اطلس:في خطابه بعد إعلان "وقف غير مشروط للنار" أعادني الأخ المجاهد يحيى السنوار الى سنوات النضال الحقيقي لمناضلي الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن المنصرم وربما قبل ذلك بكثير، حيث طغت أنذاك الكثير من القيم النضالية
التي كان فيها المناضل يرى نفسه فردا مسخرا لحركة المجموع وللقضية التي يناضل من أجلها، ويعمل بنكران ذات ولا يهدف الى تقلّد المواقع أو لأي مكسب مادي أو ترف فكري وسياسي بل يحمل روحه على راحته ويتوقع الشهادة في أية لحظة.
أعادني الرفيق يحيى السنوار الى صفات القائد "اليساري" آنذاك فأطلقت عليه لقب "الرفيق" لإستناده في خطابه الى قاعدة معلومات دقيقة من حيث عدد الشهداء والجرحى ومن تم إستهدافه من قيادات الصف الأول والثاني والثالث والرابع، ونسبة التدمير التي حصلت لشبكة الأنفاق. أعادني الى المنهج التراكمي في التفكير من حيث تسلسل الأفكار على نحو تتراكم فيه الفكرة لتقود الى الفكرة الأخرى، فقد تحدث بلهجة المنتصر ويحق له ذلك بالفعل، ولعب على البعد النفسي لدى الإحتلال، وطبق بكل إحتراف مقولة " يا عمال العالم إتحدوا ... فلن تخسروا إلا قيودكم" فيقول للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية أن عليكم الإتحاد في مواجهة الحكومات وفزاعة "الجيش الذي لا يقهر" فلن تخسروا شيئا فقد ضاقت عليكم السبل ولن يخسر أهل غزة أيضا أي شىء بعد كل هذا العدد من الشهداء والجرحى وذوي الإعاقة والدمار في الممتلكات، ويوجه خطابه للإحتلال الغاصب بالقول بما معناة "إفعلوا ما شئتم ... فالرد سيكون بالمثل".... وإن عدتم ... عدنا، وهو بذلك يستنهض ميزان ومعادلة توازن الرعب.
في كلمته حدد السنوار ملامح المرحلة المقبلة، بالقول أن الوضع العالمي والعربي والإقليمي والفلسطيني ما بعد العدوان الأخير على القدس وأكنافها وقطاع غزّه لن يكون كما كان عليه قبل العدوان، مؤكدا على مكانة القدس والمقدسات وأحياء القدس وأكنافها، والتأكيد على أنها تشكل خطا أحمرا ليس فقط للشعب العربي الفلسطيني بل والشعوب العربية والإسلامية ويوجه تحية لهذه الشعوب التي زحفت نحو الحدود، ويوجه أيضا تحية لشعوب العالم التي خرجت الى الشوارع والميادين نصرة للقضية الفلسطينية وحيا وسائل الإعلام.
ثمّن الرفيق المجاهد يحيى السنوار العلاقات الكفاحية مع قوى التحرر العربية والإسلامية وبضمنها وبكل صراحة حزب الله والحرس الثوري، ولم يخف أبدا العلاقة والتنسيق، وحدد بكل وضوح مهام المرحلة الراهنة وعلاقتها برؤيا حركته العقائدية المتمثلة وبدون مواربة أو لبس بالسيطرة على كامل التراب الوطني الفلسطيني بما فيها عودة فلسطين " التاريخية" الى الحضن العربي والإسلامي، وإنطلق في تحليله "الماركسي" الى الحل المرحلي والحل الدائم، مؤكدا على قبول الحركة لمسألة إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة كحل مرحلي مؤقت وبالسيطرة الكاملة على القدس الشرقية بوصفها عاصمة لهذه الدولة العتيدة، قدما على طريق تحقيق الهدف الإستراتيجي.
وإنتقل في خطابه الى جدلية العلاقة بين العمل المسلح والمقاومة الشعبية السلمية، مؤكدا أن الحركة تنتهج النهجين وتجمع بينهما بشكل خلاق ولم ينف بعض " الخشونة" في المقاومة الشعبية السلمية وهي كما ذكر حق للشعوب المضطهدة الثائرة المتمردة على الظلم والطغيان.
