اطلس:
يواجه الاقتصاد الفلسطيني أزمة غير مسبوقة، وسط تحذيرات أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية وسبعة من حلفائها، تشير إلى خطر انهيار شامل للاقتصاد الفلسطيني إذا استمرت الأوضاع الحالية دون معالجة.
ويرى عدد من الخبراء والمحللون الاقتصاديون، في أحاديث منفصلة لـ”ے”، أن هذه التحذيرات هي جزء من رسالة سياسية ضمنية تهدف إلى ثني الفلسطينيين عن اتخاذ مواقف سياسية مستقلة بعيداً عن النفوذ الأمريكي.
وفي المقابل، لفت المحللون والخبراء إلى مؤشرات حقيقية على انهيار الاقتصاد الفلسطيني، بما في ذلك تصاعد معدلات البطالة، وتزايد الدين العام، إضافة إلى القيود الإسرائيلية المتصاعدة على الأموال الفلسطينية، ما يعمق هشاشة الاقتصاد الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة القيود الإسرائيلية.
وأكد الخبراء والمحللون أن السلطة الفلسطينية تجد نفسها أمام خيارات صعبة، تتراوح بين السعي للحصول على الدعم الدولي وتطبيق إجراءات تتعلق بالشفافية، وأخرى تقشفية صارمة، في وقت تحتاج فيه لمساندة دولية حقيقية لوقف الإجراءات العقابية الإسرائيلية المستمرة بحق الاقتصاد الفلسطيني.
التحذير الأمريكي رسالة مبطنة إلى الفلسطينيين
وقال الخبير الاقتصادي البروفسور د. طارق الحاج: إن التحذيرات الأمريكية وحلفائها السبعة بشأن الوضع الاقتصادي الفلسطيني هي بمثابة تحذيرات، مشيراً إلى أنها تعكس مؤشرات حقيقية على انهيار الاقتصاد الفلسطيني إذا ما استمرت الظروف الراهنة لمدة ستة أشهر إضافية.
وأوضح الحاج أن هذا التحذير يعتمد على تقارير حديثة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي تطرقت إلى حالة الانكماش الاقتصادي التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني، معتبرةً أن هذا الانكماش قد يكون مرحلة تمهيدية لانهيار شامل.
وأشار الحاج إلى أن التحذيرات استندت إلى الوضع في قطاع غزة الذي يعكس جزءاً من هذا الانهيار، حيث أصبح القطاع مُدمراً بشكل كامل، والوكالات الدولية عاجزة عن العمل فيه بسبب نقص الموارد الغذائية وتصاعد عمليات التهجير.
ولفت الحاج إلى أسس أخرى استند عليها التحذير من انهيار الاقتصاد الفلسطيني وهي القرارات الإسرائيلية الأخيرة، مثل التحكم بفائض الشيقل وقرصنة أموال المقاصة، وهي تُفاقم الوضع الاقتصادي وتُثير قلق بعض الأطراف الإسرائيلية التي تؤمن بالسلام.
وتطرق الحاج إلى أمر آخر استند إليه التحذير وهو أرقام البطالة والفقر المتزايدة، حيث أن مؤشرات الفقر والبطالة وصلت إلى مستويات قياسية، في حين تزايدت نسبة الشيكات المرتجعة، ما يُبرز حجم الأزمة المالية، كما أن المديونية الحكومية بلغت نسبة 140% من الناتج المحلي، وهي نسبة عالية تعكس حجم العجز المالي للسلطة الفلسطينية، لا سيما مع عدم اعتماد موازنة للسنة الثانية على التوالي، ما يخلق حالة من الغموض حول الأوضاع المالية المستقبلية.
سيطرة إسرائيل على الموارد المالية والأراضي
وحسب الحاج، فإن التحذير الأمريكي يُعد بمثابة رسالة مبطنة تهدف إلى ثني الفلسطينيين عن التطلع إلى حلول سياسية دون الولايات المتحدة، حيث إن غياب اقتصاد قوي يُضعف من قدرة الفلسطينيين على تحقيق استقلال اقتصادي يُعزز من تطلعاتهم السياسية.
