‏ عمر عساف يكتب : أي تضامن بمستوى التحديات

اطلس:حين تمتد المعاناة لقرن ونيف من الزمن، وحين تتعمق الالام والجراح سنة بعد اخرى وحين تتراجع الآمال ليحل اليأس تنخفض التوقعات بالتضامن أو لعلها تغدو تحت سقف الواقع والإمكانيات، وحين يتكثّف كل هذا جراء تاريخ يمتد لعقود عدة، يتساءل المرء لماذا الإلحاح؟ ألا تكفي سلسلة من تجارب الخيبات المتتالية؟ وهل بعد الإبادة الجماعية من جرائم تحرك مشاعر وضمائر ماتت او تكاد؟ وما المعطيات المطلوب توفرها اكثر مما هو كائن كي يرتقي العالم إلى مستوى القيم التي اعتمدها لإقناع الشعوب بحد أدنى من العدالة؟ العدالة التي تتصل بأدنى مستوى من البشر؟ لم نتحدث ولن نتحدث عن المساواة بين الشعوب لأن دون البشرية وهذا الهدف طريق طويل وربما عقود او قرون من التضحيات والدماء والنار والمعاناة .

‏حين تم إحراق الطيار الأردني المرحوم منذر الكساسبة على يد داعش قامت الدنيا ولم تقعد – وهي على حق- مع أنه طيار عسكري سقطت طائرته في ساحة القتال، أما حين أحرقت خيام غزة خلال اكتوبر٢٠٢٤ بمن فيها من أطفال ونساء ورجال مهجرين منبيوتهم و مناطقهم احترقوا امام مرآى العالم لم يتصدرالخبر وسائل الإعلام الغربية الكبرى لأن المحترقين أطفال ونساء غزة وحارقهم داعش القرن الحادي والعشرين، الوحش البشري وحاميه امبراطورية الشر الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت “قيمها وحضارتها ” على جماجم عشرات الملايين من سكان البلاد الأصليين”.

كنت أسمع قبل ايام قليلة  عن 1000 يوم من الحرب الاوكرانية الروسية وعن “جريمة العصر الأكبر”  بعد الحرب العالمية الثانية وهي مصرع  11,000 مدني خلال 1000 يوم من القتال، ماذا  يمكن القول ؟ وماذا يقول العالم إذا عرفنا انه خلال ثلث هذه المدة سقط أربعة أضعاف هذا العدد 44 ألف فلسطيني في غزة وحدها، دون الضفة ولبنان، والواقع هو خمسة او ستة أضعاف حيث ما زال تحت الأنقاض عشرات الآلاف .

وحين يُهجر المُهجر من أرضه وبيته  مرات عدة تصل إلى 10 مرات للبعض تحت النار وحين يتم تجويع الأطفال والنساء حتى الموت بالمعنى الحرفي للكلمة حتى الموت إلى جانب القتل اليومي، وحين تدمر المشافي كلها وتخرج عن الخدمة  ويبقى المرضى والجرحى أطفالاً ونساءً وشيوخاً دون علاج والمشافي دون كهرباء وحين يتعرض آلاف الأسرى للتجويع والتنكيل اليومي والحرمان من أبسط الحقوق التي ضمنتها المواثيق الدولية إنسانية أو سماوية، لنتصور أن يتعرض إنسان للاغتصاب من قبل حيوان امام أعين حيوانات بشرية وهذا كله موثق دون اية مبالغة، ولنتصور جميعاً أن يستند الغزاة إلى أساطير لا صلة لها بحقائق التاريخ ومضى عليها آلاف السنين، ففي سفر التثنية الإصحاح ٢١ الاية ٣٤” وتغرب إبراهيم في بلاد الفلسطينيين اياماً كثيرة ” اي ان بلاد الفلسطينيين كانت لأصحابها قبل إبراهيم كما تفيد كل الدراسات الأثرية والأنثربولوجية إلى ان معظم يهود العالم من أصول خزرية في  منطقة بحر قزوين وان فحوص DNA تشير الى ان ١٢٪؜ من اليهود  لهم  أصول سامية في حين تصل هذه النسبة إلى ٨٠٪؜ عند الفلسطينيين، هذه الأساطير يستندون إليها لتسويغ القتل والتنكيل والإستيلاء ومصادرة الأرض وطرد أصحابها الأصليين بقوة السلاح .

