اطلس- بعد أيام نودع العام 2014 ونستقبل عاما جديدا سرعان ما سنودعه ونستقبل عاما آخر كما كان هو الحال منذ الأزل.
ولكن الأمر المتميز في الحال الفلسطيني هو أننا نودع في كل مرة عاما نبكي عليه لأننا نكتشف متأخرين بأنه كان أفضل من العام الذي نستقبله. ويبقى السؤال: إلى متى يظل الحال يتدهور من سيىء إلى أسوأ !؟ وما هو مدى مسؤوليتنا في عدم القدرة على تغيير مجريات الأحداث ، ولماذا لا نتوقف لحظة مع أنفسنا نسألها إلى أين نحن مهرولين وهل نحن في الاتجاه السليم أم اننا ضللنا السبيل..؟
منذ أن دخلنا نفق المفاوضات ونحن نعيش في حالة رد الفعل ، فقد تخلينا عن الأخذ بزمام المبادرة وأصبحنا نلهث وراء سراب الحل السياسي ، وتخلينا عن استقلالية القرار الفلسطيني وارتهناه للعرب تارة تحت مسمى لجنة المتابعة العربية ، وللأمريكيين تحت الافتراض بأن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا كما قال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ، وللاسرائيليين تحت الافتراض بأنهم شركاء في التسوية وأن أية تسوية لن تكون ممكنة ما لم يوافق عليها الجانب الاسرائيلي.
جالت هذه الأفكار في خاطري أمس وأنا أعبر حاجز «الكونتينر» الذي يقع في أطراف بلدة السواحرة الشرقية والذي يشكل نقطة الاتصال الوحيدة التي تربط بين شمال ووسط الضفة الغربية من جهة وجنوبها من جهة أخرى ، وهو منطقتي بيت لحم والخليل التي يسكنها حوالي مليون مواطن فلسطيني والتي تملك وتتحكم في ثلثي الاقتصاد والطاقة الانتاجية الفلسطينية وخاصة مدينة الخليل.
وكما هو معروف للجميع فإن حاجز «الكونتينر» لا يفصل بين منطقة إسرائيلية أو منطقة مستوطنات إشكالية ومنطقة عربية وإنما يفصل بين منطقتين فلسطينيتين مأهولتين بالسكان العرب ولا معنى ولا تفسير ولا لزوم لبقاء هذا الحاجز للفصل بينهما.
وبدلا من العمل على إزالة هذا الحاجز الذي هو بمثابة المحقن ، فوجئنا منذ أيام بالآليات الاسرائيلية تعمل على إزالة الحاجز البدائي القديم وتعمل الآن على إقامة معبر حدودي جديد بمرافق ومسالك وغرف تفتيش واحتجاز تماما كالحواجز الحدودية التي تفصل بين الدول ، الأمر الذي يعني تكريس فصل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها ، وتثبيت فكرة البانتوستانات التي كثيرا ما كان يتحدث عنها ويحذر منها الرئيس الراحل ياسر عرفات ولم يكن هناك من يأخذ حديثه وتحذيراته مأخذ الجدية اللازمة.
وللأسف الشديد فإننا لم نسمع حتى الآن ولو عبارة استنكار أو احتجاج صادرة عن الجانب الفلسطيني تُطالب بالتوقف عن تحويل ذلك الحاجز إلى معبر وتُطالب بإزالته . ونأمل أن يتم ذلك وبسرعة قبل أن يتحول التغيير إلى واقع ، ولو على الأقل لتسجيل موقف رافض للتغيير!.
ولا يقتصر الأمر بالطبع على تحويل حاجز «الكونتينر» إلى معبر حدودي دائم وإنما نحن نواجه كل يوم أنباء عن قرارات وأوامر عسكرية احتلالية جديدة بمصادرة أراض وتوسيع مستوطنات وتحويل مواقع عسكرية ومعسكرات إلى مناطق استيطانية بضمها إلى مستوطنات قريبة منها لتوسيع المستوطنات وتكثيف عدد السكان والبيوت فيها ، إضافة إلى بناء المزيد من آلاف الوحدات الاستيطانية خارج الخط الأخضر على أطراف مدينة القدس لتوسيع رقعة الأحياء اليهودية وضم هذه المساحات إليها.
الصورة بمجملها توضح بأن السياسة الاسرائيلية لم تتغير بل تزداد شراسة ، والنشاط الاستيطاني لم يتوقف بل يزداد ضراوة ، وأن الحديث عن الحل السياسي ليس سوى ذرا للرماد في العيون ، وأن كل ما تفعله الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة هو قتل أية فرصة للحل السياسي وتكريس الدولة الواحدة ، الدولة اليهودية على كامل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر على فرض أن لا مكان للعرب فيها وأن ما تفعله إسرائيل هو إما تحويل حياة هؤلاء العرب إلى جحيم لإرغامهم على الهجرة والرحيل - وهناك فعلا هجرة صامتة تتم بهدوء ولا يجرؤ أحد على الحديث عنها- أو تحويلهم إلى عبيد في خدمة الاسرائيليين والاقتصاد الاسرائيلي.
لقد آن للقيادة الفلسطينية أن تسأل نفسها عما إذا كان الأسلوب النمطي التقليدي الذي انتهجته منذ عام 1988 هو الأسلوب الأفضل للعمل ، أم أن كل ما يحدث على الأرض قد جعل هذا الأسلوب فاقدا للصلاحية الزمنية وأنه لا بد من البحث عن أسلوب جديد يصلح للزمن الذي نعيش فيه . فنحن نعيش في عالم متغير وبسرعة فائقة ، وما كان يصلح بالأمس لا يصلح اليوم فما بالكم إذا كنا نتحدث عن أكثر من رُبع قرن من الزمن!
وإذا كانت القيادة الفلسطينية مطالبة بإعادة النظر في أسلوب عملها ونمطه ، وفي ضرورة ضخ دماء جديدة شابة في عروقها ، فإنها مطالبة بكسر هيمنة الحزب الواحد وتبني سياسة إصلاحية منفتحة ، وأن تحرص في نفس الوقت بألا تقع في مصيدة اجترار الذات كما وقعت ثورات وأنظمة وأحزاب سياسية تربعت على عرش الحكم ثم نسيت كيف وصلت إلى الحكم ، ثم تحولت إلى مافيات وكارتلات ومجموعات منافع ومغانم متبادلة ، كما حدث للأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية ، وكما تكشف الأمر عند انهيار الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي وانكشاف القناع عن وجه العديد من كوادره وقياداته.