اطلس:لقد أصبح المشهد السياسي الفلسطيني محط سخرية وعبث. يتنقل السياسيون بين العواصم، متخذين من الاجتماعات والمساعي الخارجية واجهات لمشاريع لا تغني ولا تسمن، متجاهلين الواقع الفلسطيني في الداخل، حيث الخطر يتهدد كل جانب من جوانب الوجود الفلسطيني. أكثر من سنة ونصف قد مضت، ولم يشهد الداخل الفلسطيني حتى لقاءً واحدًا يناقش قضاياه الحقيقية في الضفة الغربية، بينما أولئك الذين يفترض بهم قيادة الشارع الفلسطيني، يغرقون في متاهات المؤتمرات الفارغة التي لا علاقة لها بما يدور على الأرض.
في هذه الأجواء المشحونة بالألم، يخرج لنا مؤتمر إصلاح منظمة التحرير، الذي يُعقد في دوحة قطر، تحت رعاية عزمي بشارة. وفي الوقت الذي تجتمع فيه النخب الفلسطينية على بعد كيلومترات من قاعدة “العديد” الأمريكية، يضيع المعنى الحقيقي للمؤتمر الذي يُفترض أن يكون خطوة نحو إصلاح حقيقي داخلي. فكيف لنا أن نصدّق أن الإصلاحات في قضية فلسطين تأتي من قلب دوحة تأتمر بالقرار الأمريكي والإسرائيلي، ولا تُخفي قطر دورها التابع للمصالح الغربية، ولطالما كانت أداة مساومة في منطقة تتقاطع فيها الأجندات الإقليمية والدولية.
مضت أكثر من سنة ونصف من الابادة والعدوان على قطاع غزة والضفة الغربية دون أن يُعقد لقاء واحد حقيقي على الأرض الفلسطينية، في حين يغرق اللاهثون وراء صورة هنا أو هناك في دوامة المؤتمرات المترفة والبعيدة، عوضًا عن أن يكونوا قيادات حقيقية في قلب المعركة التي تواجهها القضية الفلسطينية. يفضلون الخوض في المزايدات والمناورات السياسية التي لا تُنتج إلا المزيد من الضبابية في المشهد الفلسطيني.
ليس في كلامنا هذا تشكيك في ضرورة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، بل هو مطلب شرعي يتفق عليه كل فلسطيني يحرص على وحدة قضيته. لكن الإصلاح لا يمكن أن يتم من الخارج، ولا عبر مؤتمرات تُعقد في دول لا تُمثل سوى مصالحها الخاصة البعيدة عن هموم الفلسطينيين. من المخجل أن نُقدم دعوات للإصلاح من الخاردج، بل من مراكز بعيدة تُدار من قبل جهات تسعى لتوظيف القضية الفلسطينية لصالحها. تلك الدعوات تثير الريبة والشك في النوايا الحقيقية وراءها، وتفتح الباب لتساؤلات عميقة حول ما إن كانت هذه التحركات هي حقًا لصالح القضية الفلسطينية أم لتكريس الفرقة والانقسام.
منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ولا يمكن لأحد أن يختلف حول ذلك. في ظل الهجمات الإسرائيلية التي تهدف إلى إلغاء الهوية الفلسطينية وطمس القضية الفلسطينية، فإن الحفاظ على منظمة التحرير وتقويتها في هذه اللحظات هو أولى الأولويات. أي تقاعس عن ذلك، أو التفريط في التمسك بها، قد يؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط على مواقفنا السياسية، بل على وجودنا ذاته. فإن الموقف السليم في هذه اللحظات الحرجة هو التمسك بمنظمة التحرير و تعزيز موقفها في محاربة محاولات النيل من شرعيتها.
إذا تهاونا في هذه اللحظة الحاسمة، وإذا تنازلنا عن وحدتنا الوطنية، فإن العواقب ستكون وخيمة، ليس فقط على منظمة التحرير ولكن على الوجود الفلسطيني ذاته. لذلك، يتطلب الأمر منا أن نكون أذكى في تعاملنا مع هذه التحركات السياسية، وأن لا نسمح لأحد أن يتاجر بقضيتنا تحت أي مسمى أو ذريعة. الفلسطينيون لا يحتاجون إلى مؤتمرات تستبدل الداخل بالخارج، ولا حلول مكررة، بل يحتاجون إلى عمل حقيقي على الأرض، يؤكد هويتهم ويدافع عن حقوقهم.
إن المرحلة التي نعيشها تتطلب منا وحدة وطنية حقيقية، لا أن نترك أنفسنا ألعوبة في أيدي مشاريع خارجية تزدري الدم الفلسطيني وتستغل التناقضات الداخلية لصالحها. الحفاظ على التكامل الفلسطيني، والتمسك بمنظمة التحرير، هما البوصلة الوحيدة التي يمكن أن تقيّد طموحات الاحتلال وتجعل منا قوة على الساحة الدولية. إذا لم نُدرك أهمية هذه اللحظة الحاسمة، فإننا نكون قد فُتحت أمامنا أبواب الخطر والانقسام. وهذا، كما لا يخفى على أحد، سيكون بداية النهاية لما تبقى من حلم فلسطيني حقيقي.
ولا شك أن هناك مسؤوليات كبيرة تُلقى على عاتق قيادة منظمة التحرير، بلجنتها التنفيذية وهيئاتها، يجب أن تؤدى بأسرع وقت ممكن وبأعلى درجات المسؤولية والجدية. ومن بين أولويات هذه القيادة في هذه اللحظة الحرجة، تأتي الفكرة الأساسية التي يجب أن يتم تنفيذها: حوار وطني شامل يوحد الخطاب الفلسطيني ويجمع شتات الشعب الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير، التي تمثل إرادة الشعب و*حلم الوطن*.
إننا في أمس الحاجة في هذه الظروف الصعبة التي يواجهها شعبنا من إبادة وتهجير و تهميش ومحاولات النيل من الهوية الفلسطينية و القضية الفلسطينية، إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، لنكون قادرين على التصدي لجميع هذه المخاطر التي تهدد وجودنا و مستقبلنا. توحيد الصف الفلسطيني هو المطلب الأول الذي ينبغي أن يحظى بأولوية في هذه المرحلة، لأننا لن نستطيع أن نواجه التحديات الكبرى التي تمر بها قضيتنا إلا إذا كان لدينا وحدة في الرؤية و توافق في الجهود.