اطلس- مر عام على تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ومع كل الآمال والتفاؤل الذي رافق ذلك، ما زلنا في حالة من الجمود الفلسطيني الداخلي المتواصل والقاتم، وفي ظل انعدام اي بصيص من الامل او التفاؤل، في البدء في اعادة اعمار قطاع غزة، وفي ظل واقع يترسخ
على الارض، لا تستطيع حكومة " الوفاق الوطني"، القيام بمهامها كما يجب في كامل الاراضي الفلسطينية، ومهما كانت الاسباب لذلك، وفي ظل وضع اقتصادي صعب، ومعدلات بطالة مرتفعة وترتفع باستمرار، وفي ظل غلاء الاسعار وازدياد نسبة الفقر، مع انعدام اية آفاق في التغيير او التحريك، على الاقل في المدى القريب، يطرح الناس اسئلة، حول ضرورة التغيير، او حول اعادة رسم الاولويات، سواء من خلال التعديل الحكومي او غيره.
وفي ظل هذا الواقع، يستمر الجدل بين الاطراف الفلسطينية، حول مدى شرعية او واقعية اجراء تعديل في تركيبة حكومة "الوفاق الوطني"، المتوافق عليها، حيث كانت الانباء قد تحدثت خلال الاسابيع القليلة الماضية، عن احتمال اجراء تعديل حكومي ، وربما يحدث ذلك في المستقبل القريب، وربما لا يحدث على الاطلاق، والهدف المعلن من هذا التعديل، ومن اي تعديل حكومي آخر، في اي مكان في العالم، هو من اجل زيادة كفاءة عمل الحكومة، او من اجل اعادة ترتيب الاولويات، او يهدف الى تحقيق المزيد من التناغم والانسجام وعمل الفريق الواحد في عمل الحكومة، او من اجل سد شواغر، تتطلب الحاجة المهنية الى سدها، بعيدا عن السياسة ومصالحها المعقدة.
او ربما يأتي التعديل الحكومي، نتيجة تقييم عمل الفترة السابقة، وبالتالي الحاجة الى تغيير اشخاص او ادوار اومسؤوليات، بناء على او استنادا لما تم من الانجازات ومن التقدم ومن الاخفاقات، او ربما يحصل التعديل الحكومي، من اجل ارضاء اطراف او تحقيق توازنات او تلبية رغبات اطراف سياسية وغيرها من الاطراف، وكل هذه الاسباب، ربما تنطبق جميعها او بعضها على التعديل الحكومي المتوقع فلسطينيا، سواء اكان هذا التعديل محدودا، او موسعا، وسواء حدث بتوافق الاطراف جميعها او بعضها، او حتى بدون توافقها، وما لذلك من انعكاسات، قد تكون سلبية.
ومع انتطار حدوث التعديل الحكومي، فإننا نعلم ان وظيفة الحكومة، او الاداة التنفيذية للسلطة، في كل دول العالم، وكذلك في حالتنا الفلسطينية، هي العمل على توفير الخدمات الاساسية للمواطن، من صحة ومن تعليم وامان واستقرار وسلامة، وفي اوضاعنا الخاصة، العمل على تثبيت وجوده على الارض، والعمل على تحقيق الحياة الكريمة، من خلال ايجاد الظروف وتوفير الامكانيات وتسخير المصادر، لإيجاد فرص عمل وتشغيل وإنتاج وتصدير، والعمل على تحقيق نوع من الامن الغذائي والدوائي، سواء من خلال دعم القطاعات الانتاجية، مثل الزراعة والصناعة وبأنواعها، وكذلك العمل على حماية المقومات الطبيعية، التي بدونها لا يمكنه العيش بشكل سليم والتقدم والتنمية، اي حماية البيئة التي فيها يحيا، حمياتها من التلوث ومن التداعي، سواء اكان ذلك الهواء، او المياه، اوالارض والتربة، اوالمنتجات والتنوع الحيوي وغير ذلك.
