تتكشف مع خروج كل دفعة من الأسرى المحررين في صفقة التبادل، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فصول جديدة من المعاناة داخل السجون الإسرائيلية، حيث يتعرضون حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج للتنكيل والإهانة والاعتداءات وكأنه تتويج لخمسة عشر شهراً عاشها الأسرى فيما يسميه كثير ممن خرجوا خلال الدفعات الثلاث الماضية بـ”المقابر”.
وحملت الدفعة الأخيرة تفاصيل جديدة رواها أسرى محررون لـ”العربي الجديد” عن المعاناة والتهديدات.
وعانق 110 أسرى الحرية، أمس الخميس، مقابل إطلاق حركة حماس سراح ثلاثة محتجزين إسرائيليين في إطار الدفعة الثالثة من المرحلة الأولى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقال الأسير المحرر قتيبة مسلم، المعتقل منذ عام 2000، إن “الاحتلال استهدف سجن جلبوع بشكل كبير جداً على اعتبار أنه مثل رمزية نفق الحرية”، مشيراً إلى أنه ورغم بلوغه 56 عاماً تعرض للضرب المبرح قرابة 58 مرة خلال الأشهر الماضية موضحاً: “ما تعرضت له ليس ضرباً عادياً في هذه المرات الـ58، إنما ضرب بهدف التكسير”.
ووصف مسلم أوضاع الحركة الأسيرة بأنها “كارثية إلى حد كبير” مشيراً إلى أن ما تشهده السجون لم يره من قبل وهو من اعتقل لأول مرة في عام 1984.
وكما معظم الأسرى المحررين في صفقة التبادل، وجه مسلم، وهو المنتمي لحركة فتح، تحية لغزة وشهدائها، وخص بالذكر محمد الضيف الذي أعلنت كتائب القسام استشهاده خلال عملية تحرير الأسرى، قائلاً: “الرحمة على روح الشهيد القائد البطل المغوار محمد الضيف وكل شهداء غزة والضفة وكل شهداء الشعب الفلسطيني، نحن جميعاً مشروع شهادة وفلسطين لن تنتصر إلا بهذا الدم القاني، ونحن لن نخون الدم”.
ويروي الأسير المحرر هيثم جابر من بلدة حارس قضاء سلفيت، شمال الضفة الغربية، لـ”العربي الجديد” أحداث اللحظات الأخيرة في الأسر التي بدأت عند أخذه هو والأسرى المفرج عنهم، يوم الأربعاء الماضي، بالقوة لحلق شعرهم.
يقول جابر، المعتقل منذ عام 2002، إن “عملية الإفراج كانت مفاجئة وغير متوقعة” لكن إدارة السجون أبلغته بضرورة حلق شعره فرفض.. وأخذوه بالقوة وقاموا بحلق شعره تماماً، واعتبر الرأس الحليق لكل الأسرى المفرج عنهم إلى الضفة الغربية خلال الدفعات السابقة نوعاً من التنكيل كما يقول الأسرى.
وقال جابر إن “السادية لدى الاحتلال استمرت حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج”، مضيفاً أن كلمة “السجون” لم تعد كافية لوصف الأوضاع في سجون الاحتلال فهي أصبحت “مقابر”، حيث “يعيش الأسرى في ظروف صعبة جداً وحتى اللحظات الأخيرة مورست ضد الأسرى أشد أنواع التنكيل والتعذيب وامتهان الكرامة”.
ووصل امتهان الكرامة بحسب جابر لحد معاملة الأسرى كحيوانات، عبر صفهم بطريقة غير لائقة صفاً واحداً وإجبارهم في بعض الأحيان على السير على أطرافهم الأربعة، عدا عن حرمانهم من حقوق أساسية كالمياه “هناك قارورة مياه شرب واحدة مخصصة لكل غرفة على مدار 24 ساعة، ولا مياه طيلة الوقت في دورات المياه ما يحرمنا من قضاء حاجتنا”.
