سقوط ورقة الأسد السوقية.. والحياد الغربي الإيجابي

اطلس:كتب: نسيم قبها بعد أقل من اثني عشر يوما لعملية رد العدوان أعلنت المعارضة السورية المسلحة فجر اليوم الأحد الثامن من كانون أول 2024  إسقاط نظام  بشار الأسد على إثر الهزيمة التي ألحقتها فصائل المعارضة المسلحة بجنود النظام الاسدي . حيث دخلت قوات المعارضة دمشق بعد ساعات من دخولها مدينة حمص، وسيطرت على مرافقها الحيوية والسيادية. في حين ذكرت وكالة رويترز نقلًا عن مسؤولين سوريين “رفيعي المستوى” أن الرئيس بشار أسد غادر العاصمة إلى وجهة غير معلومة.
وقد وقعت هذه الأحداث بصورة متسارعة بعد انهيار خطوط الدفاع لجيش النظام وعجز إيران وحزب الله عن مساندته في ظل غياب الغطاء الجوي الروسي. ويرجع هذا التقدم السريع لفصائل المعارضة المسلحة لأسباب متعددة في مقدمتها جاهزية المعارضة التي جرى تسليحها وتأهيلها لهذه المهمة، وتوافقها على هدف إسقاط النظام رغم اختلاف مشاربها الفلسفية وارتباطاتها (الخارجية) . بالإضافة إلى تواطؤ القوى الدولية الغربية وتركيا على هذا الهدف بعد أن استنفد النظام السوري الوظيفي مبرر بقائه بمقتضى مرحلة التطبيع والنهج الإبراهيمي، وتحطيم أذرع ما يسمى بمحور المقاومة في لبنان وغزة والضفة الغربية، وتفكيك ساحات المواجهة وتحييد حزب الله وإشغاله في المعركة السياسية الداخلية المقبلة. وهو الأمر الذي أضعف الموقف الإيراني والروسي وجعل من بشار الأسد ورقة خاسرة لا تُمكن روسيا حتى من مقايضة الولايات المتحدة به؛ لافتقاده للقيمة السوقية السياسية على المستوى السوري الداخلي وعلى المستوى الاستراتيجي.
وفي هذا السياق قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان “إن حلفاء الأسد المتمثلين في إيران وحزب الله وروسيا غير مستعدين لتقديم الدعم الذي حصل عليه في السابق”. ولذلك وكما يبدو آثرت روسيا النأي بالنفس عن النزاع السوري حيث ذكرت وكالة تاس الروسية أن “الروس يقومون بالفعل بإخلاء القاذفات الاستراتيجية من قواعدهم في اللاذقية”. في ظل أولوية الحسم على الجبهة الأوكرانية قبل تسلم ترمب السلطة، وبخاصة مع ظهور بوادر تشي باستعداد أوكرانيا لتقديم تنازلات سيادية ورغبتها بإنهاء الحرب رغم إصرار إدارة بايدن على مواصلة المواجهة مع روسيا، حيث دعا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الإدارة المستقبلية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، إلى اختيار مواجهة روسيا، مهددًا بحدوث “فوضى” إذا لم يحدث ذلك.
ولا شك أن ما جري في سوريا في الأيام الأخيرة وما ظهر من مواقف دولية قد بعث برسالة لأنظمة المنطقة وتصرفوا بمقتضاها. حيث رفضت دول المنطقة إغاثة الرئيس السوري. بينما التقط الإيرانيون الرسالة ونأوا بأنفسهم عن بشار، وعاجلوا بسحب مستشاريهم وأتباعهم من سوريا، وهرعوا لتحصين معاقلهم في العراق عبر تحييد الحكومة العراقية وفصائل الحشد الشعبي عما يجري في سوريا، تحوطًا لتداعيات كرة اللهب على نفوذهم المستهدف في العراق ضمن مخطط محو المقاومة من القاموس السياسي ووعي أهل المنطقة، وتغيير ميزان القوة لصالح المشروع الأميركي الصهيوني الاستعماري الذي يستوجب تصفية قضية فلسطين وتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية.
ومن الواضح أن سقوط نظام بشار الأسد كان نتيجة حتمية لتقهقر المقاومة في لبنان وغزة ومسبّباتها ، ومن شأن هذا السقوط أن يخلط الأوراق ويبدل خارطة التحالفات الإقليمية ويصب في ميزان الولايات المتحدة على صعيد التنافس الجيوسياسي مع روسيا والصين، وتعميق اعتماد أوروبا على حلف الناتو، ويصب كذلك في صالح الكيان الصهيوني على صعيد تبدل موازين القوة في الشرق الأوسط بسبب انحسار ما يسمى بمحور المقاومة وغياب المشروع الحضاري لأهل المنطقة. وهو الأمر الذي يمكن نتنياهو من فرض شروط ملائمة لأجندته في غزة، وفيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى التي يجري الحديث عنها اليوم في ظل الضعف الذي آلت إليه أذرع المقاومة في المنطقة، وفي ظل عجز أهل المنطقة  والأنظمة عن نصرة غزة.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نظام آل الأسد لم يكن في يوم من الأيام مقاومًا للكيان الصهيوني بل كان حارسًا له ، ولم تكن إيران أيضًا في صدد تحرير فلسطين رغم إسنادها لفصائل المقاومة في غزة لاعتبارات نفعية.
