اطلس- لتقى مجموعة من المسؤوليين الحاليين والسابقين بالاضافة الى عسكريين متقاعدين وخبراء من مراكز الفكر المتعددة في "جلسة عصف ذهني " غير رسمية الاسبوع الماضي لمراجعة وتقييم آخر تطورات الهجمات الجوية السعودية على اليمن، وذلك بعد مرور ثلاثة شهور على بدء عمليات "عاصفة الحزم".
وكانت الاستنتاجات والتوصيات التي خرجت بها المجموعة، بغية تقديمها إلى أجهزة الإدارة الأميركية بما فيها البيت الأبيض، ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ومجلس الأمن القومي ووزارتي الخارجية والطاقة الأميركيتين "بهدف الإطلاع" تشير إلى أن "قوات التحالف الذي تقوده السعودية استهدفت لمدة شهرين ونصف شهر منازل ومحال ومواقع عسكرية تابعة لحركة الحوثيين، دون أن تتمكن من التأثير على الوضع العسكري أو السياسي للحوثيين بما يدفعهم لتقديم تنازلات ملموسة في جولة المفاوضات الجديدة".
واستنتجت المجموعة "إن الحملة الجوية السعودية غير المجدية تقدم دليلاً آخر على حدود القوة الجوية بشكل عام، وفي جنوب الجزيرة العربية على وجه التحديد" مشيرة إلى أن المملكة العربية السعودية "ليست أول من استخدم القوة الجوية لممارسة النفوذ الإقليمي، فهذه السياسة نشأت في إطار نهج السيطرة الجوية الذي اتبعته الإمبراطورية البريطانية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، فقد استخدم ونستون تشرشل مبدأ القوة الجوية لإبقاء العراق تحت سيطرة بريطانيا دون الحاجة إلى نشر عدد كبير من الجنود على الأرض".
وتحذر الاستنتاجات التي توصلت إلىها مجموعة "العصف الذهني" هذه من أن " الضربات الجوية أدت بسبب المعلومات الاستخباراتية المغلوطة ومعدات الملاحة غير الدقيقة وأخطاء الطيارين إلى انحراف القنابل عن أهدافها، وعدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين تماماً كما كان عليه الحال عندما استخدمت بريطانيا هذا النموذج في جنوب اليمن قبل عقود، حين فشلت الهجمات والدوريات الجوية البريطانية التي استمرت عشر سنوات خلال ستينيات القرن الماضي في وقف تقدم الحركة الوطنية اليمنية التي حلت محل الحكم الاستعماري البريطاني في جنوب اليمن".
ويعزى ذلك الفشل إلى عاملين رئيسيين: التضاريس الجبلية لليمن التي منحت قوات ثوار اليمن غطاء طبيعيا من القنابل، ورفض وسائل الإعلام الدولية للمساعي الإمبريالية البريطانية وانتقادها للقنابل التي تضرب المدنيين.
يشار إلى أن سلاح الجو الملكي البريطاني ليس القوة الإمبريالية الوحيدة في جنوب الجزيرة العربية التي حاولت استخدام سلاحها الجوي للسيطرة ، حيث تشير المجموعة في توصياتها إلى "إن مصر نقلت خلال ستينيات القرن الماضي ما يقرب من ثلث قدرتها الجوية إلى شمال اليمن لدعم الجمهورية الفتية التي تأسست عام 1962، ولكن القوات المصرية واجهت الصعوبات نفسها التي عانت منها القوات البريطانية، وتعرضت كل من مصر وبريطانيا لضغوط سياسية للحد من عدد الضحايا الذين كانوا سيقعون بلا شك نتيجة عملية برية واسعة النطاق، ولكن القوة الجوية وحدها لم تكن كافية لتحقيق أهداف عسكرية ملموسة في الجزيرة العربية".
كما تشير المجموعة إلى أنه "عوضاً عن إخضاع المعارضة الداخلية، فقد أسفر القصف الجوي عن إشعال لهيب حملات الحشد والتشكيك في عدو مجهول يهاجم من الجو. وأُرغمت كلتا الدولتين على الانسحاب بحلول نهاية عام 1967، تاركة دولة فاشلة وراؤها".
