الاستيطان الرعوي يبتلع الضفة.. أبو ياسر يغادر “الجبل” بعد 22 عاما

اطلس:كتب فطين عبيد: حملات الاحتلال لطرد بدو ورعاة فلسطين المنتشرين في عدد من مناطق الضفة الغربية، ومصادرة مناطق تواجدهم تزايدت وتيرتها بعد حرب الابادة على غزة.

معظم الرعاة من قبائل الداخل الفلسطيني المحتل بخاصة بئر السبع والنقب أو من مناطق الضفة الغربية وأغلبهم من عرب التعامرة في مدينة الخليل، يرعون مواشيهم في مناطق مفتوحة، كثف الاحتلال من عمليات السيطرة عليها بالقوة.

جولتنا خلال كتابة التقرير شملت التجمعات الرعوية الفلسطينية في منطقة سلفيت والأغوار، حيث يتم طرد الرعاة بسيناريوهات متشابهة، لصالح بؤر استيطانية تتحول لاحقاً لمستوطنات، والمناطق الرعوية التي كانت على امتداد البصر في الوديان والجبال، أصبحت خالية من البشر أو استوطن بها رعاة أغنام من المستوطنين.

تبدأ المضايقات بوصول مستوطنين يقومون بحركات استفزازية ومنها الرقص واستخدام الأبواق المزعجة و”التفحيط” وتحقير الرعاة والتهديد بحرق الخيام، أو يصل جيش الاحتلال أو ممثل للمستوطنين ويبلغ الرعاة رسمياً بالإخلاء لأن المكان منطقة تابعة لدولة الاحتلال وأن الخيام و”البركسات” غير قانونية.

 

أبو ياسر المعروف بـ “السبعاوي” 75 عاما أطل علينا بلكنته وهيبته البدوية، ولبس شتوي مكون من سترة بنية ملتصقة مع، وعلى رأسه غطاء صوفي مقلم يشبه الكوفية، يعيش في جبال قرية فرخة القريبة من محافظة سلفيت طوال الـ 30 عاماً الماضية.

عانى السبعاوي خلال الشهور الماضية من حملة تخويف ومضايقات من المستوطنين، توجت بمصادقة حكومة المستوطنين على مصادرة المكان، ما اضطره لهدم خيامه وحرق بعضها والهرب بعائلته المكونة من 50 شخصاً من الأولاد والأحفاد و800 رأس من الأغنام، الى بيت بناه سابقاً على أطراف القرية، مكون من طابقين وحوله “شوادر” وخيام منصوبة بحبال قوية كثيرة تبيت فيها الأغنام، وأماكن للسهر وشرب النار، أما المدخل فهناك كلب ضخم للحراسة، وطريق مليء بالوحل وروث الأغنام، وأحفاد يلعبون بين بعض المزروعات، المرة الأولى لزيارتنا، أخبرونا أن الجد انطلق لرعي الأغنام في الجبال، والمرة الثانية قابلنا أبو ياسر.

قال: “حاولت التشبث بالجبل لأن الرعي مهنة الآباء والأجداد وحتى الجيل القادم، لا نعرف أي مهنة غير الرعي، فأهلنا انتقلوا من النقب الى منطقة بني نعيم في مدينة الخليل، وينتقلون لأي منطقة يتوفر بها العشب والماء، ومنذ 22 عاما وصلنا هذا الجبل البكر وما يميزه الطبيعة الصامتة والأرض الخصبة التي تسرح فيها الغزلان والطيور”.

ويتابع “نتصالح مع المكان بنصب الخيام وعمل قنوات حولها لتفادي السيول شتاءً والقوارض صيفاً، ونشتري صهاريج الماء والأعلاف، أما العشب فهو بكل أنواعه البرية متوفر طوال العام”.

ويضيف “نهاية العام الماضي أُجبرنا على الرحيل لأن الاحتلال قرر بناء مستوطنة قريبة من المنطقة، فقد تسلمنا إخطارات بالمغادرة مع الأغنام، وهدمنا بعض الخيام ونقلناها لمكان جديد على أطراف قرية فرخة بجانب أرض اشتريناها وبنينا عليها بيت، وأحرقنا بعض الخيام التي يصعب الاستفادة من نقلها.