وطالب جابر بالعمل على احترام الإنسانية في السجون، قائلاً: “لا أعرف من أي طينة هؤلاء” في إشارة لسلطات السجون، وناشد جابر كل الشعب الفلسطيني والمفاوض الفلسطيني بالاهتمام حتى اللحظة الأخيرة من مفاوضات مراحل وقف إطلاق النار والتبادل بوضع السجون، وعقد اتفاق لإعادة أوضاعها لما كانت عليه قبل اندلاع الحرب على غزة،
وأضاف جابر: “حتى لو اضطرت المقاومة لإطلاق سراح أحد الأسرى الإسرائيليين مقابل إعادة السجون إلى ما كانت عليه، فإن الأمر يستحق لأن السجون في وضع يرثى له”، كما ناشد الوسطاء القطريين والمصريين وكذلك تركيا الاهتمام بهذه القضية، متوقعاً ألا يعيد الاحتلال أوضاع السجون إلى ما كانت عليه دون أن يكون مجبراً باتفاق.
من جهته، قال الأسير المحرر سامح الشوبكي المحكوم بالمؤبد، إن “وصف الوضع في السجون بالصعب لا يعبر عن حقيقة ما دار خلال الأشهر الـ16 الأخيرة”، ويصف الشوبكي الوضع في السجون بأنه يشبه “قاع البئر”. وعن الترقب عند الأسرى قال الشوبكي إن الأسرى كانوا يتناقلون من زنزانة إلى أخرى الأسماء التي يعتقدون أنها وردت في صفقة التبادل، ورغم شح الأخبار كانوا يسترقون السمع حسب وصفه ويستطيعون إدراك أن مراحل الصفقة يتم تنفيذها فعلاً.
ومع تأخير الاحتلال تحرير الأسرى لعدة ساعات بقرار سياسي، بحجة الاعتراض على مشاهد الإفراج عن الأسرى في غزة، كشف الأسرى المحررون عن إعادتهم إلى السجن لثلاث ساعات قبل نقلهم مرة أخرى إلى الحافلات والإفراج عنهم.
وقال الأسير المحرر وائل النتشة المعتقل منذ عام 2000 والمحكوم بالمؤبد: “لعبوا على أعصابنا، خرجنا للحافلات ثم أعادونا إلى السجن لمدة ثلاث ساعات دون أن نعرف أي معلومة وما السبب، وهذا تسبب بضغط وإرباك لانعدام الثقة بالمحتل. اعتقدنا أنه سيقوم بتوزيعنا على أقسام السجن بعد إيهامنا بوقوع مشاكل كبيرة في التبادل يصعب حلها، ليتبين لاحقاً أنه لعب على الأعصاب فقط”.
ووصف النتشة في حديثه لـ”العربي الجديد” الأسبوع الأخير قبل التحرير بأنه كان مليئاً بالقلق، حيث تم تجميع الأسرى المنوي الإفراج عنهم في سجن عوفر وقد أبلغوا سابقاً بأن موعد الإفراج عنهم هو يوم السبت الماضي. لكن تم حجزهم في سجن عوفر لقرابة أسبوع. ويضيف أن الاستقبال الحاشد أنساه وأنسى الأسرى كل آلام السجن، قائلا: “رؤية حشود أبناء الشعب الفلسطيني في استقبالنا في الشوارع والساحات تنسينا ما مررنا به. ففي الأشهر الـ16 الأخيرة شنت إدارة السجون هجمة شرسة على الأسرى تخللها التجويع والضرب والتنكيل والنوم في البرد وسحب الملابس والأغطية”.
وقال الفتى سيف الدين محمود (17 عاماً) من بلدة الجديدة جنوب جنين شمال الضفة الغربية، بكلمات مقتضبة، إن الأوضاع في السجون سيئة للغاية والمعاناة تطاول كافة الأسرى من مختلف الجوانب، خاصة الاعتداء بالضرب وسوء التغذية، لكنه استدرك قائلاً: “لا أستطيع الإفصاح عن أكثر من ذلك، إذ تم إجباري على توقيع تعهد بعدم الحديث وإلا سيتم إعادة اعتقالي، وتم تحديد موعد لمقابلة مخابرات الاحتلال بعد أسبوع من لحظة الإفراج عني”.