اطلس- نودع عاما مضى لنبدأ عاما جديدا بمعركة سياسية بالغة التعقيد، هي معركة مجلس الأمن.
ولقد سبق هذه المعركة ضغوط أمريكية مباشرة للإقلاع عن الفكرة او تأجيلها الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية ، وخلال فترة التحفز للذهاب الى مجلس الأمن، دخلت قوى عديدة على الخط، محاولة تخفيف صيغة مشروع القرار، وجعله مجرد كلمات مفرغة من المضمون ، او بتعبير سياسي أدق، مجرد حافز ليس لإنهاء الاحتلال وإنما لعودة المفاوضات.
ولقد تجاوب الفلسطينيون مع الجهود الهادفة الى تخفيف صيغة القرار ضمن نص وسطي أثار ردود أفعال سلبية من جانب العديد من الفصائل الفلسطينية .
وحين لم تجد المرونة نفعا في تعديل الموازين وإرضاء الامريكيين واستقطاب الاوروبيين ، أعيدت صياغة النص على نحو يبدو فيه كما لو أنه مقدم الى المجلس الوطني الفلسطيني ، ورغم ذلك فقد وضعت حركة حماس "فيتو" صارما على مشروع القرار واصفة إياه بأخطر ما يوصف به أي قرار فلسطيني وهو التضحية بالقدس ، وبعض الفصائل الأخرى وضعت فيتو ولكن بصيغة ديبلوماسية ، كالقول إننا لم نطلع على مشروع القرار، بما يعني انه في حالة ظهور تداعيات صعبة يكون أصحاب هذا القول قد أمنوا لأنفسهم مخرجا من الحرج تحت عبارة لم نكن نعلم .
وهذه " الفيتوهات" المحلية، أسهمت في إضعاف زخم المعركة وتزويد خصوم الذهاب الى مجلس الأمن بذخائر تنفع في الادعاء بالقول، حتى هذا لا إجماع فلسطينيا عليه.
واذا ما تجاوزنا " الفيتوهات الفلسطينية" التي هي جزء من الفلكلور السياسي الذي تعودنا عليه في مساجلاتنا الداخلية، لندقق في الموقف العربي من الأمر ، فإن هنالك فيتو آخر يقال همسا في الآذان، بما يعني ان معركة مجلس الأمن في هذا الوقت ربما تضر بالمعركة الأشمل ضد داعش ، الا ان العرب يعرفون جيدا كيف يمارسون مواقفهم فيلبسون عباءة الجامعة وأمينها العام نبيل العربي، فهو المفوض بالحديث عنهم ضمن جملة واحدة لم تتغير منذ سنوات "أيها الفلسطينيون خذوا قراراكم ونحن معكم".
هذا الموقف العربي الهامس في الأذن بنصيحة التأجيل، والموقف الحقيقي الذي لا يكفي لتغطيته تصريحات العربي ، وقرارات وزراء الخارجية.
الوضع هكذا في دائرتينا الفلسطينية والعربية ، ولم نصل بعد الى الدائرة الامريكية التي تجاهر منذ زمن برفضها المطلق لتدخل مجلس الأمن في الشأن الفلسطيني ـ الاسرائيلي بالذات ، مغطية نفسها بزعم ان هذا المجلس لا يصلح للحل، لأن الذي يصلح فقط هي المفاوضات، وحين يقال للامريكيين لقد جربنا المفاوضات ما يقرب من ربع القرن، ولم نصل الى نتيجة رغم الرعاية الامريكية لها ، يقولون .... ومجلس الامن كذلك لم يحقق لكم شيئا منذ بداية القضية الفلسطينية حتى يومنا هذا .
وما يعيب الموقف الامريكي حقا هو العجز عن تقديم صيغة بديلة عن فشل المفاوضات وفشل مجلس الامن، فالامريكيون يرفضون فشلا ليجرونا الى فشل أفدح، وسلاحهم بين الفشلين هو الفيتو الذي ما استخدم يوما الا لاغلاق الابواب والنوافذ على الفلسطينيين .
اما اسرائيل وفي موسمها الانتخابي المحتدم بالمزايدات والمناقصات واللهاث وراء الاصوات، فقد ادخلت حكاية مجلس الامن بصورة مبالغ فيها الى البازار الصاخب في هذا الموسم، اليمين يراه اشعال حرب فلسطينية على وجود اسرائيل، واليسار يراه خدمة لليمين في وقت حرج ويحاول قدر الامكان تلبيس نتنياهو مسؤولية جر الفلسطينيين الى هذا الموقع .
ومن خلال هذه الشبكة من المواقف والاستثمارات يظهر لنا ان المعركة وان كان لها الكثير ما قبلها فلها الأكثر لما بعدها، واذا كان محسوما ان لا يمر القرار في مجلس الامن حتى لو حصل على الاصوات التسعة المطلوبة، فإن ما سيحدث بعد ذلك هو الانتقال من معركة الى معركة أخرى ، وبقدر ما نحن محقون في اعتناق مبدأ طرق كل الابواب من أجل قضيتنا وحقوقنا، فان العامل الأهم في مثل هذا النوع من المعارك هو الحسابات الدقيقة، وترتيب البيت كأرض نقف عليها في زمن المعارك الصعبة والخطرة، وما نحن فيه الآن وخصوصا في دائرتينا الفلسطينية والعربية ، يحتاج الى جهد كبير وكبير جدا كي نأمل بالفوز في هذه المعركة وما يترتب عليها من معارك أخرى.