اطلس- راجح ابو عصب ..... لعقوبات المالية التي فرضتها الحكومة الاسرائيلية, هي وفق القانون الدولي غير شرعية ,لانها احتجزت اموالا ليست ملكا لها , وانما هي ملك للسلطة الفلسطينية , حيث ان اسرائيل تقوم بجبي الضرائب عن السلطة , ومن ثم عليها تحويلها الى خزينة السلطة
وذلك بموجب اتفاقية باريس الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي , والتي تنص على ان تقوم اسرائيل بجباية اموال الجمارك والضرائب على البضائع الفلسطينية التي تمر عبر موانئها الى اراضي السلطة الفلسطينية , على ان تحولها شهريا الى موازنة السلطة وذلك مقابل ثلاث في المئة تجبيها اسرائيل كرسوم خدمات .
وقد تذرعت الحكومة الاسرائيلية بحجز اموال الشعب الفلسطيني بذريعة توجه القيادة الفلسطينية الى المحكمة الجنائية الدولية , لفرض العقوبات الاقتصادية على السلطة الفلسطينية .
علما ان الحكومة الاسرائيلية هي التي تتحمل قرار السلطة بالتوجه الى المحكمة الجنائية الدولية , لانها رفضت تجميد الاستيطان في الضفة الغربية , كما رفضت الالتزام برؤية حل الدولتين : اي دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة, الى جانب اسرائيل , واصرت على الاستمرار في سياسة التوسع الاستيطاني , ومصادرة مزيد من الاراضي في القدس والضفة الغربية , واقامة المزيد من المستوطنات او توسيع تلك المستوطنات القائمة , ما يجعل قيام دولة فلسطينية متواصلة الاجزاء جغرافيا امر مستحيل , ويقضي على فرص حل الدولتين , الذي اجمع العالم كله , بما فيه الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الاول لاسرائيل في العالم , على ان السبيل الوحيد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين , ومن ثم الانطلاق عقب ذلك الى تحقيق سلام شامل مع الدول العربية , وذلك وفق مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت العربية في عام 2002 .
وما زالت الحكومة الاسرائيلية مصرة للشهر الثالث على التوالي على تجميد تحويل العائد الشهري لاموال الضرائب الفلسطينية , فقد جمدت 125 مليون دولار عن شهر كانون الاول الماضي و100 مليون دولار عن شهر كانون الثاني الماضي ايضا ,وهي تفعل ذات الشيء بالنسبة لشهر شباط الذي ينتهي اليوم السبت , وهكذا لن تتمكن الحكومة الفلسطينية وللشهر الثالث على التوالي من دفع رواتب موظفيها كاملة , حيث انها في شهري كانون الاول وكانون الثاني لم تدفع سوى ستين في المئة من الرواتب لموظفيها , وغير معروف حتى الان , ان كانت قادرة على دفع رواتب شهر شباط , واذا كانت قادرة جزئيا , فكم نسبة ما ستدفعه من تلك الرواتب .
وهكذا فانه للشهر الثالث على التوالي لن يتمكن اكثر من مئة وخمسين الف موظف في السلطة الفلسطينية من الحصول على رواتبهم كاملة , ما يزيد من معاناتهم ومعاناة اسرهم التي تزيد على المليون مواطن , وبذلك لم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم تجاه تلك الأسر , خاصة وان قسما كبيرا منهم مدين للبنوك , التي تقطع جزءا من الستين بالمئة من الراتب الذي يتلقونه , علما ان متوسط راتب الموظف المدني في السلطة هو 2882 شيكلا وهو بالكاد يغطي نفقات الموظف , فكيف اذا حصل على قسم منه ؟ علما ان الحد الأدنى للاجور في اسرائيل في عام 2014 بلغ 4300 شيكل , وستتم زيادته على مدار العامين القادمين الى خمسة الاف شيكل شهريا وفق الاتفاق الذي تم توقيعه بين نقابة العمال الاسرائيليين " الهستدروت " وارباب العمل في اسرائيل .
ويشار الى ان الموظف الاسرائيلي يتمتع بمميزات كثيرة لا يتمتع بها الموظف العامل في السلطة الفلسطينية , خاصة في مجال التأمين الوطني وكذلك في مجال التأمين الصحي وفي خدمات الاسكان وغير ذلك كثير.
واذا كان الحد الادنى للاجور في اسرائيل هو خمسة الاف شيكل فان الحد الادنى للاجور في السلطة الفلسطينية الف وسبع مئة شيكل , وهكذا يتبين الفرق الشاسع في الاجور بين الفلسطينيين والاسرائيليين , ومع ذلك فان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو يعاقب الشعب الفلسطيني وقيادته ويجمد اموالهم ويجعلهم يعانون اشد
المعاناة !!