ويوضح الحاج أن الرسالة تحمل تهديداً بأن الحل السياسي لا معنى له في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، في ظل سيطرة إسرائيل على الموارد المالية والأراضي، مما يُعرقل أي محاولات جادة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ويشير الحاج إلى انه رغم التزام القيادة الفلسطينية بالاتفاقيات الدولية، غير أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لاستغلال الوضع عبر خطة تهدف إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية وتقويض الاقتصاد الفلسطيني.
ويؤكد الحاج أن الولايات المتحدة على دراية تامة بالإجراءات الإسرائيلية، وأنها قد تتدخل لتغيير الوضع إن أرادت.
وحول الخيارات أمام السلطة الفلسطينية لتجاوز الأزمة المالية الحالية، يوضح الحاج أنها تشمل مدى التزامها بتفاهماتها مع الاتحاد الأوروبي لدعم رواتب الموظفين عبر ما يُعرف بـ”اتفاق النوايا”.
ومن بين الخيارات وفق الحاج، الجهود الأوروبية بإنشاء منصات تنسيق لدعم السلطة الفلسطينية، ثم خيار إعمار قطاع غزة، ومن سيتولى إدارة السلطة الفلسطينية بعد هذه الأزمة وما مدى الاستعداد الدولي لدعم استقرارها.
ومن أهم الخيارات وفق الحاج، الوحدة الفلسطينية، والشفافية في إدارة المال العام، وتفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني ليتحمل مسؤولياته.
الاقتصاد الفلسطيني والتوترات السياسية والأمنية
بدوره، لفت الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش إلى هشاشة الاقتصاد الوطني الفلسطيني، الذي يعاني من آثار التوترات السياسية والأمنية، مع تصاعد المخاطر التي باتت تهدد بنيته.
وأشار أبو غوش إلى أن التحذيرات الأمريكية، وأيضاً تحذيرات حلفاء واشنطن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول خطورة انهيار الاقتصاد الفلسطيني، تضع الواقع الاقتصادي في مرحلة خطيرة وغير مسبوقة.
وأوضح أبو غوش أن الأرقام الأخيرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء د. محمد مصطفى تبين حجم الأزمة، حيث إشار إلى تسجيل الاقتصاد الفلسطيني انكماشاً بنسبة 35%، وهو رقم لم يُشهد من قبل، مما يزيد من مؤشرات الأزمة ويؤكد خطورة الوضع.
ويرى أبو غوش أن استمرار الضغوطات المتعددة على الاقتصاد الفلسطيني، ومن بينها احتجاز إسرائيل لعائدات المقاصة، ومنع نحو 200 ألف عامل فلسطيني من الوصول إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، إلى جانب القيود المفروضة على حركة التجارة والاستثمار التي تشمل الحواجز الإسرائيلية والحصار المفروض على الأراضي، كلها تساهم في تفاقم أزمة الاقتصاد الفلسطيني وتدفعه نحو حافة الانهيار، ويعزز هذه الضغوط أيضاً تهديد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بقطع العلاقات المصرفية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهو إجراء إذا ما تم تنفيذه، قد يزيد من حدة الأزمة ويؤدي إلى الانهيار الذي يخشاه المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة.
وقال أبو غوش: “إن واشنطن، بالرغم من موقفها السلبي تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، إلا أنها لا ترغب في انهيار الاقتصاد الفلسطيني، لما لذلك من تبعات قد تؤدي إلى الفوضى في الضفة الغربية.
وبناءً على ذلك، يرى أبو غوش أن الضغط الأمريكي الجدي يتجه نحو منع هذا الانهيار عبر الضغط على الجانب الإسرائيلي لعدم قطع العلاقات المصرفية، مؤكداً أن العلاقة المصرفية ستظل على الأرجح قائمة بفضل الضغط الأمريكي.
وأشار أبو غوش إلى أن هذه العلاقات أصبحت ورقة ضغط سياسية يستخدمها سموتريتش واليمين الإسرائيلي في محاولة لابتزاز الجانب الفلسطيني.
