زينب الغنيمي تكتب من غزة.. الناس في قطاع غزة وويلات الشتاء والمطر

اطلس:للسنة الثانية على التوالي يأتي الشتاء وقطاع غزة يغرق تحت نير العدوان الصهيوني، لنقول مرّةً أخرى أن هذا المطر لم يعد نعمةً بل نقمةً على الشعب المحاصر هنا. فما بين الأمس البعيد، أي قبل ما يزيد عن العام، وحتى بدء العدوان الصهيوني في أكتوبر 2023، بَونٌ شاسعٌ في العلاقة مع فصل الشتاء.

كنّا نفرح سابقًا مع سقوط زخّات المطر الأولى، اليوم نتوجّس خيفةً بمجرّد أن نلحظ في السماء غيمةً سوداء تحمل المطر. بالأمس كان الأطفال يلعبون تحت المطر ويتراشقون بالرذاذ النقي، اليوم يرتجف من تبقّى منهم أحياءً وهم لا يملكون الملابس الدافئة أو جدارنًا تقيهم من البرد، يبيتون في العراء وخيامهم تغرق بالمياه، بعد أن دمّرت الصواريخ والقنابل الصهيوأمريكية بيوتهم وفقدوا ممتلكاتهم تحت الأنقاض مع الكثير من أفراد أُسرهم.

بالأمس كان الناس على أُهبة الاستعداد للتحضير لموسم المطر، حيث كانت الأسواق تعجّ بالنساء والرجال لشراء الملابس الدافئة، واستكمال النقص في سجّاد الأرضيات، وتصليح أجهزة التدفئة، وشراء المواد التموينية اللازمة مثل الميرمية والبابونج للمشروبات الدافئة، والعدس والشعيرية والمفتول وغيرها للطبخات الشتوية، وغير ذلك من التحضيرات فرحًا باستقبال موسم الشتاء. اليوم يعمّ الحزن والقلق على الناس بسبب الحصار الذي تفرضه حكومة الحرب الصهيونية، حيث تنقطع معظم تلك الاحتياجات عن الأسواق، وإن توفّر شيءٌ ما يكون باهظ الثمن. كذلك، فإن النازحات والنازحين يعيشون أوضاعًا بائسةً للغاية، حيث لا يوجد لديهم أيّة ملابس دافئة ولا أغطية ولا وسائل تدفئة، ولا حتى قطعًا من الحصير يمكن أن يفترشوها في الخيمة أو في غرفة مركز الإيواء أو في أنصاف البيوت المدمرة التي يقبعون بها.

تقول صديقتي بعد سؤالي عن حالها في اليوم الأول لهطول المطر: “من الزخّة الأولى للمطر غرقت خيمتي
وساعدتني الزميلات والزملاء بأن عالجوا الأمر ووضعوا شادرًا فوق سقف الخيمة”، ثمّ ضحكت ساخرة وقالت: “صار عندي تدفئة مركزية”.

بالأمس القريب، كان المطر يغسل أرصفة الشوارع وجدران المباني من الأتربة، واليوم وبسبب الدمار الذي ألحقه الجيش النازي بأرصفة الشوارع وتجريفها وكذلك بالبنية التحتية، باتت الشوارع تغرق حتى بزخاتٍ قليلة من المطر لاختلاطه بمياه الصرف الصحي. كما تجر المياه أيضًا أكياس القمامة المنتشرة في الأزقّة، عدا عن الوحول التي تُعيق حركة المشاة، والأوساخ التي تتناثر على راكبي الدراجات. بالأمس رأيت أحدهم يمتلؤ معطفه من الخلف برشقاتٍ من الوحول وسألت من كان معي “كيف وصل الوحل حتى قبّة المعطف”، فقال “بسبب عجلات الدراجة”، أي أنّه حتّى وسيلة التنقل الرئيسية اليوم باتت صعبة الاستخدام وقد تؤدي للاتّساخ والانزلاق أكثر من أن تُفيد.

ونتيجةً للدمار الذي لحق بالبنية الاقتصادية في قطاع غزّة، فقد أصبح المورد الرئيسي لسدّ الاحتياجات للأسف هو المساعدات التي تُقدّمها المؤسسات الدولية، والتي لا يمكن أن تُنقذ المليوني نسمة الذين يعيشون في القطاع من هذا الواقع المرير، حيث لا تكفي المعونات الغذائية السكّان، لا كمًّا ولا نوعًا، كما لا تكفي مواد المساعدات الأخرى في سدّ الاحتياجات اللوجستية من الوقود والطاقة والخيام والملابس وغيرها، خاصّةً مع تفشّي العبث بما يصل من المعونات وسرقتها من قبل اللصوص وقُطّاع الطرق المدعومين من الجيش الصهيوني، والذين يقومون ببيعها في الأسواق بأسعارٍ باهظة الثمن.

لا شكّ أنّ استمرار العدوان الصهيوني بكُلّ أشكاله من قتلٍ وتدميرٍ وحصار سوف يُفاقم هذا الواقع نحو الأسوأ، ولكن بالرغم من الفيتو الأمريكي الأخير على القرار الذي يطالب بوقف العدوان على قطاع غزة، إلّا أنّ الشعب لديه أملٌ في وقف هذا العدوان، وأن يكون ذلك قبل انتهاء فصل الشتاء كي يتمكّن الناس من السير قدمًا لبناء حياة أفضل.

زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار

عن Atlas

شاهد أيضاً

زاهر أبو حمدة يكتب : النار في المركبات

اطلس: أيار 2021، حشد جيش الاحتلال 200 ألف جندي عند الحدود مع لبنان، تحت عنوان …