اطلس- منذ هزيمة حزب "العمل" برئاسة باراك سنة 2001، وانضمام الحزب لاحقاً إلى معظم الحكومات التي شكلها حزب "الليكود" أو المنشق عنه حزب "كاديما"؛ لم يعد الحزب، وكل كتل ما يعرف بأحزاب الوسط،
يشكل منافساً انتخابياً جدياً لتشكيل الحكومة أمام منافسة "الليكود" والقوى اليمينية والأصولية، وهو حتى انه لم يعد يؤمن بقدرته التنافسية وتغيب عنه الثقة الذاتية، ويظهر تردداً وتلعثماً وتباكياً والكثير من التلون والنفاق، ويبدو ان مهمة الحزب الذي أقام دولة الاحتلال تنحصر اليوم بدور ورقة تين كبيرة لليمين الذي يستكمل المشروع الاستيطاني الذي بدأه حزب "العمل"، أشبه بتبادل أدوار مخطط ومرسوم، مفهوم ومتفق تلقائياً دون ان يكتب أو ينعقد عليه قرار.
توقيع قادة حزب "العمل" على اتفاقية أوسلو وتبني مبدأ التسوية السياسية على أساس حل الدولتين وعضوية الحزب في اتحاد الأحزاب الاشتراكية وحصول قادة الحزب بيرس ورابين على جائزة نوبل للسلام سنة 1995؛ كل ذلك منح الحزب رخصة دولية لتبييض الجرائم الاحتلالية، بما في ذلك الحروب والاستيطان والتنكر لاستحقاقات التسوية، وقدرة كبيرة على تشريع وتسويق وتسويغ حكومات اليمين وسياساتها.
شمعون بيرس، الذي تمتع بحضور كبير في أوروبا وبمكانة الراعي والأب الروحي لصناعة السلام، كان شريكاً هاماً لشارون في كل جرائمه وعدوانه، بما في ذلك تحويل الشهيد الرمز عرفات الى لا شريك واتهامه بالإرهاب، ولاحقاً حصاره وقتله، ولعب دوراً هاماً في تقديم شارون للعواصم الأوروبية على انه يقاتل بشجاعة من أجل السلام، تلك العواصم التي امتنعت عن الالتقاء بشارون عندما كان وزير خارجية نتنياهو، وكان لا يزال ينظر إليه على انه المجرم المدان بمجزرة صبرا وشاتيلا، وبيرس بصفته رئيساً للدولة نجح كأمهر المحامين للدفاع عن سياسات نتنياهو.
رؤساء حزب "العمل" الآخرين بن اليعازر وعمير بيرتس وباراك كانوا شركاء في كل حكومات شارون وأولمرت ونتنياهو (باستثناء رئيسة الحزب السابقة يحيموفيتش التي رفضت لاعتبارات غير سياسية الدخول في حكومة نتنياهو الأخيرة) وكانوا وزراء حرب وشنوا حروباً تعتبر الأشرس على الضفة والقطاع ولبنان (2002 و2006 و2008 و2009)، وفي ظل حكومات ائتلاف "العمل – الليكود" تقدمت بقوة وتسارع مشاريع الاستيطان وتهويد القدس وسياسات فرض الأمر الواقع، بما يقطع الطريق عملياً على قيام الدولة الفلسطينية، والأخطر في كل ذلك انها تمت تحت غطاء المفاوضات وبصمت وقبول دولي، وهو ما غاب عن حكومة نتنياهو الأخيرة.
على الرغم من ان الرئيسة السابقة لحزب "العمل" يحيموفيتش عبرت في حملتها الانتخابية آنذاك عام 2012 عن توجهات سياسية يمينية، واعتبرت الاستيطان يمثل اجماعاً صهيونياً، وهمشت الأجندة السياسية لصالح الاجتماعية؛ فإن مجرد عدم دخولها ائتلاف نتنياهو كان له مردود سلبي كبير جداً على سياسات نتنياهو في الساحة الدولية، وأثر إيجاباً على الموقف الفلسطيني من المفاوضات.
هذا لا يعني اننا نقول ان السبب الرئيسي للحراك الدولي الايجابي تجاه القضية الفلسطينية، بما في ذلك حركة المقاطعة والاعتراف بدولة فلسطين والموقف الفلسطيني الرافض للعودة للمفاوضات بنفس آلياتها ومرجعياتها السابقة وتبني خيارات جديدة، يعود لوجود حزب "العمل" خارج ائتلاف نتنياهو، لكنه شكل سبباً وحافزاً مهماً؛ حيث لم يكن نتنياهو مضطراً لتبني خطاب العلاقات العامة الخاص بحزب "العمل"، الخطاب الذي يتصف بالخداع والتضليل وبيع الأوهام، وينجح في احتواء الأزمات وفي تنفيس حالات التوتر والاحتقان الناتجة عن السياسات الاحتلالية على الأرض.
يبدو ان حزب "العمل" لا يريد ان ينافس اليمين حقاً على قيادة الدولة، فهو يشعر انه استنفذ دورة القيادي والريادي، وعلى اليمين ان ينجز استكمال توسيع وتأمين المشروع الصهيوني، وأن مهمته تنحصر في التغطية وكسب الوقت لمقاتلي اليمين على الأرض.
بعد أقل من أربعين يوماً ستجرى الانتخابات في السابع عشر من مارس، ويتضح من المؤشرات الانتخابية ان كتلة "هرتسوغ – ليفني" تراوح مكانها، قرابة الـ 23 مقعداً، وإذا ما بقيت كذلك لأيام قادمة فإن المراوحة بالمكان ستتحول الى تراجع وفقدان بعض المقاعد، بالمقابل فإن الليكود يحصد مقاعد جديدة، ويتضح أكثر فأكثر ان عدداً من الأحزاب يتجهون للتوصية على نتنياهو بمهمة تشكيل الحكومة، ويعترف قادة في حزب "العمل" ان مهمة هرتسوغ في تشكيل الحكومة القادمة باتت شبه مستحيلة؛ الأمر الذي يعني ان الحزب في اليوم التالي للانتخابات سيقف أمام السؤال الأهم الذي يحاولون التهرب من الاجابة عليه اليوم، وهو: هل سيذهب الحزب للمعارضة أم سينتظر دعوة نتنياهو له للمشاركة في الحكومة؟ والاحتمال الأكبر انهم سيشاركون في حكومة برئاسة نتنياهو.
المسؤولية الصهيونية والرغبة الشخصية الكبيرة لقيادات الحزب في الاستوزار، والخوف من التفكك والانشقاقات في الكتلة، بالإضافة لتبريرات العروض السخية المقدمة من جانب نتنياهو؛ كل ذلك سيشكل مبرراً قوياً لتسويغ المشاركة في ائتلاف نتنياهو الذي سيريدهم بقوة، فهو بحاجة ماسة لهم لوقف تدهور مكانة إسرائيل في العالم، ولتحسين العلاقات مع البيت الأبيض، لكن الأهم من كل ذلك ان مهمة "ليفني – هرتسوغ" ستكون إجهاض الحمل الفلسطيني.