الإفراج عن الأموال المحتجزة أو وقف الاقتطاعات لا زال مستبعداً
أما فيما يتعلق بقرار إسرائيل اقتطاع أموال المقاصة، أوضح أبو غوش أن الضغوط الأمريكية والدولية على إسرائيل قد تبقى محدودة التأثير حالياً، إذ يعتمد القرار على مصادقة الكنيست الإسرائيلي، ولهذا فإن الإفراج عن أموال المقاصة أو وقف الاقتطاعات منها قد يظلان بعيدَي المنال في الوقت الراهن.
لكن أبو غوش لفت إلى أن الضغط الدولي قد يحقق بعض التخفيف في التوجهات الإسرائيلية أو يحد من تصعيدها، خاصة فيما يتعلق باستمرار العلاقة المصرفية، وإن كان الإفراج عن الأموال المحتجزة أو وقف الاقتطاعات ما زال مستبعداً في المرحلة الحالية.
وبالنسبة للخيار المالي المتاح أمام السلطة الفلسطينية، أكد أبو غوش أنه ضيق للغاية، حيث وصلت إمكانية الاقتراض المحلي إلى حدها الأقصى، ما دفع السلطة للبحث عن قرض مجمع من البنوك العاملة في فلسطين على غرار القرض الذي حصلت عليه العام الماضي، لسد بعض الالتزامات كدفع الأقساط المستحقة على قروض الموظفين، أو الحصول على قرض مباشر وإعادة جدولة التزاماتها. إلا أن هذه الحلول تظل مؤقتة وغير جذرية.
وأوضح أبو غوش أن الوضع يتطلب حلاً سياسياً شاملاً يُنهي العدوان ويعالج الأزمة الاقتصادية من جذورها، إلى جانب عودة الدعم المالي الدولي، واستئناف المساعدات المالية للسلطة، مع ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل للإفراج عن أموال الضرائب المحتجزة ووقف الاقتطاعات منها.
ويرى أبو غوش أن السلطة الفلسطينية، في ظل استمرار هذه الضغوط، ستبقى عالقة في أزمة مالية خانقة قد تتفاقم مع الوقت إذا لم تتوفر حلول جذرية تضمن الدعم الدولي وتحمل إسرائيل مسؤولياتها الاقتصادية تجاه الأراضي الفلسطينية.
مطلوب إجراءات دولية عاجلة
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس: إن التحذير الأمريكي الذي وُجّه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن انهيار الاقتصاد الفلسطيني هو حقيقي وجاد كون ذلك التحذير مدعوماً بمواقف سبع دول حليفة للولايات المتحدة، حيث يُشير هذا التحذير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يواجه خطر الانهيار الوشيك، وهو ما يعكس قلقاً دولياً واسعاً من انعكاسات هذا التدهور على الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة.
وأكد أبو الروس أن هذا التحذير يستند إلى تقارير صادرة عن مؤسسات دولية رفيعة، منها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، والتي تعتمد عليها واشنطن بشكل رئيسي في تشكيل رؤيتها حيال الاقتصاد الفلسطيني.
ووفقاً لتحليل أبو الروس، هناك ارتباط وثيق بين التحذير الاقتصادي والأثر السياسي المتوقع، لافتاً إلى أن التقارير الدولية التي تتابع الوضع منذ السابع من أكتوبر، تؤكد على ازدياد التهديد بانهيار المنظومة الاقتصادية الفلسطينية.
وأشار أبو الروس إلى أن هناك خشية من أن أي انهيار في الاقتصاد الفلسطيني من شأنه أن يزيد من حدة التوتر في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يُهدد بخلق حالة من “التدهور الأمني”، وهو السيناريو الذي لا ترغب الولايات المتحدة ولا إسرائيل في رؤيته يتحقق، نظراً لما قد يجلبه من تداعيات أمنية غير محمودة.
وفي هذا السياق، يرى أبو الروس أن التحذيرات الأمريكية تتسم بالجدية، وأنها موجهة بشكل أساسي للحكومة الإسرائيلية لتأخذ الإجراءات المناسبة.
إسرائيل تدرك خطورة الوضع الاقتصادي الفلسطيني
وأشار أبو الروس إلى أن إسرائيل تدرك جيداً خطورة الوضع الاقتصادي الفلسطيني، ويتضح ذلك من تعاملها المستمر مع ملف المقاصة المالية للسلطة الفلسطينية، حيث تقوم إسرائيل إما بتحويل مستحقات المقاصة بشكل متقطع أو سحب الفائض من عملة الشيكل.
