اطلس:كثيراً ما وُصفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بأنها (بيت اللاجئين المعنوي) لما تجسده، بتشكيلها في العام 1949 من عنوان للاجئين، وبالتالي بتصرف ما، عنوان لحق العودة. أحدهم ذهب لحد اعتبارها (جواز سفر) اللاجئين، كان التعبير جميلاً بالفعل، ويختصر رمزية كبيرة للأونروا.
ولأن الأونروا بيت معنوي وجواز سفر فقد اتخذ الكنيست الصهيوني قراراً باعبتارها منظمة إرهابية، ومنع عملها في القدس والضفة والقطاع. ولأنها كذلك، فهو يريد لا شطب القيمة المعنوية والرمزية للوكالة ارتباطاً بحق العودة، بل غير ذلك، فهو يسعى لخلق إشكالية جدية نتيجة توقف الخدمات التي تقدمها، رغم تراجع تلك الخدمات القياسي في العقود الأخيرة، تراجع لا يمكن تفسيرة إلا بنية شطبها أصلاً ، وما فعلته دولة الإبادة سوى تنفيذ هذا التوجه بتشريع رسمي.
لا يمكن الاستهانة بتداعيات توقف خدمات الوكالة لأكثر من 2.5 مليون لاجيء في الضفة، وبضمنها القدس والقطاع، خدمات التعليم حتى الصف التاسع، والخدمات الصحية والإغاثة على اختلاف أنواعها في القطاع في ظل حرب الإبادة، كما تداعياتها على انتهاء عمل موظفيها، أؤلئك الموظفون الذين قدّموا في القطاع 220 شهيداً بفعل الإجرام الصهيوني.
لقد أثار قرار الكنيست الصهيوني العديد من المواقف والتوجهات التي يتوجب الوقوف عندها. أولها، ذلك الموقف، المتمترس في حدود الكلام المتضامن من لازريني وغوتيريتش، والعديد من المسؤولين الأممين، علماً أن قرارهم بسحب عمل الوكالة من شمال القطاع في الأيام الأولى لحرب الإبادة يثير الكثير من التساؤلات، أما بعد صدور التشريع فلم يعد أمام غوتيريتش ولازاريني سوى تبني الموقف الوحيد المطلوب كمثثلين لمؤسسة أممية هي الأمم المتحدة التي تتبعها الأونروا، وهو موقف المطالبة العلنية من الدول بشطب عضوية دولة الإبادة من الأمم المتحدة. وهذا ما لم يفعلاه.
وهذا يقودنا للقضية الثانية. كل مواقف الإمبرياليات الأوروبية والأمريكية لم يتجاوز حدود الموقف الكلامي المندد، فيما هم، وبالذات الموقف الأمريكي، عمل منذ سنوات طويلة على تجفيف موارد الوكالة باعتبار أمريكا الممول الأكبر لأعمالها، وكانت النية واضحة للمتابعين: التجفيف وصولاً لانهيار الوكالة، ولولا عمليات الإنقاذ السنوية، وبصعوبة، لكانت مراسم دفن الوكالة تمت منذ سنوات. وعليه، فليست تلك الإمبرياليات، وخاصة الإمبريالية الأمريكية، ببريئة من التمهيد لقرار الكنيست، فيما يمكن ملاحظة أنها استعدت له بهدوء بتقديم الدعم لمؤسسات دولية لتقديم بعض الخدمات، عوضاً عن الوكالة، ومنذ فترة ليست بقصيرة، وقبل صدور التشريع، ما يشي بأنها على خط التنسيق مع دولة الإبادة وقبل صدور التشريع بشهور، دعماً أرادت به التخفيف قليلاً من تداعيات التشريع خوفاً من انفجارات لا تريدها في اللحظة.
ولما تقوم دولة عضو في الأمم المتحدة، باعتبار مؤسسة من مؤسساتها، منظمة إرهابية، فماذا تبقى من مبرر للإبقاء على عضويتها في المؤسسة الدولية. سجل دولة الإبادة في إدارة الظهر بطريقة وقحة لقرارات الامم المتحدة، وصولاً لتمزيق ميثاقها، وحتى التشريع الأخير، نقول سجلها حافل، ما يجعل من وصفها بدولة مارقة وصف لا يصل لحد التعبير الدقيق عن سلوكها. إنها تتصرف كعصابة.