وبغض النظر عن طبيعة التغيير او عن أسماء الأشخاص المشمولين، من خلال التعديل الحكومي المتوقع، الا أن ما يهم المواطن الفلسطيني العادي، هو مدى ما سيؤدي إليه هذا التعديل، من تغيير في حياته اليومية، وبالشكل الايجابي، وبالاخص في حقائب مهمة، تتداخل في حياته المعيشية اليومية، وبالتالي فإن اي تغيير او تعديل في الاشخاص، وبالاخص في حقائب مهنية حياتية، من المفترض ان يتم من خلال ضخ الكفاءات المتخصصة، ومن المتوقع ان يتبعه تغيير في سلم الاولويات، وفي برامج عمل او في سياسات وفي خطط ، بحيث تؤثر، وبشكل ايجابي في غالبية المواطنين، وبشكل تضع المواطن كأولوية في عمل الحكومة، بعيدا عن التجاذبات وعن تبادل الاتهامات بأنواعها..
وبشكل عام، فإن التعديل او التغيير، سواء اكان على مستوى الحكومة او غير ذلك، هو في حد ذاته بالامر الايجابي، وبالاخص حين يكون ليس فقط ، من خلال التركيز على تغيير الاشخاص او الاسماء، ولكن بما يتوقع ان يتبع ذلك، من تغيير او تعديل في السياسات وفي الخطط وبالتالي الانجازات، ولذا فإن الخطأ الكبير الذي من الممكن ان يتم او نعتاد عليه، هو ان يصبح التعديل هو هدفا بحد ذاته، يتم الدعوه له من عدة جهات ولأسباب مختلفة ولأهداف متعددة، او من اجل مصالح محددة، يتم ترجمتها من خلال تغيير الاسماء، لإرضاء فلان او علان.
ورغم انه في اوضاعنا الحالية، هناك قيود ومحددات للانجاز ولتحقيق الاهداف الموضوعة، الا ان هناك العديد من القضايا التي تؤثر بشكل مباشر او غير مباشر في حياة الناس، بحيث يمكن التغيير او التقدم فيها او تحقيق المزيد، ومنها التعليم والصحة والزراعة والصناعات والبيئة والعمل، وهذه فقط امثلة، ومنها الاستثمار اكثر وبشكل مستدام في قطاعات الانتاج من زراعي وصناعي، والمحافظة على انتاج مستدام وبالتالي اسعار معقولة للخضروات و اللحوم وغيرها، وما الى ذلك.
فالصناعات الفلسطينية، ومنها الغذائية كمثال تشكل حوالي ما نسبته 25% من الانتاج الصناعي الفلسطيني، وتنتج حوالي 200 نوع مختلف من المنتجات الغذائية، وتقوم بالتصدير الى الخارج بقيمة تصل الى مئات ملايين الدولارات، وبالتالي تساهم في الناتج القومي الاجمالي وفي التشغيل وفي الحد من البطالة، وهي بحاجة الى زيادة في التسويق الى الخارج، ولكي تتطور وتتوسع، فإنها بحاجة الى الدعم ولتوفير البنية التحتية والأيدي العاملة المدربة والادارة الجيدة، وهذا يحتاج الى المزيد من الارشاد حول استخدام المواد الكيميائية،والى الاستثمار في مختبرات لفحص بقايا هذه المواد الكيميائية، سواء في المنتج الزراعي الطازج او في المنتج الغذائي المصنع.