والذي لا شك فيه ان الحكومة الاسرائيلية هي بحجزها اموال السلطة الفلسطينية , انما تفعل ذلك بالدرجة الاولى من اجل مصالح انتخابية , وذلك لكسب اصوات اليمين واليمين الاسرائيلي في انتخابات الكنيست التي ستجري في السابع عشر من اذار القادم , علما ان اجهزة الامن الاسرائيلية تحذر من عواقب تجميد هذه الاموال , وقد اكد موقع " والاه " العبري هذه الحقيقة , وقال على موقعه الالكتروني يوم الاحد الماضي , ان نتنياهو اتخذ هذا القرار من اجل الا يعزز حزب " البيت اليهودي " الذي يتزعمه وزير الخارجية افيغدور ليبرمان فوزه في الانتخابات القادمة .
واضافة الى تحذير مسؤولين وقادة امنيين اسرائيليين من عواقب تجميد اموال السلطة الفلسطينية , التي قد تؤدي الى انهيارها , فان الولايات المتحدة ايدت ايضا قلقها من خطورة خطوة نتنياهو كذلك , فقد حذر وزير خارجيتها جون كيري من قرار هذه الخطوة , وعبر عن قلقه من قدرة السلطة الفلسطينية على القيام بعملها وفق الشكل المطلوب اذا لم تتسلم عائدات الضرائب , وقال : " اذا اوقفت السلطة الفلسطينية او كانت ستوقف التعاون الامني او حتى قررت التوقف عن العمل جراء المأزق الاقتصادي , وهذا قد يحدث في المستقبل فاننا سنواجه حينئذ ازمة اخرى .
ولا جدال في ان تحذير كيري كان يجب ان يجد اذانا صاغية لدى الحكومة الاسرائيلية , لأن من شأن انهيار السلطة اقتصاديا توقف اجهزة الامن الفلسطينية عن اداء اعمالها وتوقف التنسيق الامني بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي , وبالتالي ستعم الفوضى الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية , وسيعود الفلتان الامني وحكم المليشيات , وسيكون على اجهزة الامن الاسرائيلية العودة الى الضفة الغربية , وهكذا ستعود الى الاذهان صور الجنود الاسرائيليين وهم يطاردون الفتية والاطفال راشقي الحجارة في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية , علما ان الجيش الاسرائيلي وكما اعلن نتنياهو مؤخرا , سيواجه خلال الاعوام الاربعة القادمة تحديات امنية خطيرة , فهو يقول : ان ايران وحزب الله اصبحوا متواجدين حقيقة على حدود هضبة الجولان السورية , وكذلك فان ايران , حسب تحذيراته , على وشك الوصول الى انتاج سلاح ذري , هذا عدا عن وجود جماعات تكفيرية في سيناء على الحدود مع اسرائيل .
واذا انهارت السلطة الفلسطينية او قام الرئيس محمود عباس باعلان حلها فهل اسرائيل قادرة على اعالة اكثر من مليوني فلسطيني في الضفة , وتوفير الخدمات المعيشية والصحية والتعليمية وغيرها لهؤلاء السكان , هذا عدا عن الاعباء الامنية الخطيرة التي عليها تحملها .
ان الفضل الاكبر في حفظ الامن وسيادة القانون في الضفة الغربية انما يعود للرئيس عباس الذي حرص على تشكيل اجهزة امنية على مستوى رفيع وغاية في الانضباط . ما ادى الى القضاء على الفلتان الامني وشيوع سيادة القانون الذي كان غائبا قبل توليه رئاسة السلطة الفلسطينية .
وتؤكد مصادر وزارة المالية في الحكومة الفلسطينية ان ميزانية الاجهزة الامنية الفلسطينية تشكل ثمانية وعشرين بالمئة من اجمالي المصروفات , في الموازنة العامة الفلسطينية , فاذا توقفت رواتب هؤلاء لدى انهيار السلطة الفلسطينية , فماذا سيفعلون وماذا ستفعل الحكومة الاسرائيلية . علما ان عدد هؤلاء حوالي خمسة وعشرين الفا يقومون على مدار الساعة , وعلى مختلف اجهزتهم بحفظ الامن في اراضي السلطة الفلسطينية .
وقد حذر مسؤولون فلسطينيون كبار من ان السلطة على حافة الانهيار فقد قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتيه : ان الوضع المالي للسلطة صعب جدا وتواجه ازمات كبيرة اولها الوضع الاقتصادي ودفع رواتب الموظفين التي تشكل سبعين في المئة من اموال المقاصة التي تجمعها اسرائيل .
ان على حكومة اسرائيل ان تتوقف عن معاقبة الشعب الفلسطيني وان تلغي قرارها بحجز اموالهم قبل انهيار السلطة , وهذا خطر كبير لا تستطيع اسرائيل تحمل تبعاته , ولا يريده احد في هذه المنطقة المشتعلة بالازمات في سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا وغيرها.