قبل طرح التساؤلات العديدة حول سقوط النظام، والتي من المهم التمعن والتفكير بالإيجابيات عليها، سؤال مهم يطرح نفسه على اختلاف مواقفنا من النظام، ذلك الموقف الذي ابدآ لم يكن محصوراً بالتأييد أو معارضة النظام. فهل من الممكن حصر الموقف من موضوعة سقوط النظام بين مؤيد ومعارض وفقط؟؟؟
ليس من السهولة ولا العدل، لوضع ما يحدث في سوريا بين اجابة تقليدية والتي هي، نعم او لا، او مؤيد ومعارض. فقبل ذلك هناك اسئلة عديدة تستوجب الإجابة عليها، والتي تأخذنا لتعقيدات وتفسيرات كثيرة، لا تتعلق بسوريا وحدها، بل بالمنطقة العربية بمجملها. والتي من أهمها؛ ما الذي أوصل الأوضاع في سوريا لما هي عليه؟؟ أهو طبيعة النظام، ام دورها وموقعها في مقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة؟؟ فهل كانت سوريا لتصبح مرتعاً لكل ما تم اختراعه من مجموعات مسلحة بأيديولوجيات مضمونها التطرف والتخريب، لو لم تكن رقما صعباً في جبهة المقاومة؟ مجرد الاجابة على هذا التساؤل يفسر الموقف من النظام ويوسع التقسيم الحاصل إلى اكثر من مع او ضد.
فأنا أعتقد أن موقف الغالبية والذي كان مؤيدا لبقاء النظام، ليس من باب تأييده لا لطبيعة ولا لطريقة الحكم في سوريا. فالأمور عندنا في الشرق الأوسط، على مدار تواجد إسرائيل في المنطقة، اصبحت محكومة بمدى التصدي للمشروع الصهيوني في المنطقة، الأمر الذي جعل أغلبيتنا، ومن جميع الأطياف الفكرية، نتنازل عن متطلبات ومواصفات عديدة لما نريده من طبيعة النظام في منطقتنا العربية من تطبيق للديمقراطية ومواثيق حقوق الإنسان على أنواعها، فقد اصبحت إسرائيل هي الكابوس في المنطقة، والموقف منها ومن المقاومة وما يتبع ذلك من مواقف من التسويات في المنطقة وعلى رأسها التطبيع، هو البوصلة للاستقطاب. والمتابع لمسيرة النظام في سوريا سواء اتفقنا معه او عليه، فهو كان يمثل قطبا في محور المقاومة وسدا مهما في وجه ادخال سوريا في اتفاقات التسوية، او حتى فتح ثغرة في جبهة المقاومة، المتركزة في لبنان بشكل رئيسي وجزئيا في العراق.
كما أنه من المحدودية بالنظر للمدافعين عن بقاء النظام في سوريا عبر السنوات التي سبقت الثورة السلمية في سوريا، ووضحت أكثر ما بعد انطلاقها. فالغالبية من هؤلاء المدافعين، كانت مؤيدة لمطالب المتظاهرين الذين نزلوا للشوارع في العام 2011 في المدن السورية. وما من وطني حقيقي كان ليقف ضد ذلك الحراك الذي كان وقوده وقيادته من الشعب السوري الوطني والحريص على شعبه وبلده، ومع التحولات في طبيعة المجموعات التي انتشرت في سوريا، بفعل التدخلات من العديد من الدول الحدودية والغير حدودية، وضعت العديد من الأمور تحت طائلة التهديد، والتي على رأسها، الحفاظ على وحدة سوريا وعدم اختراق جبهة المقاومة، ولهذا كانت التحركات من أطراف عديدة حريصة على عدم انهيار سوريا، انطلاقاً من وحدة الاهداف. المهم أن سوريا لاحقا تحولت لساحة صراع لأطراف، لم يكن موقف المؤيدين للنظام لا لطبيعة تكوينه، ولا لطريقته في الحكم.
واليوم وما بعد سقوط النظام، ودخول سوريا للمجهول، يجعلنا نطرح تساؤلات جديدة قد ترتبط بالتطورات التي حلت بها، ولكن من المهم الإجابة عليها للاستفادة من دروسها لترتيب القادم، ومنعا لأي سيناريو قد يقسم سوريا، بالحدود او بالنزاعات. ومن اهم تلك التساؤلات؛ هل هذا ما يريده الشعب السوري بوعي وقرار، ومن جميع الأطياف؟ وإلى أين تذهب هذه القيادة بسوريا بشعبها بتاريخه وميراثه، وفي أي محور ستضعه؟ وما انعكاس ذلك على محور المقاومة، وتحديدا لبنان وفلسطين؟؟
فمع خارطة التواجد على ارض سوريا، من مجموعات وقوى اجنبية، ومن تمادي إسرائيل في الاجتياحات، والتصريحات من الأطياف السورية باعتراضات على طبيعة النظام القادم، ومما بدأ يخرج للعلن من ممارسات فكرية للجهة التي استلمت الحكم، يجعل من المهم الإجابة على هذا التساؤل، فما هي سكرة وستزول، ولا بد أن تأتي الفكرة. فبالتأكيد فرحة الشعب السوري مبررة وطبيعية، وحقه في تقرير مصيره وتحديد خياراته محترمة، ولكن حتى بضعف النظام، حتى لو كان النظام بالعلن حليفاً للمحور، فوجوده وتحالفاته كانت محافظة على سوريا من الانهيار والتقسيم وحاميه له من أطماع المحيطين والغير محيطين، وما الدعم له إلا خوفا على سوريا، لا رفضا لحق شعب في تقرير مصيره، ولكن متخوفين وقلقين من الطريقة التي تم فيها إسقاط النظام ومن وراءهم، “الخوف من اللي جاي مش زعل على اللي راح”.
وليست فلسطين ومقاومتها بمعزل عن التأثر بما سيحدث في سوريا ولبنان ومستقبل المنطقة، فالخوف كل الخوف، بالاستفراد اكثر وأكثر بغزة، وبمصير الضفة وخارطته المستقبلية…