اطلس- من المفارقات، او من الملفت للنظر، او ربما من الصدف، ان يتبلور تشكيل او تأدية الحكومة الاسرائيلية الجديدة للقسم، في نفس الايام، التي تصادف فيها ذكرى النكبة الفلسطينية،
اي في ذكرى التهجير الاول والاكبر والاكثر مأساوية للفلسطينيين، وأن تأتي ذكرى النكبة، بعد 67 عاما من ذلك التهجير، وما زالت احتمالات التهجير للفلسطينيين واردة، وتأتي هذه الذكرى، وحتى ان الذين تم تهجيرهم ، من ديارهم قد تم تهجيرهم من اماكن لجوئهم المؤقتة الى اماكن شتات اخرى، بعيدة وقريبة، كما يحدث الان في مخيم اليرموك وفي اماكن اخرى في سوريا.
ومع انسداد الأفق السياسي والاقتصادي وغيرهما، ومع وصول حكومة اسرائيلية يمينية دينية، وذات سياسة واضحة، وبالاخص فيما يتعلق بالاستيطان والضم وارض اسرائيل الكبرى، ومع التدهور والحروب وحتى تداعي وتلاشي دول، وتعمق صراعات على الوجود في المنطقة، ومع رأي عالمي واهتمامات واولويات دولية، تتباعد عنا وعن قضيتنا، تأتي الذكرى ال 67 للنكبة او للتشتت الفلسطيني، والافاق قاتمة، وهناك خوف حقيقي من المجهول ومن المستقبل، ومن ماذا سوف يحدث خلال السنوات القليلة القادمة، او حتى خلال اقل من ذلك، ومن ضمن هذه الهواجس او التخوفات، هو احتمال التهجير القسري، مرة اخرى، وربما يكون هذا التهجير، من الضفة او من بعض اجزاءها، او من القدس او من محيطها، او حتى من المناطق، او التكتلات التي بقيت في فلسطين التاريخية، اي من المناطق التي تعرف بمناطق الخط الاخضر.
ومعروف ان العمود الفقري للحكومة الاسرائيلية الجديدة، او اللبنة الاساسية، التي تتشكل منها هذه الحكومة، هي حزب الليكود، اليميني، الذي يؤمن بأرض اسرائيل الكبرى، والذي يطلق على بلادنا المتبقية، اي على الجزء المتبقي من ارض فلسطين التاريخية، اي على الضفة الغربية، وبشكل رسمي وايدولوجي، اسم " يهودا والسامرة"، اي الارض التاريخية لاسرائيل، وهو الحزب الذي صرح رئيسه وقادته، وفي اكثر من مناسبة، انه لا يؤمن او لا يرى امكانية اقامة اي دولة للفلسطينيين على هذه الارض، وان حل الدولتين غير قائم حاليا، او بصورة اكثر دبلوماسية، ان الظروف الحالية لا تسمح بتطبيق حل الدولتين.
وبالاضافة الى الليكود، هناك الاحزاب اليمينية والدينية، ربما الاكثر تطرفا، التي تشارك في هذه الحكومة، والتي تؤمن تماما انه لا يوجد حق للفلسطينيين في هذه الارض، وبالتالي وبصراحة وبدون اي امتعاض، تؤمن هذه الاحزاب، انه لا يوجد للفلسطينيين حق البقاء على هذه الارض، وبالتالي فان هاجس او سيناريو التهجير، ومرة اخرى، هو سيناريو وارد وجدي، ولو على الاقل بالشكل النظري او الايدولوجي.
