اطلس: يصنف الباحثون الجيل “Z” بمواليد ما بين أواخر تسعينيات القرن الماضي (1997) حتى بداية العقد الثاني من القرن الحالي (2012)، أي أن أعمارهم اليوم تتراوح ما بين 12-27 عام. هذا الجيل الذي يتوسط جيل الألفية (Millennials) وجيل "ألفا" (Alpha)،
والذي ولد بعد نهاية الحرب الباردة وبداية انتشار الانترنت ونشأ في بيئة العولمة الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي، جيل يتصف بعدم إيمانه بالمسلمات ويرفض الأيديولوجيات أو المتطرفة والجامدة منها. جيل يحكم على الأمور من خلال البحث والمعرفة واستقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة، ويحكم على الأمور من منطلقات أخلاقية وإنسانية. على عكس ما يعتقده الكثيرون بأن جيل الرقمنة والانترنت جيل كسول ويكتفي بالإجابات الجاهزة والسريعة، فإن هذا الجيل يتميز بلهفته للمعرفة والبحث العميق في أصول المسائل وحقائقها ولا يقبل الأحكام المسبقة، ولا عجب أن الحرف “Z” هو إختصار لكلمة “Zoomers”.
يقود الجيل “Z” اليوم حراكاً طلابياً عالمياً، خاصة في الغرب ضد حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل الصهيونية بدعم غربي منذ أكثر سبعة أشهر ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. اللافت، أن بداية هذا الحراك جاءت من جامعة كولومبيا الأمريكية المرموقة، وهي من بين الجامعات القليلة التي يتخرج منها معظم قادة السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والأمن والإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا لا بد من الإشارة أن اليهود الأمريكيون المناهضين لإسرائيل وللصهيونية وفي مقدمتهم أبناء الجيل“Z” ومنهم أبناء عائلات وهبت حياتها وأموالها خدمة للصهيونية، هم من بدأوا تنظيم وقيادة الاحتجاجات في أمريكا ضد حرب الإبادة منذ الأسابيع الأولى من بدايتها.
بالرغم من أن الكثيرين يشبهون الحراك الحالي بحراك الأمريكيين ضد حرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي، إلا أن هناك فارقاً جوهرياً لصالح تقدمية وأخلاقية جيل الحراك الحالي، ففي حرب فيتنام كانت جثث الجنود الأمريكيين تتقاطر من معارك فيتنام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي كانت هناك مصلحة مباشرة للأمريكيين لإنهاء تلك الحرب. أما في حالة الحراك الحالي، صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية متواطئة بل ومشاركة في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، لكن جيشها لا يقاتل بشكل مباشر وبالتالي لا يوجد ثمن حقيقي على الشعب الأمريكي مقارنة بحرب فيتنام. هذا الحراك شبه الانقلابي الذي يقوده الجيل “Z” في الولايات المتحدة الأمريكية، استبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري في شهر تشرين ثاني المقبل، ربما كمقدمة لعدم قبوله للنظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية القائم على الحملات الانتخابية الممولة من الكارتيلات وجماعات الضغط المختلفة خدمة لمصالحها التي قد تتعارض أو لا تخدم مصالح غالبية الأمريكيين، فلا يريد هذا الجيل ومعه فئات أخرى من الأمريكيين أن يكونوا مجبرين على الاختيار بين الرئيس الحالي "بايدن" والرئيس السابق "ترمب". وبالتالي، أعتقد أن الحراك لن يقف عند مطالب وقف الحرب ووقف التعاون الأكاديمي والبحثي بين الجامعات الأمريكية والجامعات الإسرائيلية، بل سيمتد ليصل إلى خلخلة ركائز وتقاليد النظام السياسي في أمريكا.
الصهيونية المتمثلة بإسرائيل كوطن قومي لليهود والتي فشلت على مدار 75 عام من قيامها بإقناع واستقطاب أغلبية اليهود لدولتها، صنفتها الأمم المتحدة في عام 1975 كحركة فكرية عنصرية، قد لا يعلم معظم الجيل “Z” في فلسطين بأن قيادتهم كانت قد تنازلت مبكراً عن التصنيف المذكور، فقد قامت الأمم المتحدة بإلغاء قرارها الذي اعتبر الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية بعد 45 يوم فقط من انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي قدم إسرائيل للعالم كدولة طبيعية بل وطالبة للسلام حتى أصبح من ينتقد الصهيونية أو إسرائيل معادٍ للسامية. رغم ذلك، هذا لا يعفي الأمم المتحدة من مسؤوليتها التي أقرت القرار المذكور عام 1975 بمسوغات قامت بشرحها في القرار، لكن عندما قامت بإلغاء القرار لم تقدم أي مسوغ لإلغائه. كذلك لا يعفي القيادة الفلسطينية من مسؤولية محاولة إعتماد القرار مجدداُ حيث أصبحت إسرائيل الصهيونية أكثر عنصرية وأكثر غطرسة حتى أنها أصبحت تجاهر بعنصريتها، وجاءت غزة الصامدة والمقاومة لتعريها أمام العالم كدولة عنصرية ومجرمة ومارقة.