اطلس- رغم ان هناك اجماعا فلسطينيا وعربيا ودوليا على ان الاستيطان غير شرعي , الا ان الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ما زالت مصرة على مواصلة سياسة التوسع الاستيطاني الذي هوحجر عثرة وعقبة كأداء في طريق تحقيق السلام
وقد تزايدت وتيرة الاستيلاء على مزيد من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية مؤخرا مع قرب انتخابات الكنيست التي ستجري في السابع عشر من شهر اذار القادم , وذلك في اطار التنافس بين الكتل الانتخابية للحصول على اصوات اليمين عامة واليمين المتطرف خاصة .
وضمن سياق الاستمرار في سياسة التوسع الاستيطاني جاء قرار الحكومة الاسرائيلية الاخير بالسيطرة على حوالي اربعة الاف دونم تقع في مناطق استراتيجية في الضفة الغربية , وذلك وفق ما ذكرته صحيفة " هآرتس " الاسرائيلية يوم الاثنين الماضي من اجل اطلاق حركة استيطان واسعة تشمل توسيع اربع مستوطنات وهي : " كدوميم , وحلاميش , وعيما نويل وفيرد يريحو . وقد جاء قرار السيطرة على هذه الاراضي بادعاءاتها انها اراضي دولة .
وقد أكدت القيادة الفلسطينية دائما انها لن توقع اي اتفاق سلام مع اسرائيل لا ينص على انهاء الاستيطان , وهي في ذلك تستند الى القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة .
فالقانون الدولي ينص على عدم جواز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة , كما انه ينص على ان الدول يجب الا تتخذ اي اجراء يحرم الشعوب من حقها في تقرير مصيرها , كما ان ميثاق الامم المتحدة يقول : " انه لن يتم الاعتراف بأي استيلاء على الاراضي من خلال التهديد باستخدام القوة او استخدامها على انه قانوني .
وقد أ كد الاتحاد الاوروبي باستمرار ان المستوطنات غير قانونية وتمثل عقبة خطيرة امام تحقيق سلام شامل ودائم وعادل في منطقة الشرق الاوسط . وهذا هو بالذات موقف الادارات الاميركية الجمهورية والديمقراطية , حيث ان كل الرؤساء الاميركيين من جمهوريين وديمقراطيين اعتبروا الاستيطان حجر عثرة في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين , ولكن الامر المؤسف ان الادارات الاميركية تلك رغم اعتبارها المستوطنات حجر عثرة في طريق تحقيق السلام , الا انها تغض الطرف عن تلك السياسات الاستيطانية التوسعية .
وهكذا يظهر التناقض جليا في مواقف الادارات الاميركية المتعاقبة من الاستيطان , فهي تقول انه حجر عثرة في انجاز سلام عادل وشامل , ولكنها تصوت في المنظمات الدولية ضد القرارات التي تدعو اسرائيل الى وقف الاستيطان . فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض " الفيتو " في مجلس الامن في الثاني من شهر اب عام 1983 ضد قرار يعتبر بناء المستوطنات غير شرعي , كما لجأت الى ذات الشيء في السابع من اذار عام 1997 ضد مشروع قرار في مجلس الامن يطالب اسرائيل بوقف جميع انشطتها الاستيطانية .
وفي الثامن عشر من شباط عام 2011 صوتت ضد قرار يدين عمليات الاستيطان منذ عام 1967 في الضفة الغربية والقدس ويعتبرها غير شرعية .
وكان اخر القرارات الاميركية ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المتمثلة باقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن حدود الرابع من حزيران من عام 1967 في الثلاثين من كانون الاول الماضي , حيث صوت ضد مشروع قرار فلسطيني – عربي في مجلس الامن يدعو الى اقامة الدولة المستقلة خلال عامين اي في عام 2017 , ولم تكتف بذلك بل انها ضغطت على رواندا ونيجيريا الدولتين الافريقيتين لكي لا تؤيدان المشروع , فامتنعتا عن التصويت , وبذلك لم يحصل مشروع القرار على الاصوات التسعة اللازمة لاقراره , حيث حصل على ثمانية اصوات فقط .
وقد أكدت واشنطن انه لو حصل على الاصوات التسعة فانها كانت ستستخدم حق النقض " الفيتو " لمنع اقراره.
وهكذا اكدت ادارة اوباما من انها تسعى لتحقيق سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين والاسرائيليين غير جدية ولا صادقة في مساعيها تلك , وهكذا فقدت مصداقيتها كراع اساسي لعملية السلام .
وكلما مضت اسرائيل في السياسات الاستيطانية التوسعية فانها تجعل من تحقيق السلام مع الشعب الفلسطيني امرا مستحيلا او شبه مستحيل , لأن السلام يقوم على اساس رؤية حل الدولتين , ولكن الاستيطان يجعل من اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا امرا مستحيلا , حيث ان المستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية تجعل اقامة مثل هذه الدولة حلما بعيد المنال .
