اطلس:كتب د.احمد رفيق عوض : يقولون انه تاجر يحب الصفقات ويكره الحروب، و يقوم إنه غير متوقع ، وانه سيكون متحررا من الضغوط الصهيونية وان هذا قد يسهل عليه فرض تسوية على الجميع، ويقولون انه نرجسي وعصبي وعدواني وبالتالي سيصنع مجده بطريقته، واضافوا ايضا انه حظي باصوات العرب والمسلمين وانه لذلك سيجاملهم بطريقة او بأخرى، و قالوا ايضا انه يعود مره ثانية اكثر خبرة واعمق تجربة، وقد يكون لهؤلاء بعض العذر او بعض الفهم، فقد بلغ بنا الضعف والعجز والخور الى درجة ان ننتظر الحلول من صانع الازمات، وان نرجو العون من اعدائنا واصدقاء اعدائنا، فصار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية اشبه بمن ياتي ومعه جبل من طعام وجبل من نار، بين يديه ثواب وعذاب، بحيث تتعلق القلوب والابصار به ترجو عطفه وتتجنب غضبه، حتى ان المذيعة العربية سألته عن حفيده نصف العربي فتعطف الرجل وقال ان العرب اذكياء .. شكرا لله سبحانه وتعالى، فهذا الوصف ينسف اكثر من 70 سنه من الحاح استوديوهات هوليود بان العرب اغبياء ولا يستاهلون ما هم فيه من نفط وشفط .
وترامب تاجر حقا ومفاجئ ونرجسي ويتجاوز المؤسسة الرسمية ويحاول ان يقدم مضمونا جديدا للادارة والمجتمع ولدور الولايات المتحدة الجديد، وهو يعمل من اجل امبريالية جديدة عنيفة وعدوانية اكثر تدقيقا وانانية وانعزالا، تعيد تشكيل ذاتها لتقليل الخسائر الى حد كبير، امبريالية تسعى الى استعادة القوة والنفوذ من خلال عمليات الاحتواء والمصالح المشتركة والصفقات المربحة .
امبريالية مبادرة وسريعة وحاسمة ولكنها عدوانية الى ابعد حدود العدوانية، امبريالية الشركات والبنوك والتكنولوجيا الفائقة، التي لا تعترف كثيرا بالخصوصيات والاحلام القومية و الثقافية، ولهذا فهي امبريالية تتحالف فيها نخب المال مع نخب السياسة التي ترى في العالم مجرد ملعب جولف تتحرك فيه كما تريد لا تردعها حدود او جماعات او قانون .
ترامب بهذا المعنى يحيط نفسه بشخصيات تعكس ذلك كله و اكثر، شخصيات تدعي التطهرية الدينية والحماسة الالهية وانهم رسل السماء تقع على اكتافهم تحقيق النبوءات وتجسيد كل البشارات، شخصيات لا تمتلك من الخبرة الا انهم يعشقون اسرائيل وان اسرائيل تعشقهم، وانهم متطرفون في حبها ومستعدون لفعل كل شيء من اجلها، وانهم اعداء للشعب الفلسطيني ولحقوقه وتاريخه ووجوده ونضاله، وهم بذلك ضد القانون الدولي و ضد كل ما صدر عن الهيئات الدولية بما يتعلق بهذا الصراع، وهم ضد كل المبادرات والاقتراحات حتى تلك التي اطلقها رؤساء امريكيون سابقون، وهم ضد المزاج الشعبي العالمي، وضد الواقع وضد التاريخ وضد حتى الدين الذي يدعون انهم يؤمنون به .
هذا التطرف الذي ياتي به ترامب من خلال ادارته الجديدة الثانيه خطير جدا ليس علينا فقط وانما حتى على الاسرائيليين وكيانهم كما قال احد كتابهم.
التطرف الذي يتجلى في هذه التعيينات وفي هذه الادارة يوضح لنا ان ترامب يعود الى البيت الابيض مره ثانية وهو اكثر وضوحا في رؤيته المعادية للشعب الفلسطيني واكثر انحيازا للرؤية المشيحانية الصهيونية، ولهذا احتفل المستوطنون وبعض السياسيين الاسرائيليين بانتصار ترامب واخذوا يتحدثون علنا عن ضم الضفة الغربية الى السيادة الاسرائيلية.
ان التعيينات الجديدة تعكس ان ترامب ياتي لاعطاء اسرائيل كل ما حلمت به على ما يبدو، فلماذا نتوقع ان رجلا في السبعينيات مثله سيتغير؟! ولماذا نتوقع ان يتغير وهو ياتي من خلفيه انجليكانية متطرفة، وهو يعبر عن جماعات التطرف الديني والاثني والطبقي، ولماذا نتوقع ان يتغير وهو ممول من لوبيات صهيونية يهودية بالغة التأثير ؟! ولماذا نتوقع ان يتغير دون ان يكون هناك من يضغط عليه من عرب ومسلمين؟!
لا داعي للاوهام حول هذا الرئيس؟! والاجدر والافضل ان نستعد منذ الان للتعامل مع ما قد تحمل هذه الادارة من خطط قديمة وجديدة ،ليس اخطرها ضم الضفة الغربية المحتلة واسقاط الحل التسووي وتغيب السلطة الوطنية الفلسطينية وتفكيك الشعب الفلسطيني ديموغرافيا وسياسيا.
ترامب ياتي محاطا بشخصيات لا ترانا ولا تعترف بنا، واذا لم نستعد لامثال هؤلاء، فان الاسوأ قادم ولا حول ولا قوة الا بالله .