لاستصدار قرار من المجلس بشأن إنهاء الإحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية ذلك لأن مشروع القرارقد ترك الباب مفتوحا أمام المزيد من المشاورات والإتصالات والتعديلات التي يمكن أن تستمر شهورا طويلة ويمكن أن تتمخض عن صيغة جديدة لا تمت للأصل بصلة.
فالقرار في مضمونه ينص على التوصل لاتفاق نهائي خلال عام من التفاوض وفق جدول زمني للمفاوضات ، وأن يتم الإنسحاب الإسرائيلي وإنهاء الإحتلال خلال عامين وإقامة الدولة الفلسطينية وأن تكون القدس عاصمة مشتركة ، وأن على إسرائيل أن تنصاع للإلتزامات المترتبة عليها وفقا للقانون الدولي الإنساني والإمتناع عن أية خطوات أحادية غير قانونية، والبدء فورا في إعمار غزة وتقديم المساعدات الإنسانية لسكانها.
ولا أعتقد أن أحدا يختلف حول هذا المضمون بشكل عام ، ولكن الإختلاف هو بشأن الآلية التي يمكن أن تجعل هذا القرار فاعلا أو حبرا على ورق.
والملاحظ أن مشروع القرار الذي قدم للمجلس لم يكن صيغة نهائية وإنما هو مسودة قابلة للنقاش والتعديل بالإضافة إلى أنه لم يُطلب طرحها للتصويت في وقت محدد ولذا فإن التصويت عليه قد يتم بعد شهور طويلة ناهيك عن أنه سيتعرض خلال هذه الشهور إلى الكثير من التعديلات التي يمكن في نهاية المطاف أن تسفر عن قرار هو غير القرار الذي كنا نتطلع إليه كما أسلفت .
والمؤسف في كل ما يحدث هو أننا نصطدم دائما بالصخرة الأمريكية مهما حاولنا أن نتحلى بالبراغماتية أو المرونة أو نبدي الإستعداد للتعاون مع واشنطن. فبالرغم من التوضيحات بأننا لا نطالب بالتصويت عليه الآن ، وأنه صيغة مقترحة قابلة للنقاش إلا أن المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة جينيفر بساكي ، وبارغم من العلم بحيثيات الموقف الفلسطيني ومرونته المطلقة ، قد سارعت إلى القول بأن أمريكا ضد تحديد أية فترة زمنية للتفاوض أو لتنفيذ الحل ، وأنها ضد أي قرار دولي ، وأن التفاوض المباشر هو الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى حل. ثم تبعها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري محذرا أوروبا من التسرع في دعم القرار مدعيا بأن أي قرار دولي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيؤدي إلى تعزيز قوة اليمين الإسرائيلي في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة في آذار 2015. أي أن على أوروبا أن تنتظر إلى ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية القادمة وربما إلى ما بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد الإنتخابات أي الى النصف الثاني من العام القادم حيث تصبح الإنتخابات الأمريكية على الأبواب ويصبح الرئيس الأمريكي في حكم البطة العرجاء يقوم فقط بتسيير دفة الحكم إلى حين الإنتخابات الأمريكية وهكذا دواليك كما كان الحال منذ السنوات الأولى للإحتلال.
فالمشكلة الحقيقية تكمن في تمسك الولايات المتحدة بموقفها التقليدي الذي يصر على الحيلولة دون تدخل الأمم المتحدة أو أية جهة دولية أخرى في مساعي التوصل إلى حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة. وتتذرع الولايات المتحدة تارة بأنه لا يجوز " إزعاج " العملية السياسية غير الموجودة أصلا ، وتارة أخرى بأن حل الصراع يجب أن يكون نتيجة للمفاوضات المباشرة بين الطرفين وليس حلا مفروضا من جهات خارجية.
وهذا الموقف الأمريكي التقليدي ليس جديدا على الساحة وإنما ظلت واشنطن تمارسه منذ عشرات السنين رغم أن العشرين سنة الماضية قد أثبتت بأن لا جدوى من المفاوضات الثنائية بين اسرائيل والفلسطينيين ، وان إسرائيل تسعى بشكل سافر إلى استخدام المفاوضات كغطاء لاستمرار تنفيذ الأنشطة الإستيطانية وتغيير الأمر الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي الحقيقة ، فإن أمريكا بتبنيها لهذه السياسة على مدى عشرات السنين قد ساعدت إسرائيل على تكريس الإستيطان وإفشال أية فرصة للحل السياسي القائم على أساس حل الدولتين. أي أن أمريكا تتحدث عن السلام وحل الدولتين وتعمل في نفس الوقت على توفير الغطاء لإسرائيل لقتل وإفشال هذا الحل.
ومن المؤكد أن نظرة على أرض الواقع تثبت بأن حل الدولتين لم يعد ممكنا من ناحية عملية لأن إسرائيل قد أشغلت ومزقت بمستوطناتها كل الأرض التي كان يمكن ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية ، فأصبح حل الدولتين غير ممكن إلا في حالة واحدة وهي قيام المجتمع الدولي بفرض عقوبات ومقاطعة إقتصادية وسياسية وثقافية ضد إسرائيل تماما كما فعل مع جنوب أفريقيا إبان النظام العنصري هناك مما أدى إلى انهياره . وإذا لم يحدث ذلك مع إسرائيل ، فإننا على الطريق نحو النظام العنصري مهما وفرت لنا الدول المانحة من أموال ومهما وفرنا لأنفسنا من ألقاب ومسميات الدولة !
وأما على أرض الواقع فإننا نعيش اليوم ، وبالرغم من الأوهام وخداع الذات ، وبحكم الأمر الواقع في دولة واحدة فيها نظام عنصري غير معلن ، وأن ملامحه تتكشف تدريجيا وأنه سيأتي اليوم الذي ستصبح فيه واضحة للجميع. فإسرائيل قد أعلنت منذ شهور قليلة عن الضم القانوني للمستوطنات من خلال تطبيق القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية وربط البنية التحتية للضفة بإسرائيل.
ويبقى السؤال عن جدوى التقدم بمشروع القرار لمجلس الأمن وماهي الإستراتيجية الفلسطينية نحو المستقبل. فإذا ما كان مشروع القرار مفتوحا للنقاش والتعديل ، وإذا ما كان مشروع القرار سيتم التصويت عليه وفق الإجراءات العامة لمجلس الأمن فإنه لن يعدو كونه قرارا آخر يُضاف إلى ملف القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة الذي يضم العديد من قرارات مجلس الأمن بشأن القدس والإستيطان والحل ولكن دون أية إمكانية لوضع أي من هذه القرارات موضع التنفيذ.
وإذا ما أريد زحزحة إسرائيل عن موقفها المتعنت فإن أية قرارات لمجلس الأمن يجب أن تستند للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يلزم إسرائيل بالتنفيذ وإلا تكون تحت طائلة العقوبات. وفي هذا الصدد ، فإنني أعتقد متواضعا أنه كان من الأجدر ترك أوروبا تمضي قدما بمشروع القرار الفرنسي الذي ربما كانت له فرص أكثر من المشروع الفلسطيني ، وفي هذا إجهاض مسبق للجهد الدولي وإعفاء لأوروبا من مهمتها.