وأما نزاع ما يسمى بمحور المقاومة مع الكيان الغاصب فإنما يندرج في إطار التجاذبات والتحالفات ولعبة النفوذ وتوازن القوة والردع. وهو ما أخرج الأحداث عن قواعد التنافس والردع، وقاد أطراف النزاع إلى المواجهة بعد عملية طوفان الأقصى التي عرقلت مسار التطبيع والنهج الإبراهيمي.
صحيح أن روسيا وإيران والقوى المدعومة من قبلها في سوريا قد دخلت لإسناد بشار بموافقة أميركية في سياق مرحلة “الربيع العربي” لمنع انهيار نظام بشار قبل أن ترتب أميركا أوراق المعارضة الوطنية، إلا أن هذه المرحلة قد انتهت والأوضاع تبدلت مع الشروع بالحل الإقليمي والنهج الإبراهيمي والتطبيع الذي اقتضى إبعاد إيران وأذرعها عن التدخل وعرقلة المسار، وهو الأمر الذي دفع إيران إلى إعادة صياغة علاقتها بالولايات المتحدة على أساس التخادم وتثبيت المكاسب، ودفعها أيضًا إلى مجابهة أجندة اليمين الإسرائيلي حفاظًا على مصالحها ومشروعها.
والمعنى أن وجود إيران كان يمثل مصلحة أميركية في المنطقة في فترة الربيع العربي وما قبله، ثم انتهى مبرر حضورها في المشهد السياسي في مرحلة التطبيع والحل الإقليمي والنهج الإبراهيمي. وصارت مستهدفة مع أذرعها وحلفائها السوريين من قبل أميركا و”إسرائيل” لتحجيمها.
وفيما يخص عملية رد العدوان وتداعياتها، فلا بد أولًا وقبل كل شيء أن نرى الواقع كما هو لا كما نشتهي له أن يكون. فقد بدأت العملية بعنوان (رد العدوان) للتغطية على الهدف النهائي وهو إسقاط النظام، وبعد أن تمكنت المعارضة المسلحة من السيطرة على حلب، وبعد تمدد العملية نحو حماة وحمص وتحرك درعا والسويداء، وارتباك إيران ووقوف روسيا على الحياد، أعلن “الجولاني” زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام عبر محطة سي أن أن عن هدف العملية وقال: إن هدف التحالف المعارض في سوريا في نهاية المطاف هو الإطاحة بنظام “بشار الأسد”. بينما نقلت رويترز عن الرئاسة التركية أن “أردوغان أبلغ غوتيريش أن مرحلة جديدة تتم إدارتها بهدوء في سوريا”. وبخاصة وأن عملية رد العدوان التي توسل منها أردوغان تغيير ميزان القوة في سوريا وإجبار النظام السوري على المصالحة، من شأنها أن تحقق غرض إضعاف بشار أو بإسقاطه.
ولا شك أن الحياد الأميركي الغربي والصهيوني “الإيجابي” حيال العملية مدفوع بمصالحهم الاستراتيجية في المنطقة وعلى المستوى الدولي في مواجهة التنافس الصيني والروسي، وعلى المستوى الداخلي لناحية ملفي الهجرة و”الإرهاب”. ولذلك قال مستشار الأمن القومي الأميركي سوليفان: إن إيران وحزب الله وروسيا في وضع ضعيف حاليًّا في مواجهة القوة الإسرائيلية في الشرق الأوسط. وهو ما يعني بالتبعية ضعف روسيا وحليفتها الصين عن مواجهة أميركا في المنطقة باعتبار أن “إسرائيل” كانت وما تزال قاعدة أطلسية متقدمة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية. وهذا بالإضافة إلى ما صرح به قادة الكيان الغاصب تعقيبًا على أحداث سوريا من أنه لن يكون هناك دولة عربية قادرة على تهديد وجود دولة “إسرائيل”.
وأما تداعيات الأحداث برمتها على إيران فمن المتوقع أن تنكفئ على الداخل، وستعمل أميركا على إعادة هيكلة النظام وتقويض تدخل الجيش والمحافظين في السلطة بعد نزع مبرر تدخلهم فيها، وهو مبرر المقاومة والمشروع القومي في المنطقة.
ورغم ابتهاج الناس بسقوط طاغية الشام ورغم شرعية العمل لإزالته غير أن الغرب لن يسمح بتجسيد أهل المنطقة لإرادتهم واختيار أنظمة حياتهم وتحدي إرادته وتعويق مشاريعه وتقديم مصالحهم على مصالحه في سوريا والمنطقة، ولنا عبرة فيما حصل في العراق وليبيا والسودان وباقي حظائر “الربيع العربي”، حيث كان الغرب قد جند العملاء أمثال قادة المجلس الانتقالي العراقي، والمجلس الوطني الانتقالي المؤقت في ليبيا ومجلس السيادة في السودان، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوري. وهذا بالإضافة إلى تسخيره لبعض التنظيمات “الجهادية” للسير في المسارات التي تخدم أجندته وإعداده لبعض الفصائل “الوطنية” الغبية والعميلة والمضبوعين بالثقافة الغربية وذوي التوجهات الإسلامية الميكافيلية لإنتاج أنظمة بديلة تضمن مصالحه.

عن Atlas

شاهد أيضاً

مروان طوباسي يكتب : ارث الواقع العربي بين الأنظمة الأستبدادية وتمدد المشاريع الخارجية.. الحاجة إلى تيار وطني تقدمي ديمقراطي جامع

اطلس:ما تعيشه سوريا اليوم كنموذج عربي هو انعكاس لتعقيدات داخلية مجتمعية وإقليمية ودولية، فمن جهة، …