اطلس:كتب محمد أبومعيلق: قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يمثل تحديًا كبيرًا للنظام القانوني الدولي ويتضمن مخاطر جدية على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، مما يستوجب دراسة قانونية عميقة حول تبعاته وآثاره.
الأونروا تأسست بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 لعام 1949 بهدف تقديم الإغاثة والخدمات الأساسية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، الذي تشكل نتيجة النزاع العربي-الإسرائيلي عام 1948. وفقًا لهذا الإطار القانوني، تعتبر الأونروا مسؤولة عن توفير الخدمات الأساسية التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الاجتماعية لملايين اللاجئين في مناطق عملياتها في الشرق الأوسط، مثل الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان. وعليه، يمثل حظر عمل الوكالة انتهاكًا للقرارات الدولية التي نشأت بموجبها، ويعني عمليًا إلغاء الحماية القانونية الأساسية التي تمثلها الأونروا لهؤلاء اللاجئين. هذا الوضع يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية خطيرة، إذ يُعد تخلّيًا ضمنيًا عن الالتزام الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين، بما ينطوي عليه من أبعاد قانونية وأخلاقية.
تستمد الأونروا شرعيتها القانونية من قرارات الأمم المتحدة التي لم تقتصر فقط على إنشاء الوكالة، بل تضمنت أيضًا تأكيدًا متواصلًا على ضرورة استمرار خدماتها، لا سيما في ظل تعثر التوصل إلى حل سياسي لقضية اللاجئين. وبالتالي، فإن حظر الأونروا يعني بشكل ضمني تقويض هذه القرارات، خاصة أن الوكالة لا تمثل فقط جهة إغاثية، بل تعتبر ضمانة دولية على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، الذي نص عليه قرار الجمعية العامة رقم 194. إن هذا الحق يتعرض اليوم للخطر بسبب التوجه الإسرائيلي لإلغاء الأونروا، وهو ما يمكن اعتباره محاولة لتغيير الوضع القانوني لقضية اللاجئين وجعلها مسألة إنسانية بحتة، بدلاً من اعتبارها قضية سياسية وقانونية تعترف بها الأمم المتحدة.
القرار يمثل أيضًا خطرًا واضحًا على الأوضاع الإنسانية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين. إذ تقدم الأونروا مجموعة من الخدمات الحيوية التي يعتمد عليها ملايين اللاجئين، ومن ضمنها الخدمات التعليمية والصحية. حظر عمل الوكالة في الأراضي المحتلة سيؤدي بشكل مباشر إلى تدهور الأوضاع المعيشية لهؤلاء اللاجئين، وسيحرمهم من حقهم الأساسي في التعليم والرعاية الصحية، وهو ما يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هنا، يظهر أن القرار الإسرائيلي يتعارض أيضًا مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، الذي يحث على حماية الفئات الضعيفة في ظل النزاعات، وبالأخص اللاجئين.
من زاوية أخرى، فإن هذا القرار قد يُحدث خللاً كبيرًا في النظام القانوني الدولي المتعلق بحماية اللاجئين، حيث يُعد اللاجئون الفلسطينيون استثناءً في النظام الدولي؛ فهم غير مشمولين بحماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويحظون بإطار قانوني خاص تقدمه الأونروا. وبهذا، فإن القرار الإسرائيلي يحرم هؤلاء اللاجئين من الحماية المحدودة التي توفرها الوكالة، مما يضعهم في حالة من العزلة القانونية على الساحة الدولية. وإضعاف الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين يخلق سابقة خطيرة قد تؤدي إلى تهميش حقوق اللاجئين بشكل عام، وتقلل من قدرة المنظمات الدولية على تقديم المساعدات الإنسانية ضمن الأطر القانونية.
علاوة على ذلك، يمكن النظر إلى القرار باعتباره خطوة قد تزيد من توتر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط؛ فإضعاف الأونروا قد يزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مخيمات اللاجئين، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بل وقد يتسبب في موجات جديدة من الهجرة غير الشرعية إلى الدول المجاورة وأبعد من ذلك. إن قرار حظر الأونروا قد ينعكس بشكل سلبي على الاستقرار الإقليمي والدولي، لأن خلق أزمات إنسانية في منطقة مضطربة سيؤدي إلى تداعيات تؤثر على الأمن والسلم الدوليين، ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار جديد تجاه التزامه بحماية حقوق الإنسان وحل الأزمات الإنسانية.
في الختام، يُعتبر قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر عمل الأونروا تهديدًا قانونيًا وإنسانيًا وسياسيًا، حيث يضع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في مهب الريح ويهدد بإلغاء الحماية الدولية لهم، ما يُعتبر تراجعًا خطيرًا عن الالتزامات الدولية تجاه قضية اللاجئين. ويتعين على المجتمع الدولي اتخاذ موقف واضح وحازم في مواجهة هذا القرار، من أجل حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وضمان استمرار الوكالة في أداء دورها الأساسي، كخطوة أساسية لتحقيق استقرار وسلام مستدامين في المنطقة.
* باحث قانوني في دائرة شؤون اللاجئين – م.ت.ف .