ورغم ان الفلسطينيين قبلوا بدولة على مساحة اثنين وعشرين بالمئة من ارض فلسطين التاريخية ورغم ان قرار تقسيم فلسطين الذي اصدرته الجمعية العامة للامم المتحدة في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1947 والذي يحمل الرقم (181 ) , اعطى الفلسطينيين خمسة واربعين بالمئة من ارض فلسطين التاريخية , الا ان اسرائيل ترفض حتى اقامة دولة فلسطين على اقل من نصف هذه المساحة التي اعطاهم اياها قرار التقسيم من خلال اصرارها على قضم المزيد من اراضي الضفة الغربية , ورفض السماح للشعب الفلسطيني باقامة دولته .
والامر المستهجن ان اسرائيل تعاقب الشعب الفلسطيني وقيادته عندما يقوم بالاعتراض على السياسات الاستيطانية التوسعية , وعندما يتوجه الى المنظمات الدولية للحصول على تلك الحقوق , تعاقبه في مصادر رزقه حيث تحتجز اموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية , وبذلك تجعل السلطة تعاني من ضائقة اقتصادية خانقة , تجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها الذين يزيدون على مئة وستين الف موظف , بحيث لم تتمكن خلال شهرين متتابعين الا من دفع ستين في المئة من تلك الرواتب . هذاعدا عن عجزها عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه العديد من المشاريع الحيوية التي تنفذها خدمة لابناء شعبها .
والذي يزيد الامور تعقيدا ان الدول الراعية لعملية السلام , المتمثلة في اللجنة الرباعية لا تقوم بالضغط على حكومة اسرائيل من اجل تنفيذ التزاماتها تجاه عملية السلام , ومن اجل وقف سياسة العقوبات الاقتصادية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته . فقد اجتمع ممثلو اللجنة الرباعية الدولية يوم الاحد الماضي في مدينة ميونيخ الالمانية على مستوى عال , تمثل بمشاركة وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي ميرجي لافروف والممثل الاعلى للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والامنية فريدريكا موغريني , ونائب الامين العام للامم المتحدة يان الياسون , وممثل الامين العام للامم المتحدة .
وقد اصدرت اللجنة الرباعية عقب اجتماعها الاخير هذا بيانا دعت الى استئناف المفاوضات في اقرب وقت ممكن للوصول الى سلام عادل وشامل ودائم , وفق قراري مجلس الامن الدولي 242 و 338, ومبادئ مؤتمر مدريد , بما فيها مبدأ الارض مقابل السلام , والاتفاقات التي توصلت اليها الاطراف واكدت اللجنة ان السلام الدائم يتطلب اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة , وتوفير الامن للاسرائيليين , عبر مفاوضات وفق رؤية حل الدولتين .
وشددت على اهمية مبادرة السلام العربية , من خلال ما احتوته من رؤية شاملة للصراع العربي – الاسرائيلي , والدور الحيوي للشركاء العرب .
ودعت الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى عدم الاعلان عن اية اعمال قد تقوض الثقة بين الجانبين , وتؤثر على الحل النهائي , وركزت على اهمية ضمان حل التحديات المالية التي تواجه الشعب الفلسطيني , واكدت دعمها لجهود بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية .
والواقع ان الجانب الفلسطيني ملتزم بكل ما جاء في بيان اللجنة الرباعية هذا , فهو مستعد للعودة الى المفاوضات في اي وقت شرط ان تكون وسيلة لتحقيق السلام , وليس هدفا لفرض سياسة الامر الواقع كما تفعل اسرائيل , كما انها متمسكة برؤية حل الدولتين , وفق مبادرة السلام العربية وبمباركة من الاشقاء العرب , وهي لم تتخذ اية خطوات احادية الجانب تقوض عملية السلام
ولا شك ان القيادة الفلسطينية ترحب بضمان اللجنة الرباعية حل التحديات المالية التي تواجه الشعب
الفلسطيني . وهي ترجو ان يتم ذلك في القريب العاجل , من خلال الضغط على الحكومة الاسرائيلية لالزامها بالتوقف عن احتجاز اموال السلطة الفلسطينية , لأن الامن الاقتصادي للمواطن الفلسطيني هو الذي يقنعه بجدوى عملية السلام .
وهكذا يتضح جليا من يسعى حقيقة للسلام العادل ومن ينفذ التزاماته تجاه هذا السلام , ومن يسعى لعرقلة تحقيق السلام من خلال الاستمرار في زرع الضفة الغربية بالمستوطنات.
لقد آن الاوان للمجتمع الدولي واللجنة الرباعية وخاصة الولايات المتحدة للعمل من اجل اقامة الدولة الفلسطينية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية , حيث ان شعوب هذه المنطقة متعطشة للسلام.