في ظل هذا كله الأبحاث لنا ان نستحلف العالم بضمائره – ان وجدت- وإنسانيته- ان لم تمت- بعد كل هذا ماذا يتبقى من معنى للتضامن؟ إلا تعود جذور هذا التضامن  إلى حث الشعب على القبول  بـ 45% من ارض وطنه قبل 77 عاما؟

اجاب بن غوريون من عارض التقسيم قائلاً “لن يفر النقب” وها هو النقب!!!  ومع انه لم يفر إلا ان سكانه الأصليين يطردون وتهدم قراهم، بعضها أكثر من 100 مرة، هذا بعض من الواقع، وحتى أولئك الذين ركضوا وراء السراب ثلاثة عقود ونيف  بحثاً عن وهم السلام وعن حلول وسط مع من لا يعرف إلا نفيهم، ووضعوا أنفسهم في خدمة الوهم وناصروا شعبهم العداء، فماذا حصلوا بعد هذه العقود الثلاثة؟ مليون مستوطن يحملون السلاح ويلاحقون المواطنين ويحصل الفرد منهم على 18 ضعفاً مما يحصل عليه المواطن الفلسطيني من المياه، وها هي المقدسات تدنس من الحرم الإبراهيمي في الخليل إلى المجد الأقصى على طريق بناء الهيكل المزعوم وانتهاءً باقتحام مسجد بيت صفافا أمس للصلاة فيه، وها هي وكالة الغوث على طريق التصفية والحظر لإخفاء شاهد الجريمة لتهجير الشعب الفلسطيني وانكار حقه في العودة إلى دياره، سيادة تبسط على الأغوار والقدس الكبرى والتجمعات الاستيطانية( غوش عتصيون ومعاليه أدوميم وآرئيل)، بوابات على القرى وفلاحون لا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم لجني محاصيلهم، أراض تصادر كل يوم وآخرها ١٦٠ الف دونم لتوسيع طريق استيطاني رئيس، تحويل التجمعات السكانية الفلسطينية إلى معازل” بانتستونات” منازل وبيوت تهدمتحت حجج وذرائع  مختلفة.
‏ هل لنا ان نتخيل حين يفقد الإنسان الأمن في بيته وعلى أرضه وبين أهله حين يهاجم مستوطنون ويحرقون البيت والأبناء والسيارات من دوما إلى حوارة إلى ترمسعيا والبيرة والمزرعة. ولنا أن نلمس كيف تصبح مخيمات الشمال في طولكرم جنين ونور شمس مثل غزة غير صالحة للحياة وكيف يكون جدار الفصل العنصري حاجزاً بين المواطن وأرضه و كيف يعيش آلاف المعتقلين الفلسطينيين في ظروف لا إنسانية فقط لأنهم يطالبون بحرية وطنهم وأن يعيشوا أحراراً فيه مثل شعوب العالم الأخرى . ومن حقك أن تتصور كيف يتنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين يومياً من منطقة لأخرى  في ظل مئات من الحواجز العسكرية الدائمة والمتحركه والتي تحول دون وصولهم إلى عملهم أو بيوتهم .

‏إننا كفلسطينيين، كشعب فلسطيني يراد له أن يتخلى عن حقوقه الوطنية ويوزع على عدد من التجمعات على أرض فلسطين وخارجها نلمس هذه اليقظة الشعبية الضميرية لدى كل شعوب العالم وعلى امتداد المعمورة في الجامعات والشوارع والنقابات كما نلمس اتساع حركة المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية للكيان الغاصب؛ انه الواجب الذي شعر به من صحا ضميره لوقف هذا الظلم الممتد لعقود خلت وهو الذي شكل سبباً وحافزاً لمحكمة العدل الدولية ولمحكمة الجنايات الدولية في قراراتها بشأن فلسطين وفي مواجهة “الابادة  الجماعية” التي تتعرض لها غزة منذ 14 شهراً وهي التي دفعت لجلب بعض مجرمي الحرب الصهاينة إلى العدالة الدولية، ولأن الفلسطينيين طلاب عدل وسلام ويبحثون عن الأصدقاء لا بد ان ينظروا  بكل التقدير والاحترام والثناء لتلك الدول المنعتقة من تاثير الأمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي أعلنت مواقف مبدأية داعمة ومساندة لمقاومة شعبنا وحقه في أرضه وفي المقاومة لتحرير هذه الأرض والخلاص من الاحتلال. لا يمكن إلا ان ينظر الشعب الفلسطيني بكثير من التقدير للمواقف المبدئية لكثير من الدول في امريكا اللاتينية وأفريقيا التي كان لها ولحكوماتها مواقف مبدأية تستند إلى القيم التي ناضلت من اجلها فرفعت الصوت وتحركت لرفع الظلم عن شعبنا وفي راسها فنزويلا البوليفارية  وكوبا ، ونيكاراغوا  وكولومبيا وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول التي وقفت وتقف إلى جانب  غزة في دفاعها من أجل الحياة روسيا والصين والبرازيل، وفي هذا السياق نتطلع  كفلسطينيين إلى جبهة تحرر موحدة لكل أحرار العالم شعوباً وقوى وأحزاباً ومؤسسات حقوقية وشخصيات فاعلة لرفع صوتها لوقف الجرائم التي يمارسها جيش الاحتلال برعاية ودعم الإمبريالية العالمية وفي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مع ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، التي تزود الاحتلال بالأسلحة لقتل شعبنا وممارسة الإبادة الجماعية بحق شعبنا وشعوب امتنا العربية وواثقون انه لا خيار امام شعنا وحلفائه إلا الصمود والمقاومة وإلحاق الهزيمة بالعدوان  .

