث عندما استجابوا وساد الهدوء سنوات عديدة، فهل تفاوضت الحكومات الاسرائيلية بنية صادقة لتحقيق تسوية قبلها الفلسطينيون، وتفاوضوا بإخلاص بموجبها، مع أنها لا تعطيهم سوى خمس أراضي فلسطين الانتدابية وتعطي اسرائيل الأربعة أخماس الباقية؟.
والسؤال هو : اسرائيل ترفض التفاوض تحت العنف، وفي الوقت نفسه فإن الهدوء ووصول العنف إلى النقطة صفر لم يحفزها على قبول التسوية السلمية التي أقرها مجلس الأمن الدولي والمعروفة بحل الدولتين. فكيف تريد الحكومة الاسرائيلية إذن التوصل إلى السلام بالمواصفات الدولية المقبولة عالميا؟.
أبواب التسوية مغلقة، ولا تفتح لا بالعنف ولا بالتزام الهدوء وتجنب كل أشكال العنف، فما الذي سيفعله الفلسطينيون للخروج من هذه الدائرة المغلقة؟.
هذا السؤال مطروح أمام اسرائيل وسط أجواء التوتر التي تسود القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة. فلا أحد يريد العنف وسفك الدماء إذا كان هناك ضوء في آخر نفق اليأس الذي يعيشه الفلسطينيون.
والسؤال مطروح أمام الأسرة الدولية التي تعهدت للفلسطينيين بالوصول إلى حقوقهم الوطنية المشروعة بطريقة التفاوض والدبلوماسية. فهل ينتظر الفلسطينيون إلى الأبد معجزة تحقق لهم مطالبهم العادلة خارج نطاق العنف، وبعيدا عن المفاوضات العبثية الأزلية؟.
وهل من جواب على هذا التساؤل المشروع؟.