في خضم التصعيد الإسرائيلي الذي لم يتوقف عند جبهة دون أخرى، ومع تزايد المحاولات الأمريكية والصهيونية للحديث عن حلول سياسية يروج لها الدبلوماسيون الأمريكيون، يتضح أن الهدف من هذه الجهود هو تحقيق مكاسب لم تستطع إسرائيل تحقيقها في ساحات القتال، ويقف في وجه هذه المحاولات ؛،وحدة قوى المقاومة وإعتماد انجازات الميدان اساسا لاية تسويات .
وحدة الساحات ليست مجرد مفهوم عابر، بل هي استراتيجية تكرست في المواجهة الراهنة وتحدد ملامح المواجهة القادمة، وتعيد تعريف قواعد الاشتباك مع عدو لا يفهم إلا لغة القوة. وفي هذا السياق، يظل المحور في وحدة تكتيكية واستراتيجية متكاملة تعيد رسم الخريطة العسكرية لصالحها.
لقد استطاع محور المقاومة تطوير مفهوم “وحدة الساحات” كاستراتيجية ردع متكاملة تتحدى محاولات التفريق بين جبهات المقاومة ، هذه الرؤية تنطلق من فهم عميق وتجارب سابقة بأن مواجهة العدو لم تنجح في حال التفرد بكل جبهة، بل تتطلب ردًا موحدًا يفرض على العدو مواجهة جبهات مترابطة ، تضطره الى تشتيت قواته وتحول دون تركزها في اتجاه واحد ، فمن غزة إلى جنوب لبنان، وصولًا إلى الضفة وسوريا والعراق واليمن، اصبح مفهوم “وحدة الساحات” العنوان الذي يجمع محور المقاومة، ويثبت أن أي اعتداء على جبهة واحدة يعد استهدافًا لجميع أطراف المحور.
وفي سياق المواجهة الراهنة تلعب الجبهة اللبنانية دورًا مركزيًا في هذه المعادلة، فهي ليست مجرد موقع جغرافي قريب من العدو، بل نقطة انطلاق لمواجهة شاملة تتكامل فيها جميع جبهات المقاومة. هذا التكامل لم يعد خيارًا تكتيكيًا، بل هو جوهر استراتيجية المقاومة؛ فعندما تشتد المواجهة على جبهة، تتقدم أخرى كالسيف المسلط، لتشكل جدارًا منيعًا أمام العدو، يقف عاجزًا أمام هذا التضامن الحديدي.
ولم تكتف المقاومة بالدفاع عن مواقعها فحسب، بل بادرت إلى التحكم بزمام الميدان وتحديد توقيت المعركة ومسارها. ولم يعد الميدان ساحة تنافس فحسب، بل أصبح بوصلة توجه الصراع وفق شروط المقاومة، حيث باتت المبادرة بيدها، تحرك الأحداث متى أرادت، لتبقى الكلمة الأخيرة دائمًا لها. فالميدان، كما تراه المقاومة، ليس ساحة للرد فقط، بل مساحة لصياغة مستقبل المعركة وفقًا لخطط طويلة الأمد تعزز من موقع المقاومة وتجعلها القوة التي تقرر البداية والنهاية.
ومن خلال التزامها بمبدأ وحدة الساحات، تؤكد المقاومة أنها قادرة على فرض توازن قوى يجعل العدو عاجزًا عن استهداف أية جبهة دون دفع الثمن في جبهات أخرى. كلما زاد الضغط على غزة، تجد جبهة لبنان مستعدة للتخفيف عن غزة والعكس، مما يرفع كلفة العدوان ويجعل العدو يعيد حساباته قبل أي تصعيد.
ولم يعد مفهوم وحدة الساحات مجرد تنسيق عسكري، بل أصبح رؤية استراتيجية يتبناها محور المقاومة بكافة مكوناته، إذ دفعت التحديات الراهنة إلى تكامل غير مسبوق بين الجبهات المختلفة، وخلق تحالف عميق يدرك أن المعركة على غزة، مثلاً، هي معركة جميع الأطراف. وهكذا، يتحول محور المقاومة إلى قوة إقليمية موحدة تمتد من البحر المتوسط إلى الخليج العربي، ما يجعل إسرائيل أمام تحالف يتحدى محاولاتها للتفرد بكل جبهة.
والى جانب وحدة الساحات يتقدم الميدان اليوم باعتباره المرجع الحاسم، فالمقاومة تدرك أن من يسيطر على الأرض يملك القدرة على فرض شروطه. ومع إصرار المقاومة على التمسك بالميدان، أصبحت صاحبة الكلمة العليا، وهي قادرة على هزيمة كل محاولات تمرير صفقات ومؤامرات لا تحقق الاهداف التي حددتها المقاومة وتضع قواعد اشتباك جديدة للعدو، وتجعل لكل خطوة تصعيدية عواقب غير متوقعة تتجاوز حدود الجبهة المستهدفة.
هكذا، تتجلى وحدة الساحات كإستراتيجية تتجاوز الرد المباشر على العدوان، إلى خلق توازن قوى جديد يحكمه منطق المقاومة وقدرتها على فرض رؤيتها في الميدان. وفي ظل هذه المعادلة، يصبح العدو في موقع رد الفعل، متخبطًا في قراراته، وعاجزًا عن فرض إرادته. أما المقاومة، فتواصل تعزيز مكانتها وقدرتها على توجيه الأحداث، مؤكدة أن ما بدأته بإرادتها ستختمه أيضًا بقرارها، لترسم نهاية معركة لم يكن فيها للعدو سوى أن يتراجع أمام صمود الجبهات المتحدة، التي اختارت معًا مواجهة العدوان، وإعادة صياغة مفهوم النصر على أرضها بشروطها هي. بينما يترقب العدو نهاية المعركة، تؤكد المقاومة أن قرار النهاية لن يكون إلا بيد من يسيطر على الأرض ويرسم خطوطها، ولعل سماحة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله حين أعلن أن زمن الهزائم قد ولى كان في تعبيره هذا يكرس أداة لهذا الصمود من خلال تكريس مفهوم وخيار وحدة الساحات واعتبارات الميدان.