ومن اجل ان يكون للتضامن معنى وحتى يكون فاعلاً اعتقد اصدار بيانات ومواقف التضامن ودعم الحقوق لم يعد كافياً، صحيح انه قد يرضي الضمير في حدوده الدنيا وقد يلقي الضوء على هذه المظلومية ولكنه لن يوقف العدوان ولن يوقف الموت اليومي ولا يوقف شلال الدم الجاري ولن يمنع رصاص المستوطنين كما لن يمنع مصادرة الارض وهدم المنازل عوضاً عن انه لن يقدم الشعب الفلسطيني من تحرير ارضه او عودة لاجئيه او تقرير مصيرة .

الخطوات العملية والتضامن الفعلي هو المطلوب الذي يمكن ان يشق طريقاً للضغط على الاحتلال ورعاته لوقف العدوان والخطوات الملموسة في هذا المجال غدت واضحة ومجربة في تاريخ نضال الشعوب من اجل العدالة، صحيح ان انشطة حركة المقاطعة BDS مهمة وتتسع من يوم لاخر شعبيًا ولكن وحتى لا تكون مقصورة على نشاطاتها، ما يكون فاعلاً هو نقل هذا النشاط من الافراد إلى الاتحادات والنقابات والحركات الشبابية والسياسية والأحزاب المناهضة للعدوان والمنادية بالعدالة باتجاه بناء جبهة عالمية موحدة لما احرار العالم تضع في رأس أولوياتها اجبار الحكومات على فرض عقوبات شاملة على كيان الاحتلال في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية ومنع تصدير سلاح القتل والتعامل مع الاحتلال باعتباره احتلالاً غير شرعي وبما يدفع إلى استثناء الشركات الصهيونية من العقود والعطاءات من هذه الدول، والغاء اتفاقات التحرك الحرة او الاتفاقات التفضيلية كتلك الموقعة مع الدول الاوروبية او تجارة السلاح مع الهند والبرازيل والفحم مع كولومبيا وقبل هذا والى جانبه منع السفن التي تنقل الأسلحة إلى دولة الكيان من الرسو في موانئها .
وبالطبع إلى جانب كل هذا عزل كيان الاحتلال في المحافل الدولية كما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتقديم مجرمي الحرب إلى المحاكم الدولية وملاحقة دولة الاحتلال على طريق طردها من الامم المتحدة .

إن تكريس طريق للتضامن الفعلي والعملي مع الشعب الفلسطيني من شأنه ان يشق الطريق نحو تقليص معاناة الشعب الفلسطيني الممتدة منذ  اكثر من قرن على طريق الخلاص والحرية وعلى اعتبار ان قضية فلسطين ليست قضية شعب مضطهد وحسب، لكنها قضية كل احرار العالم الذين لاشك يدركون ان النصر قادم وان كان طريق الحرية معبداً بالتضحيات، فالطغيان كما قال غاندي ” لا يدوم “.

عن Atlas

شاهد أيضاً

زاهر أبو حمدة يكتب : النار في المركبات

اطلس: أيار 2021، حشد جيش الاحتلال 200 ألف جندي عند الحدود مع لبنان، تحت عنوان …