ومع ذلك لم تعلن دولة عربية واحدة صراحة، ولا دولة أوروبية ولا أمريكية بالتأكيد، موقفاً يدعو لشطب عضوية دولة الإبادة في الأمم المتحدة. لم يسعَ أحد جدياً لتكتيل موقف دولي يدفع بهذا الاتجاه. لقد بات تطاول دولة الإبادة على المجتمع الدولي يثير فعلاً الكثير من الأسئلة، حول طبيعة مكانة تلك الدولة وعلاقتها مع المجتمع الدولي. تتصرف بخاوة وزعرنة تليق بالعصابات، ومع ذلك يتقبل المجتمع الدولي ذلك صاغراً، وكأن فاشية وعنصرية وزعرنة تلك الدولة قدر لا يمكن الفكاك منه ولا رده. للمرة الألف لا يمكن التعويل على هكذا مجتمع دولي عاجز بل ومتواطئ.
ورغم هذا الهجوم الإمبريالي والصهيوني على الوكالة وخدماتها للاجئين، إلا أن هذا كله لا يقرر في حق الشعب الفلسطيني بعودته لوطنه. حق العودة حق تاريخي مدعوم بقرار دولي ولا يسقط بالتقادم، ولا يسقطه لا تشريع كنيست ولا موقف أوروبي متهاون، ولا تآمر أمريكي على التمويل، فهو، كحق تاريخي، مرتبط بنضال الشعب الفلسطيني لا بغيره.
منذ العام 1948، نشوء قضية اللاجئين بفعل التهجير والتطهير العرقي، فشلت كل محاولات قبر حق العودة عبر التوطين. عشرات المشاريع توالت منذ العام 1949 من الأمريكيين والأوروبيين، سياسيين ومراكز أبحاث، هدفها كان تحديداً توطين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم وشطب حقهم بالعودة، وحتى وقت قريب، أي ما بعد الألفية الثانية، ترددت أصداء توجهات أمريكية/ خليجية، وبترتيبات مع دولة الإبادة، لتشجيع لاجئي لبنان وسوريا تحديداً، على الهجرة لبلدان لا زالت تطلب الوافدين مثل استراليا وكندا، مقابل مغريات مالية لكل عائلة، وما نجح ذلك نتيجة الرفض القاطع للاجئين والتمسك القوي بحق العودة.
ينبغي ملاحظة التالي: رغم تراجع مكانة القضية الوطنية بفعل أوسلو، ورغم تفكك علاقة منظمة التحرير بفلسطينيي الشتات نتيجة ترهل مؤسسات المنظمة حتى التفكك، ورغم كل ثقافة الخلاص الفردي التي حفزها أوسلو على جبهة الثقافة، إلا أن تمسك اللاجئين وشعبنا عموماً بحق العودة لم يتأثر، بل على العكس، نشأت مبادرات شعبية عديدة في دول العالم من قبل فلسطينيي الشتات للتأطر والتوحد والعمل المشترك كآليات مطلوبة للحفاظ على حق العودة في الثقافة اليومية للفلسطيني، وللنضال التعبوي والجماهيري اليومي في بلدان الشتات.
أما معركة الطوفان فقد أكدت، من ضمن ما أكدته، ممكنات الانتصار التاريخي على المشروع الصهيوني، وعززت من جديد من مكانة القضية الوطنية عالمياً، وطرحت على الطاولة ضرورة إيجاد حل لها، بغض النظر عن طبيعته أو والموقف منه، وكل ذلك عزز بالضرورة من مكانة حق العودة كحق لا يمكن المساومة عليه.
بالتأكيد سيضر التشريع الإسرائيلي بخدمات الوكالة ما يخلق ظروفاً معيشية صعبة، وفي القطاع يمكن وصفها بالكارثية، ولكن لا يسارعن أحد بالاستنتاج بأن هذا التشريع يقضي على حق العودة، فهذا الحق موضوع نضال تاريخي لا يؤثر عليه تشريع كنيست.