” أنا وأولادي الخمسة وحتى اخوتي في منطقة الأغوار رأس مالنا الحلال، نتبادل المعلومات دوماً حول المناطق الغنية بالأعشاب والقريبة من الماء”. يضيف أبو ياسر “عشرتنا مع الجبل وزواره طوال 22 عاماً، جعلته كأحد أولادنا، وأهل المنطقة كانوا يأنسوا بوجودنا في الخلاء، كما أن الحلال يرعى بشهية ونفسية مرتاحة، تعودنا نحن البدو على حرية التنقل بين مناطق فلسطين قبل مداهمة المستوطنين والجيش خيامنا” .

ويتابع” الآن الجبل بعد طردنا يخاف زيارته أحد، رهبةً من بطش الاحتلال، بخاصة بعد البدء ببناء مستوطنة، فمن يقترب من المنطقة يطلق عليه الرصاص”،  والغريب أن الاحتلال يطلق رعاته بكل حرية في كثير من مناطق فلسطين، ويقال حسب بعض النشطاء ممن التقيناهم أن هناك مؤسسات استيطانية تزودهم بالأغنام وحتى رواتب للرعي بالمناطق الفلسطينية تمهيداً للاستيلاء عليها.

رعاة الاحتلال الآن منتشرين في كثير من مناطق فلسطين، وتصدرت اعتداءاتهم الأخبار المحلية والعالمية منتصف العام الماضي، حين هاجموا قرية المغير القريبة من رام الله، وهي قرية صغيرة معظم أهلها يعيشون على الزراعة ورعي الحلال.

وصل رعاة الاحتلال المنطقة القريبة من المغير، وبدأت حملة تخويف للرعاة والمزارعين الفلسطينيين، حتى قتل أو توفي أحد رعاة الاحتلال في الجبل وعثر على جثته بعد وفاته بيومين.

نظم المستوطنون حملة انتقام لمعاقبة أهل القرية دون تحري سبب وفاته، حاصرها الجيش من كل أطرافها، واندفع نحوها بعد حملة تحريض شارك بها المئات من المستوطنين الذين، هاجموا أهل القرية ليلاً بالرصاص والهراوات الحديدية، وأحرقوا الكثير من مركبات وبيوت القرية، وسرقوا معظم الأغنام والخراف، ويومها أصيب 75 شخصاً من أهل القرية بالرصاص والتكسير، إضافة لعدد من الشهداء.

قابلنا في القرية راعياً قوي البنية، بالكاد يستطيع الوقوف والتنفس، قال إن عشرات المستوطنين هاجموا البيوت وفتحوا زريبة الأغنام لسرقتها، وحين قاومناهم أصبت بالرصاص في أقدامي ويداي، ورقبتي لا أستطيع تحريكها من هراوات المستوطنين، وأخي أصيب برصاصة في خاصرته وزوجتي رصاصة في كفها.

ويضيف “سرقوا جميع أغنامي وخرافي 120 رأس وحتى الكلب معهم، وفي اليوم التالي انتشر مقطع فيديو بثه الاحتلال أن اغنام المستوطن المقتول عادت للمستوطنة وحدها، وحين دققت بالفيديو رأيت خرافي وأغنامي المسروقة، وليست لمستوطن كما يدعي الاحتلال. ”
ورغم أن المستوطن توفي بلدغة أفعى، تواصلت سرقة مئات الأغنام بالقوة، بمعنى معظم أهل القرية الآن تجردوا من حلالهم، وجالسين بلا عمل على غرار مناطق متفرقة من الضفة تشهد هي كذلك حملة مسعورة ضد رعاة الأغنام الفلسطينيين، بتدمير ممتلكاتهم من صهاريج وخيام بحجة التواجد غير القانوني أو أن الأرض منطقة “سي” وقريبة من المستوطنات.

عن Atlas

شاهد أيضاً

شوكت الراميني يكتب : العرب وترامب: من الشعارات إلى بناء الدولة”

اطلس:نتابع في الجزء الرابع والأخير من مقالنا هذا تسليطَ الضوء على عوامل القوة الناعمة. ورغم …