اطلس- في العام 1987 أصدر عالم السياسة الأميركي بول كينيدي عمله الضخم «صعـــود وسقـــوط القوى العظمى»، والذي تتبع فيه مسار القــوى العظمى عــلى مــدى الـ1500 عام ابــتــداء من الإمبراطورية الرومانية حتى الإمبراطورية البريطانية،
وكان الخط الرئيسي في كتــاب كينيدي أنه في عملية نمو الإمبراطوريات فإنها تصبح أكثر طموحاً وأكثر ثقة وتعمل على تمدد وجودها عالمياً، وفي سبيل هذا فإنها تنفق على بناء القــوة العسكرية والاحتفاظ بالإمبراطورية في شكل تتآكل معه قوتها الداخلية.
ويقـــول كينيدي أن هذا «التمدد الامبريالي الذي يــقــود إلى الانحدار الداخلي خصوصاً اقتصادياً وحتماً سياسياً واجتماعياً، يؤدي إلى إضعاف الوضع الدولي لهذه القــوة، وهو ما اعتبر كينيدي أنه ينـــطبــق على القوتين الرئيسيتين آنذاك: الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفياتي.
ورغم أن نظرية كينيدي قد انطبقت على الاتحاد السوفياتي، وأن الولايات المتحدة مع نهاية التسعينات قد اعتُرف بها باعتبارها القوة الأولى والوحيدة في العالم، إلا أن الجدل حول مستقبلها كقوة عظمى تقود العالم قد بدا يتردد من جديد مع بداية الألفية الثانية، ومع الإخفاقات الخارجية والداخلية التي تواجهها بعد رئاسة جورج بوش الابن 2000- 2008، كاستمرار لهذا الجدل، أصدر عالم السياسة الأميركي ديفيد ماسون كتاباً تحت عنوان «نهاية القرن الأميركي» يبدأ فيه بتتبع حالة القوة الأميركية منذ الحقبة الأخيرة، خصوصاً منذ 11 أيلول 2001 حيث بدأت كل مظاهر القوة الأميركية تتعرض للضعف.
فالاقتصاد الأميركي محمل بالدين وبالالتزامات التي لا يمكن أن تستمر وينبئ بانحدار اقتصادي طويل الأجل إن لم يكن انهياراً عاماً. والنظام التعليمي، الذي كان يوماً الأفضل في العالم، يقع اليوم في مرتبة تقترب من القاع بالنسبة للدول المتقدمة، وجزء ليس قليلاً من المواطنين الأميركيين تقريباً من الأميين وتبدو الشركات الأميركية التي كانت يوماً ما نموذجاً للديناميكية، والابتكار، والكفاءة، تعيقها البيروقراطية والفساد والرواتب المتضخمة، وقليل منها أصبح يولد الابتكار أو النمو. وحتى العلم أصبح مهمشاً ومحاصراً تحت ضربات السياسة أو الدين.
ويسجل ماسون أنه رغم أن السلع الاستهلاكية والثقافة الشعبية الأميركية ما زالت الموضة في معظم العالم، إلا أنه في الوقت نفسه تواجه مقاومة متزايدة في العالم تقريباً وقد أظهرت استطلاعات الرأي في العالم، بما فيها الشعوب الحليفة لأميركا، أن نفوذ السياسة والاقتصاد والسياسة والثقافة الأميركية ينظر إليه كتهديد للسلام والهوية الوطنية. وقد كان الغزو الأميركي للعراق، في تجاهل صارخ للقانون الدولي والأمم المتحدة قد وسع هذا التصور للقوة الأميركية، كما كثف العداء لأميركا في العالم كله. وهكذا في تقدير ماسون فإن القرن الأميركي قد وصل بوضوح إلى نهايته.
وينتقل الكتاب إلى إدارة أوباما التي جاءت وسط هذه الصورة الأميركية في العالم، وحيث كان توقع إحياء صورة أميركا في العالم واستقرار الوضع في العراق، ومع هذا، وهو ما يمثل الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب أن المشكلات التي تواجهها أميركا الآن داخلياً ودولياً هي مشكلات خطيرة وطويلة الأجل وحيث إن الانحدار في القوة والنفوذ الأميركي لا يمكن عكسه بالتغير البسيط في القيادة السياسية، بل من المحتمل أن تتزايد في السنوات المقبلة، حيث سيظل ينطبق عليها نبوءة بول كينيدي في عمله «صعود وسقوط القوى العظمى».
غير أنه إذا كان ماسون بكتابه عن «نهاية القرن الأميركي»، ينضم إلى مجموعة الذين تنبأوا بانحدار القوة الأميركية، فإن ثمة مدرسة أخرى هي المدرسة التي بدأها عالم السياسة الأميركي هنتنغتون والتي سمّاها مدرسة الإحيائيين. وربما كان آخر أنصار هذه المدرسة عالم السياسة الأميركي جوزيف ناي، والذي أصدر أخيراً (2014) كتاباً بعنوان «هل انتهى القرن الأميركي؟». وفيه يبدو ناي أكثر تفاؤلاً بمستقبل القوة الأميركية، ويرد فيه على المحللين الذين يعتبرون أن الصين سوف تتفوق على الولايات المتحدة، ويشرح ناي لماذا يبدو القرن الأميركي أبعد من أن ينتهي، وهو يجادل بأن القوة الأميركية قد تضعف بفعل مشكلاتها الداخلية والازدهار الاقتصادي الصيني، إلا أن ناي يعتبر أن قوة الولايات المتحدة العسكرية وقوتها الناعمة سوف تستمران لكي تتعدى أقرب منافسيها لعقود مقبلة.
إلى جانب هذا يعدد جوزيف ناي مقومات القوة الأميركية التي ما زالت تحتفظ بها وتميزها عن الآخرين في: البعد الديموغرافي حيث إن الولايات المتحدة هي ثالث أكثر دولة في العالم في عدد السكان، وفي الطاقة حيث إنه مع حلول 2020 سوف تحقق أميركا اكتفاء ذاتياً. وعلى رغم جهود الصين في تطوير وتقديم قوتها الناعمة، إلا أنها تواجه مشكلات مع جيرانها تضعف من قدراتها على استمالة وإقناع الآخرين، وفي شكل تظل معه إمكانيات القوة الناعمة الأميركية مؤثرة على مستوى العالم.