ونوه أبو الروس إلى أن هذه التحركات بأنها تعكس إدراك الحكومة الإسرائيلية لتبعات انهيار الاقتصاد الفلسطيني على أمنها واستقرارها حتى الاقتصادي، خاصة أن السوق الفلسطينية تعد ثالث أكبر سوق للمنتجات الإسرائيلية، وبالتالي فإن أي خلل اقتصادي لدى الفلسطينيين سينعكس سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي أيضاً، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة.
وحول ما إذا كانت الولايات المتحدة جادة في تحذيرها لإسرائيل، أكد أبو الروس على جدية هذا التحذير، مشيراً إلى أن عدة دول، من بينها دول أوروبية وعربية، تشارك الولايات المتحدة هذا القلق، وذلك بسبب الأثر السلبي المحتمل لانهيار الاقتصاد الفلسطيني على الاستقرار الإقليمي.
سياسات اقتصادية عقابية لتحقيق مكتسبات سياسية
ومع ذلك، أشار أبو الروس إلى أن القدرة الفعلية للولايات المتحدة وحلفائها على إجبار إسرائيل، وتحديداً وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، على التراجع عن سياساته العقابية بحق الاقتصاد الفلسطيني، تبقى محدودة حتى الآن، خاصة وأن سموتريتش وحكومة نتنياهو تستخدم سياسات اقتصادية عقابية لتحقيق مكتسبات سياسية من السلطة الفلسطينية.
وأوضح أبو الروس أن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في الإجراءات العقابية الحالية، بل في تراكم هذه الإجراءات عبر سنوات، وهو ما أدى إلى تدهور كبير في الاقتصاد الفلسطيني.
وأكد أبو الروس أن السياسات الإسرائيلية، وخاصة فيما يتعلق بالاقتطاعات من أموال المقاصة، تمثل عبئاً متزايداً على السلطة الفلسطينية، التي باتت في موقف اقتصادي صعب للغاية.
ويرى أبو الروس أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن الوقت الحالي غير مناسب لإجبار إسرائيل على إلغاء هذه الإجراءات، مشيراً إلى أن تل أبيب تدرك جيداً ما تفعله، حيث تستغل العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط سياسي على السلطة الفلسطينية لتقديم تنازلات سياسية أو تغيير مواقفها.
التحذيرات الدولية إعلامية وليست فعلية
وأشار أبو الروس إلى أن التحذيرات الدولية، وعلى الرغم من جديتها، إلا أنها في الغالب تأخذ طابعاً إعلامياً ولا تنعكس فعلياً على أرض الواقع، موضحاً أن الدول الكبرى كانت تستطيع، لو أرادت، إيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة أو التدخل المباشر لإلغاء الإجراءات العقابية، غير أن التحرك الدولي يقتصر حتى الآن على الرسائل الإعلامية دون اتخاذ خطوات عملية لتغيير الوضع القائم، وهو ما يعكس، بحسب أبو الروس، عدم وجود إرادة سياسية حقيقية للضغط على إسرائيل.
وقدم أبو الروس في تحليله بعض الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية لمواجهة التحديات المالية المرتقبة، مؤكداً أن السلطة الفلسطينية في موقف اقتصادي حرج في ظل “الضبابية” التي تحيط بالمشهد السياسي والاقتصادي.
واقترح أبو الروس أن تبدأ السلطة بتفعيل الدبلوماسية الفلسطينية على أعلى المستويات، بهدف تسليط الضوء على الممارسات الإسرائيلية العقابية وحشد الدعم الدولي لموقفها.
وأشار أبو الروس إلى جهود الحكومة الفلسطينية في تطبيق سياسات تقشف وترشيد للإنفاق الحكومي، ولم تعد كافية لوحدها لمواجهة الأزمة المالية.