ونحن نعرف كذلك، ان من ادبيات، او من اطروحات حزب الليكود، الذي يشكل ممثلوه واعضاؤه، معظم وزراء الحكومة الجديدة، هو اطروحة ما يعرف بـ " الوطن البديل"، اي الوطن البديل للفلسطينيين، الذي يعيشون حاليا على ما يعرف بـ ارض" اسرائيل الكبرى او التاريخية"، وان هذا الوطن، هو في مكان اخر في هذا العالم الواسع او في المنطقة، او العالم العربي الكبير والواسع، ولا يخفى على الكثيرين، ان الطرح الليكودي، وكذلك تصور غيره من الاحزاب الاخرى، التي تدور في فلكه، للوطن البديل، هو اقامة هذا الوطن البديل في الاردن، اي ان الاردن الذي يحوي كثافة بشرية من الفلسطينيين، والذين تم بالاصل تهجيرهم من بلادهم الاصلية، هو الوطن الطبيعي والعملي للفلسطينيين، ورغم المناورات السياسية والدبلوماسية التي يقوم بها قادة هذا الطرح، هنا او هناك، الا ان هذا الطرح وما يرافقه من اجراءات، وربما من ضمنها التهجير، ما زال قائما، ومتداولا، وعلى الاقل على المستوى النظري، او على مستوى النقاش الدائر، حول افضل السبل للوصول، او للحصول على كل ارض اسرائيل التاريخية.
وفي ظل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، تحل ذكرى النكبة الـ 67، وما زال هاجس تهجير او طرد او تغيير ديمغرافي وارد، وبغض النظر عن الطريقة التي من الممكن ان يتم بها، او عن الكمية او المساحة، التي من الممكن التخلص منها، وسواء اكان ذلك من القدس وما حواليها، او من مناطق ج، او مناطق ب، او حتى من مناطق ا، ورغم ان الكثير لا يتصور امكانية حدوث ذلك، الا اننا يجب ان لا ننسى شبح التهجير الذي يتم في المنطقة، ومن كل الانواع، وبالاخص شبح تهجير او لجوء او تشتيت اكثر من نصف السوريين، اي اكثر من 10 ملايين سوري، وبدون ان يقوم العالم بأي شئ لايقاف ذلك.
وتمر ذكرى النكبة الـ 67، وما زال الاستيطان يتوسع ويتعمق، وما زال الجمود السياسي يخيم على المنطقة، وبدون اية افاق لامكانية تحريك هذا الجمود في المستقبل القريب، وما زالت الاحداث في المنطقة تتسارع وفي كل مكان، وما زالت الاولويات وبالتالي المصالح تتغير وتتبدل، بسرعة لم نعهدها من قبل، وما زلنا نتحدث عن حل الدولتين، التي اصبح من الصعب رسم حدودهما او معالمهما، ورغم ذلك، وحسب الاحصائيات الفلسطينية الحديثة، تضاعف الفلسطينيون حوالي 9 مرات منذ النكبة وحتى الان، واصبح عددهم هنا وفي العالم اكثر من 12 مليون نسمة، بعد 67 عاما من النكبة ومن التهجير الاول.
ورغم ان التهجير القسري، سواء اكان تهجيرا جماعيا او غير ذلك، ليس في وارد الحسابات السياسية الجدية عند الكثير منا او من حولنا، الا اننا من المفترض ان نأخذ هذا الاحتمال بكل الجدية والمسؤولية والتوقع، وبالاخص هذه الايام، ونحن نتذكر التهجير الذي تم قبل 67 عاما، ونحن نرى كذلك انشغال العالم وتناسيه وعدم مبالاته بأحداث مأساوية، تضاهي مشاكلنا، او ربما تعتبر اكثر مأساوية من النكبة الفلسطينية، حدثت وتحدث في المنطقة، ونحن نرى كذلك تشكل حكومة اسرائيلية جديدة، لا تحوي اي صوت يؤمن بوجود للفلسطينيين على هذه الارض، او بطرح ما يعرف بحل الدولتين، او بحق الدولة ، مهما كان نوعها، ونحن نرى كذلك الضعف العربي من حولنا والذي يزداد ضعفا مع الايام ومع الاشهر والسنين، ونرى هذا العالم، يزداد انشغالا بأولوياته واحداثه وصراعاته.
وفي ظل كل ذلك، فانه من المفترض علينا ان نأخذ هذا السيناريو، اي سيناريو التهجير او تفريغ الارض ممن عليها، وربما من خلال اشكال مختلفة، ان نأخذه بجدية، وان نضع كل الاحتمالات، وبالتالي نملك الخطط من اجل التعامل مع مثل هكذا احداث، وكلنا امل وتوقع، اننا قد تعلمنا من النكبة الاولى ومن التهجير الاول ومن المأساة الكبرى التي حدثت لنا، قبل 67 عاما.