زينب الغنيمي تكتبمن غزة: جباليا وبيت لاهيا تحت المقصلة وغزة تنوء بحملها نتيجة الاستهداف والعطش والجوع

تمرّ الأيام تباعًا وقطاع غزة ما زال يقبع بين رحى العدوان الصهيوني دون توقّف، ولا أحد لديه قدرة على التكهّن متى سيتوقّف كُلّ هذا الظلم. القتل مستمرٌّ كُل يوم٬ حيث يسقط العشرات والمئات من الضحايا الذين لا نكاد نلاحق عدّهم مع من سبقهم من عشرات الألوف من الشهداء والشهيدات. كما يتواصل التهجير القسري للمواطنين والمواطنات لتتكرّر مشاهد نكبة عام 1948، وزيادةً على ذلك يستمرّ الحصار والتجويع وتدمير البنى التحتية، بحيث أصبحت غزة غير مرئية المعالم: مُظلمةً بلا كهرباء، عطشى بلا ماء، وسماؤها غضبى مُشوّهة بطائرات قاتلة وتضج بطنين الزنانات.

منذ عامٍ كامل تحاول مدينة غزة النهوض لتنفض عنها آثار الدمار، لكن تبعات هذا العدوان المكثّف في الشمال تزيد على حملها ثقلًا٬ حيث يتكدّس فيها جمهورٌ كبيرٌ من النازحات والنازحين، مُنكشفون بين السماء والطارق في الطرقات أو داخل الحواصل التي كانت فيما مضى محلاتٍ تجارية، أو في المدارس أو في منازل عارية بلا أبواب أو شبابيك، يستولي عليهم الخوف والرعب من النزوح التالي دون وجهة، أو من فقد مزيدٍ من الأحبة في المرة التالية، ومن أنهم لن يتمكّنوا حتى من تكفينهم ودفنهم في مقبرة، والخوف من الاعتياد على ابتلاع مرارة الفقد دون ذرف الدموع.

وكي لا ننسى، كان شهر نوفمبر دومًا وتحديدًا بدايته شهر النكبة الحقيقية٬ فمنذ ما يزيد على قرن من الزمان بعدّة سنوات، كان وعد بلفور البريطاني في الثاني من نوفمبر 1917 بمنح فلسطين للحركة الصهيونية لتُقيم عليها دولة إسرائيل. وحقق بلفور وعده باغتصاب الأرض بالقوة فكان التهجير القسري للشعب، والمآسي المتتالية منذ ذلك التاريخ على يد الصهاينة النازيين وداعميهم٬ والتي لا تتوقف حتى يومنا هذا.

إنّ ذلك التاريخ يذكرنا بأننا أمام عدوٍّ شرس، تُحرّكه غريزة الحرص على فريسته التي استولى عليها بالقوة والظلم وانتهكها٬ بل كُلّما شعر بالخطر يزداد شراسةً وتوحشًا يومًا بعد يوم، خصوصًا أنه يتلقى الدعم العسكري والمادي والمعنوي من دول الاستعمار العالمي وزبانيته في العالم العربي.

على الرغم من أنّ تغيير هذا الواقع ليس بالأمر السهل، خاصّةً بعد أن امتد العدوان إلى لبنان، إلّا أنّ احتمال الدخول في مفاوضات لوقف هذه الحرب الملتهبة والإبادة في المنطقة مايزال مُمكنًا، ومازالت آمال شعبنا قويةً بانكفاء هذا العدوان وانتهائه.

 

زينب الغنيمي من مدينة غزة تحت القصف والحصار

عن Atlas

شاهد أيضاً

منتصر حمدان يكتب : صحة الصحفيين النفسية

حينما كان يثار في وقت سابق موضوع السلامة النفسية للصحفيين، كان الاغلبية يتعاملون مع ذلك …