خطة فلسطينية لمواجهة التحديات
ويرى أبو الروس أن الحكومة الفلسطينية، بقيادة الدكتور محمد مصطفى، وضعت خطة اقتصادية مدتها عامان لمواجهة التحديات المتزايدة، والتي تضمنت السعي للحصول على تمويلات من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج لدعم خزينة السلطة، وقد حققت بعض النجاح في هذا الإطار، وإن كانت هذه المساعدات لا تشكل حلاً طويل الأمد.
وشدد أبو الروس على أن الحل الأمثل يجب أن يبدأ بتحصيل “الحق الفلسطيني” من المستحقات المالية، بدلاً من الاعتماد فقط على المساعدات الخارجية، لأن ذلك يضعف من استقلالية القرار الاقتصادي الفلسطيني.
ويرى أبو الروس أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني يمر بأزمة خطيرة قد تقود إلى انهيار شامل إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة من قِبل المجتمع الدولي، مؤكداً على أن واشنطن وحلفاءها مطالبون بأخذ خطوات عملية تتجاوز التحذيرات الإعلامية، للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء إجراءاتها العقابية ضد الاقتصاد الفلسطيني.
تحذيرات خالية من أدوات الضغط الفعالة
وتعقيباً على التحذيرات الدولية المتكررة حول انهيار الاقتصاد الفلسطيني، قال الصحفي والإعلامي الاقتصادي طلعت علوي: إن هذه التحذيرات لا تعدو كونها مجرد تهديدات تتكرر عند كل تصعيد سياسي، واعتبرها “رسائل سياسية” خالية من أدوات الضغط الفعالة على إسرائيل لتوقف استهدافها للاقتصاد الفلسطيني.
وأشار علوي إلى أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي لطالما أصدر تحذيرات وقرارات تصعيدية، لا يتعامل فقط كوزير مالية، بل يتجاوز ذلك إلى التدخل في القضايا الأمنية والسياسية، مما يعكس دعم الحكومة الإسرائيلية لهذه السياسات التوسعية دون رادع دولي حقيقي.
واعتبر علوي أن هذه التحذيرات الدولية تجاه انهيار الاقتصاد الفلسطيني، تأتي في ظل فشل المجتمع الدولي في التوفيق بين الملفين الاقتصادي والسياسي في فلسطين، ولا تعدو كونها تعبيرًا عن “تخوفات اقتصادية” تعكس قلق المجتمع الدولي من تفاقم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وأكد علوي أن تحذيرات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ليست جديدة، مشيراً إلى أن هذه التحذيرات لم تخرج عن إطارها النظري ولم تترافق مع إجراءات عملية على الأرض، معتبرًا أنها محاولات تهدف إلى “تبييض” الغرب خاصة في فترة الانتخابات الأمريكية، وبعض الحكومات الغربية أمام شعوبها في ظل صعوبة الضغط الفعلي على حكومة نتنياهو المتشددة.
وشدد علوي على ضرورة أن تتجاوز التحذيرات الدولية مجرد “حركات سياسية” وأن تكون هناك إجراءات واضحة ومحددة بزمن للضغط على إسرائيل.
ويرى علوي أن المجتمع الدولي مطالب اليوم بإثبات جديته من خلال أدوات فعلية للضغط على الحكومة الإسرائيلية، وليس مجرد رسائل تحذيرية للاستهلاك الإعلامي.
السلطة الفلسطينية باتت في حالة “شبه انهيار”
وفي توضيحه لأثر هذه السياسات الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، قال علوي إن السلطة الفلسطينية باتت في حالة “شبه انهيار”، وأن تدهور الوضع الاقتصادي لا يقتصر على السلطة وحدها بل يمتد ليشمل مختلف قطاعات المجتمع الفلسطيني.
ويرى علوي أن القيود التي تفرضها إسرائيل على القطاع المصرفي تُعد جزءًا من خطة أوسع تستهدف “خنق” الاقتصاد الفلسطيني بشكل كامل، حيث تفرض بعض البنوك الإسرائيلية قيوداً على التعاملات البنكية مع البنوك الفلسطينية والوافدة.
وأكد علوي أن هذه القيود تضر بقطاعات رئيسية، بدءًا من تحويلات الرواتب والجامعات وصولاً إلى قطاع العقارات والمحروقات، ما يجعل الاقتصاد الفلسطيني بأسره في حالة شلل جزئي.
