اطلس- علينا ونحن نشاهد ما يصور ويبث من شرائط فيديو لجرائم القتل الدموية التي ينفذها ما يسمى بتنظيم "داعش" ان نعود بذاكرتنا الى العام 2005 عندما بشرت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس بالفوضى الخلاقة بالمنطقة.
ويقصد من الفوضى الخلاقة انشاء حالة سياسية بعد مرحلة من الفوضى المتعمدة يوكل لجماعة او اشخاص القيام بها بدون الكشف عن هويتهم الحقيقية وذلك بهدف تنفيذ ما يخطط له وما يرسم للمنطقة بتلك الفوضى التي بدأت من العراق للوصول لإعادة رسم المنطقة من جديد.
وبالعودة لمطلع عام 2005 حين أدلت رايس بحديث صحفي لجريدة "واشنطن بوست" الأميركية، وكشفت حينها عن نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية بالعالم العربي والبدء بتشكيل ما يعرف ب "الشرق الأوسط الجديد " عبر نشر " الفوضى الخلاقة " علينا ان نرى بأن ما يجري في المنطقة من قتال على الارض العربية وسفك للدماء عليها بمسميات متعددة لا يخرج عن اطار ما رُسم للوصول إليه من خلال تلك الفوضى.
وعلى الرغم من وجود مصطلح "الفوضى الخلاقة" في أدبيات الماسونية القديمة حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع ، إلا أنه لم يطف على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وبشرت به رايس في شهر نيسان عام 2005، حيث بدأت تلك الفوضى بانتشار بعض فرق الموت في العراق لتواصل مسيرتها لباقي العالم العربي.
ومع رحيل ادارة بوش مع حلول عام 2009 واستلام الرئيس الاميركي باراك اوباما مقاليد السلطة تواصلت ارهاصات الفوضى الخلاقة التي تم رسمها للمنطقة لتندلع ضمن فصولها ثورات ما يسمى ب "الربيع العربي" بدءا من تونس مرورا بمصر وعودة لليبيا وصولا لسوريا، ليكتمل الفصل الجديد ضمن سياق مسار الفوضى الخلاقة.
وما ان انتشرت الفوضى والحرب الاهلية في كل من العراق وسوريا كنقطة ارتكاز لتلك السياسة المرسومة، واختلطت الاوراق في مصر، حتى جاءت المرحلة التالية من الفوضى الخلاقة والمتمثلة بما يسمى دولة الإسلام في العراق والشام "داعش" ، والتي توحي كل المؤشرات بأن وظيفتها قيادة المنطقة للحروب الطائفية والمذهبية للتأسيس للمرحلة النهائية من تلك السياسة الاميركية التي رسمت ونفذت بشكل دقيق للوصول للهدف الرئيس منها.
وأرى بأن التسلسل الزمني للفوضى الخلاقة وصولا لداعش يقضي بأن يستمر ذلك التنظيم لسنوات إضافية للوصول للمرحلة الاخيرة من الفوضى الخلاقة وهو تقسيم ما هو مُقسم في العالم العربي وخاصة تلك الدول العربية التي كان يمكن ان تشكل سدا منيعا لمخططات الاستعمار التي تنفذ بالمنطقة من جديد.
ولهذا فإن تنظيم «داعش» جاء ضمن اعادة تقسيم المنطقة العربية وخاصة الدول الرئيسة مثل العراق والشام وكلي أمل الا تنجر مصر إلى حال الدولتين من خلال التدخل في ليبيا، وأن تبقى السعودية مستقرة بعيدا عن وحل اليمن، حتى لا نصل للمرحلة النهائية من "فوضى رايس" بسرعة، ونصبح نعيش في "دول الطوائف والاقليات والمذاهب" التي عليها ان تسود في المنطقة ضمن سيطرتها على رقعة جغرافية عربية، ولا ضير إن حملت اسم دولة، تضاف لجامعة " دول الطوائف العربية" التي ربما نحياها لعقود من الزمن، في حين تتربع إسرائيل ودول اقليمية غير عربية على عرش المنطقة بقرار طائفي
وفوضى خلاقة خلقت واقعا جديدا في عالمنا العربي أرجعنا عقودا للوراء.