وتعتقد المجموعة ان "المملكة العربية السعودية وشركاؤها في التحالف يسيرون الآن على النهج نفسه ما من شأنه أن يقود إلى فشل ذريع، فقد قوبلت الحملة الجوية السعودية في البداية بحماس فاتر من قبل أفراد من الحراك الجنوبي اليمني وأنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي الذين أقلقهم النجاح السريع الذي أحرزه الحوثيون في الاستيلاء على الحكومة في صنعاء ودفع قواتهم العسكرية جنوباً لملاحقة هادي ومؤيديه، ولكن الحملة السعودية تحولت بعد شهرين ونصف شهر من سلسلة ضربات تكيتكية للحد من تقدم الحوثيين إلى حملة ثأر ضد المعارضين السياسيين في اليمن، إذ تستهدف العديد من الضربات الجوية منازل المدنيين من أقرباء وأصدقاء الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إضافة إلى المصانع المشتبه بها ومحاور النقل والمطارات في مختلف أنحاء البلاد التي ليس لها قيمة عسكرية تذكر".
ويشير خبراء في واشنطن إلى أنه بدلاً من حشد تأييد شعبي إضافي للرئيس اليمني هادي، صعدت الحملة السعودية الشكوك المحيطة بحكومته وعززت موقف الحوثيين، في الوقت الذي لا تتوفر فيه أي أدلة على تراجع القدرات العسكرية للحوثيين ولا قطاعات الجيش اليمني الموالية لصالح.
ويعتقد هؤلاء أن "السعودية لم تعجز عن إبطاء زحف الحوثيين فحسب، ولكن المتمردين اليمنيين أطلقوا يوم 6 حزيران الجاري صواريخ سكود على قاعدة الملك خالد الجوية، وهي أكبر قاعدة جوية في المملكة العربية السعودية ومركز عمليات حملة القصف الحالية".
يشار إلى أنه على الرغم من محاولات المسؤولين السعوديين التخفيف من شأن الهجوم الذي أحاطته بسرية، سرعان ما أصبح معروفاً أن قائد القوات الجوية السعودية الفريق الركن محمد بن أحمد الشعلان قُتل خلال الهجوم.
وكشف ذلك الهجوم أن القدرات الدفاعية الجوية السعودية ليست على أهبة الاستعداد وأنها لا تستطيع صياغة النتائج العسكرية والسياسية في اليمن.
وتحذر المجموعة البحثية "انه رغم افتقار الحوثيين إلى أسلحة ردع من طراز أرض-جو، فقد أثبت الهجوم الصاروخي الذي شنوه مؤخراً أن الحملة الجوية السعودية فشلت في القضاء على قدرتهم العسكرية واسعة النطاق" .
وتعتقد المجموعة بأنه "ليس هناك توقعات لوقف عمليات القصف السعودي التي ما تزال مستمرة بنفس القوة، على الرغم من الأدلة المتزايدة على كونها غير فعالة ولا تخدم هدف التسوية السياسية في اليمن، وهذا لأن السعي الحثيث وراء موقف عسكري معاد للحوثيين هو صورة مصغرة للحرب التي تخوضها السعودية ضد شبح التدخل الإيراني في جنوب الجزيرة العربية، وان ليس هناك إستراتيجية سعودية للخروج تتضمن وقف عمليات القصف دون انسحاب الحوثيين بشكل كامل من الحياة السياسية في اليمن".
وترى المجموعة "إن النهج الشرس الحالي يعزى إلى حاجة العاهل السعودي الجديد الملك سلمان إلى استعراض نفوذه السياسي والعسكري لتهدئة المشككين في قدراته، فضلاً عن الضغوط الواقعة على نجله الأمير محمد بن سلمان للتصرف بشكل حاسم من أجل إثبات عزمه كأصغر وزير دفاع في العالم حيث يبلغ من العمر 30 عاماً".
وتخلص استنتاجات المجموعة إلى ان "الحملة الجوية السعودية ستخفق في تحقيق أهدافها بسبب الحرب الدعائية المحتدمة التي يشنها الحوثيون، وبسبب التضاريس الوعرة نفسها التي شكلت عائقاً أمام القوات الجوية البريطانية والمصرية خلال الستينيات" محذرة من "إن مواصلة حملة جوية عقيمة لن تؤدي سوى لزيادة المشاعر المناهضة للسعودية في اليمن، وستقود إلى انسحاب مخز يحاكي انسحاب بريطانيا ومصر".