ولفت علوي إلى أن سياسة إسرائيل الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة تهدف إلى إحداث “شلل اقتصادي” يستهدف الركائز الأساسية للاقتصاد الفلسطيني، من خلال سياسات الخنق المتعمدة في القطاع المصرفي وغيرها من القطاعات الحيوية.
حرب إبادة اقتصادية
وأوضح علوي أن هناك “حرب إبادة اقتصادية” تشنها الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين، تأتي بالتوازي مع العمليات العسكرية في قطاع غزة، حيث تواجه البنية التحتية هناك دماراً شبه كامل علاوة على استهداف الاقتصاد الفلسطيني ككل.
ويرى علوي أن التحذيرات الأمريكية ليست جادة بما يكفي، خاصة وأن إسرائيل تُبقي على “جزء من الحنفية مفتوحاً” لضمان انسياب محدود للأموال في الضفة الغربية، وهو ما يعتبره استراتيجية تهدف إلى “الإبقاء على الأمور تحت السيطرة سياسياً”.
وأكد علوي أن الغرب يدرك تمامًا خطورة الموقف، لكن يكتفي بإصدار بيانات تحذيرية، دون أي خطوات عملية للضغط على الحكومة الإسرائيلية.
واعتبر علوي أن هذه الدول تفتقر إلى الإرادة السياسية والمصداقية للضغط على إسرائيل.
وأوضح علوي أن التحذيرات المستمرة التي تصدرها الهيئات الدولية منذ أكثر من عامين تفتقر إلى الإجراءات الفعلية على الأرض، ما يجعلها عديمة الجدوى في وقف التصعيد الإسرائيلي.
ويرى علوي أن المجتمع الدولي، رغم انضمام عدة دول إلى قائمة الدول المحذرة، لم يفلح حتى الآن في اتخاذ أي خطوات ملموسة للضغط على إسرائيل.
وقال علوي إن قدرة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، إلى جانب وزراء آخرين مثل إيتمار بن غفير، على تنفيذ هذه السياسات دون أي رادع، تعكس قوة نفوذهم داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تعزز من سيطرتهم السياسية.
خيارات السلطة لمواجهة خطر الانهيار الاقتصادي
وأشار علوي إلى أن التوازنات الحزبية داخل إسرائيل تسمح لهم بتنفيذ خططهم السياسية والاقتصادية دون خوف من العقوبات أو الضغوط الخارجية، وهو ما يجعل هذه الحكومة أكثر تعنتاً تجاه أي انتقادات دولية.
أما على صعيد خيارات السلطة الفلسطينية لمواجهة خطر الانهيار الاقتصادي، فقد اعتبر علوي أن الحكومة الفلسطينية الحالية تبذل بعض الجهود لمواجهة هذه الأزمة، لكنها “غير كافية” في ظل حرب اقتصادية واضحة ومعلنة.
وأكد أن السلطة الفلسطينية تفتقر إلى التعاضد والتنسيق الوطني الشامل مع كافة المكونات الفلسطينية، ما يجعلها عاجزة عن مواجهة هذه الحرب الاقتصادية التي تفرضها إسرائيل.
ويرى علوي أن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى استراتيجية موحدة تشمل كافة مكونات الشعب الفلسطيني لمواجهة هذا التحدي، ولكن هذه الجهود يجب أن تكون قوية ومدروسة، بعيداً عن الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية، كما ان الحكومة الفلسطينية بحاجة للتحوط الاقتصادي.
وأوضح علوي أن الاقتصاد الفلسطيني، رغم محدودية حجمه، يمتلك القدرة على التعافي والنهوض، ولكن بشرط أن تكون هناك إرادة سياسية فلسطينية حقيقية لتبني أدوات جديدة لزيادة الإيرادات وتقليص النفقات واشراك الكل الاقتصادي في السياسات والتوجهات.
وأكد علوي أن هناك حاجة لخلق حالة وطنية متكاملة وشاملة، تعتمد على رؤية وحدوية تشمل جميع مكونات الاقتصاد الفلسطيني، وأن تكون مبنية على أسس اقتصادية جديدة قادرة على الصمود في وجه التحديات