وبكل حنكة وبمعلومات ومعرفة دقيقة تطرق الى بعض المسائل العسكرية في الميدان، متحدثا عن "خدعة" الهجوم البري الى أعلن عنها الكيان الغاصب، وتفهم الحركة لأهداف هذه الخدعة، وتصديها لها وهي تعلم أن لا هجوما عسكريا مرتقبا، وتحدث عن قلب المعادلة رأسا على عقب من حيث سيطرة الجهاز العسكري الجهادي على المدن الإسرائيلية وفرض حظر التجول وتحديد ساعات رفعه لكي يتمكن مواطني الكيان الغاصب من التزود بإحتياجاتهم الرئيسية، ولعب كثيرا على العامل النفسي أولا بحركاته الجسدية ونظراته، وثانيا بالحديث عن القدرة الصاروخية ومخزونها ونوعيتها، مشيرا الى أن آخر رشقة قبل الهدنة كان من المفترض أن تشمل (300) صاروخا هي من الصوايخ "المنتهية الصلاحية Expired" وأن جيلا جديدا حديثا يجري توظيفه الان للردع، وقد تجاويت الحركة مع طلبات الوسطاء بوقف إطلاق الرشقة الأخيرة، وفي لحظة ما أثناء حديثة عن الرشقات الصاروخية ذكر أن الناطق الرسمي بإسم الكتائب المجاهد أبو عبيده قد قال بأن رشقة صاروخية أسهل على الكتائب وكل التشكيلات العسكرية الأخرى لباقي الفصائل من " شربة ماء" وقام أمام الكاميرات بشرب الماء، بل وتحدى الإحتلال بإستهدافه هو شخصيا بالقول أنه سيعود ماشيا على الأقدام الى منزله، وقد نفذ ذلك فعلا، بل وشارك المواطنين في خلط خلطة " باطون" إعمارا لما تم تدميره من الكيان الغاصب، وفي ذات الشياق تشارك معه المجاهد زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد عندما ظهر على الأعلام وهو يقول أن من قام بالإتصال به من الوسطاء إستغرب أنه كان يقوم " بقلي البيض" لإعداد طعامه.
وبطريقة لبقة للغاية إنتقل للحدث عن وعوداته أولا للأسرى مشيرا الى أن قضيتهم أمانة في رقبة المجاهدين، وثانيا الى أهل قطاع غزّة الذين عانوا على إمتداد السنوات الماضية مؤكدا أن رخاءا نسبيا سيطرأ على معيشتهم، وإنتقل للحديث عن علاقة قطاع غزّة بالسلطة الوطنية في الضفة الغربية التي لن تحرجها الحركة مطلقا بل ستوفر لها كل الإمكانيات للقيام بدورها في إعمار القطاع وليس فقط هي لوحدها بل كل من يريد أن يسهم متبرعا في عملية الإعمار.
خلاصة القول، كان خطابا شاملا جامعا مليئا بالعزة والفخر والكرامة والإنتصار، كان خطابا متراكما في زخمه وأفكاره وواضحا بما لا يقبل التأويل، ويحدد ملامح المرحلة القادمة والأستراتيجيات والتكتيك، ويبنى على تجربة المعركة الحالية ويفتح الباب على مصراعيه لأوسع حالة إستنهاض جماهيري فلسطيني وعربي وإقليمي وعالمي معيدا ترتيب بعض الأوراق، وقد أظهر هذا الخطاب الشيخ المجاهد الرفيق اليساري يحيى السنوار بوصفه قائدا ميدانيا حقيقيا يرتكز في تحليله وتشخيصه للقضايا الى قاعدة معلومات وبالتفاصيل مدعمة بأرقام ومعطيات وحقائق علمية، وأيضا بمقدرته المتقدمة في توظيف البعد النفسي للتأثير على معنويات مواطني الكيان.
همسة في أذن كل من "تمطّق" كمن أكل ليمونة حامضة وهو يقرأ مقالتي هذه .... فقلبي من " الحامض لاوي" و " اللي ما يطول العنب ... حامضا عنه يقول" .... همسة تقول لكم .... لا يفتي قاعد (أي جالس) لمقاوم.