اطلس- بعد اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية، واقتراع البرلمان البريطاني على وجوب الاعتراف بها، ومن بعد البرلماني الإسباني، تناقش الجمعية الوطنية الفرنسية في 28 تشرين الثاني الحالي مشروعاً يسارياً يطلب من الحكومة الاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتباره جزءاً من حل نهائي للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ويستدل المشروع بمخاوف من انفجار الأوضاع في القدس والضفة الغربية، ومن استمرار الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي الذي يحمل خطراً جدياً على مشروع الدولتين
ويتزامن النقاش في البرلمانات الأوروبية مع مشروع قرار تقدم به الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال، على أن يخضع للتصويت أواخر الشهر الحالي.
معلوم أن الدولة الفلسطينية ذات العضوية المراقبة في الأمم المتحدة باتت تحظى حتى الآن باعتراف 135 دولة، ولكن التصويت الأوروبي، وبخاصة اعتراف دول دائمة العضوية في المجلس، ينطوي على ثقل فارق بالنسبة إلى مستقبل الدولة التي ينعقد إجماع حول وجوب إدراجها في مشروع لحل الصراع وفق صيغة الدولتين القابلتين للحياة..
وتسعى السلطة الفلسطينية التي فقدت كل أمل في انتزاع تنازلات إسرائيلية على طاولة المفاوضات إلى مناقشة قضية الاحتلال في مجلس الأمن، علّها تحصل على قرار يلزم إسرائيل بالانسحاب من أراضي الدولة المستقلة، بيد أن هذا المشروع قد يولد ميتاً، لأن الإدارة الأمريكية ستستخدم "الفيتو" ضده بحسب مصادر متقاطعة .
وعلى الرغم من الصيغة المعتدلة لمشروع القرار الفرنسي الذي تقدمت به إيزابيل غيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان باسم الحزب الاشراكي، فإن تيار الخضر ومعه الحزب الشيوعي قد تقدم بمشروع أقوى، ومن المقرر أن يتم الاقتراع على المشروعين في مطالع كانون الأول المقبل، وينتظر أن يمتنع اليمين الديغولي عن التصويت، وأن تقترع ضده قبضة من النواب الاشتراكيين الموالين لإسرائيل .
وبالمقابل حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اعتماد القرار، مفترضاً أنه يعطي "الفلسطينيين دولة من دون سلام . ويساعدهم على انتهاج سياسة متصلبة ويبعدهم عن المفاوضات"، ودائماً بحسب الوزير الاسرائيلي الأول الذي لن يؤدي تحذيره لأي تعديل في أجندة التصويت على مشروع القرار .
معلوم أن السلطة الفلسطينية تشن هجوماً دبلوماسياً متواصلاً على إسرائيل منذ فشل المفاوضات الثنائية مع حكومة نتنياهو وبعد إخفاق أوباما في فرض إلزام اسرائيل بحل الدولتين . مع التذكير بأن عباس ارتضى العودة إلى التفاوض حينذاك بعد حصوله على تعهدات دولية ضمنية بألا تعرقل وشنطن والدول الأوروبية، في حال الفشل، مساعيه لإنشاء دولة مستقلة من طرف واحد، وهو ما تم بالفعل من دون مشاركة أمريكية وغربية، ومن دون حملة مضادة . ومن المنتظر أن يستمر الموقف الأمريكي المنحاز لاسرائيل في مجلس الأمن على حاله، بيد أن فرنسا وبريطانيا قد تمتنعان عن التصويت .
أكبر الظن أن الرئيس عباس يعرف مسبقاً أن مشروعه الدبلوماسي لدحر الاحتلال لن يحالفه الحظ، لكنه يصر على اختباره لإضعاف الممانعة الأمريكية أمام المجتمع الدولي، وللتحجج بتنسيب دولته إلى ما تبقى من المنظمات والهيئات الدولية، وبالتالي امتلاك ترسانة من الأسلحة الدبلوماسية لاستخدامها في مواجهة الاحتلال الذي حظي حتى الآن بصمت شبه رسمي في هذه المؤسسات، باعتبار أن الأراضي المحتلة بلا هوية دولية، فلا هي تابعة للأردن، ولا هي تابعة لكيان فلسطيني تنطبق عليه معايير القانون الدولي .
من جهة ثانية، لا تبدو المقاومة في أفضل حالاتها هذه الأيام، فهي تتعرض لحصار من كل صوب في غزة ويضيق أمامها هامش المناورة يوماً بعد يوم، وتلقي على عاتقها أثقال ونتائج الحرب الاسرائيلية الأخيرة، وهي غير قادرة على إطلاق عملية إعادة الإعمار من دون السلطة الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى انهيار اتفاق المصالحة الأخير بين الطرفين .
ان فشل إسرائيل في حرب غزة اضعف استراتيجيتها الحربية، وضيق أمامها هامش المناورة الحربية، وعزز قابليتها للضغوط الدولية، وقد تبدى ذلك في عملية الكنيس اليهودي قبل أيام، والتي كانت من قبل سبباً لشن حرب في غزة أو في جنوب لبنان، وهو ما بات متعذراً، ويعرض اسرائيل لمزيد من ردود الفعل المماثلة .
وسط هذه الأجواء تنطلق الهجمات الدبلوماسية الفلسطينية على الصعيد الدولي، وتسجل أهدافاً متتالية في المرمى الإسرائيلي، ينذر تراكمها بإضعاف موقع إسرائيل الدبلوماسي، وتعريضها لضغوط شبيهة بتلك التي أصابت النظام العنصري في جنوب إفريقيا وحملته خلال شهور معدودة إلى الاستسلام.. في مثل هذه الظروف كان يحلو للراحل ياسر عرفات أن يقول "وما النصر إلا صبر ساعة" .