وهناك القطاع الصحي، والحاجة الماسة لترسيخ ثقة المواطن والناس به، وفي الرعايات الصحية المختلفة التي يوفرها، سواء اكانت الرعاية الاولية، او في المستشفيات، وهناك الحاجة الى بناء قاعدة صحية قوية، من حيث الكفاءات البشرية المدربة والمتخصصة والتي تبقى تعمل ولا تغادر الوطن، ومن حيث البنية التحتية من اجهزة وأبنية وأدوية وصحة عامة تعتمد على الوقاية وعلى التطعيم ومقاومة انتشار الامراض غير السارية او السارية، وليكن الهدف هو ترسيخ احترام المواطن للقطاع الصحي، وكذلك التغيير من اجل ارساء ثقافة الاحترام في تعامل القطاع الصحي مع الناس، سواء في العيادة او في المختبر او في المشفى او في طريقة حصوله على الخدمة، وهذا كله يحتاج الى الاستثمار في كفاءات متخصصة وفي مواقع تقود التغيير، وفي كفاءات يكون محور اهتمامها المريض او المواطن.
وهناك الاولوية للتعامل مع الكارثة البيئية التي احدثها العدوان الاخير على قطاع غزة، في تلك البقعة الجغرافية الضيقة، والحاجة الى التعامل مع توفر وجودة وتلوث المياه وبالاخص المياه الجوفية، وتلوث التربة، او تلوث مياه البحر، او الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياه العادمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك للتعامل مع ضعف او مع غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لإيلاء البيئة في غزة والضفة الغربية الاهتمام الكافي، وهناك كذلك الحاجة للتعامل مع التدهور البيئي المتواصل الذي ينتج عن الاستيطان وتبعاته في الضفة..
وهناك الحاجة للتعامل مع قضايا التعليم العالي، والحاجة الى إحداث التغيير النوعي، ووضع خطط بعيدة المدى للتعامل مع الاعداد الهائلة من الخريجين، التي يتم ضخها سنويا الى سوق العمل وبقاؤها بدون عمل، حيث ما زال النمط التقليدي، او المسار الذي اعتدنا عليه، سواء من حيث التخصصات او من حيث المعايير او من حيث توفير المصادر والامكانيات للبحث العلمي، او من حيث ربط التعليم العالي مع احتياجات المجتمع، او على الاقل مع تطلعات القطاع الخاص في فلسطين، ما زال هذا النمط هو السائد، وما زالت النظرة الى التعليم العالي على انه فقط لقضاء اربع سنوات او اقل او اكثر، ومن ثم الحصول على شهادة، ومن ثم على لقب، وبالتالي على وظيفة اذا امكن.
وهناك الاولوية، وفي اطار الامكانيات، لمعالجة قضايا مثل البطالة والتي حسب احصائيات فلسطينية نشرت قبل عدة ايام، وصلت الى اكثر من 25% من الايدي العاملة من سن 15 سنة وما فوق، وهناك الحاجة الى التطبيق العملي والمتابعة لسياسة الحد الادنى للاجور للعمال، وقضايا يومية اخرى تتعلق بسلامة الطعام والدواء وحماية المستهلك وشح المياة والازدحام على الطرق، وتراكم النفايات وما الى ذلك من امور يلمسها المواطن ويأمل ان يتم تغييرها او التعامل معها، وهذا ما يأمله او يتوقعه من التعديل الحكومي القادم، ان حصل.
والتعديل القادم من المفترض ان يشمل تعديلا في فلسفة العمل، من حيث تحقيق نوع من التناغم او الانسجام، او فلسفة عمل الفريق الواحد، ومن حيث التركيز على النتائج والانجازات على الارض، ومن حيث زيادة او تفعيل التواصل مع الناس وتفهم قضاياهم ومشاكلهم، وبـأن تكون قنوات التواصل مع المواطن ومع الإعلام واضحة وصريحة، وتعكس الحقائق بدون مبالغة او وعود كبيرة، وبأن تستند خطة العمل الى تحقيق اهداف واقعية ومرتبطة بفترة زمنية محددة، وبأن يتم قياس ما يتم تحقيقه على الارض، من خلال مؤشرات تركز على النتائج وليس على الافعال والبيانات والتصريحات، وبأن يتم تبني الاسس العلمية لعملية المتابعة والتقييم، من اجل قياس تحقيق اهداف الحكومة.