شوكت الراميني يكتب : العرب وترامب: من الشعارات إلى بناء الدولة”

اطلس:نتابع في الجزء الرابع والأخير من مقالنا هذا تسليطَ الضوء على عوامل القوة الناعمة. ورغم تأثيرها التدريجي وحاجتها إلى الارتباط باستراتيجية طويلة المدى، فإننا لا نبدأ من الصفر في هذه الاستراتيجية وتفعيلها، فالعالم يشهد نماذج مشرفة ومبهرة وواسعة المدى في هذا السياق. لذا، المطلوب رسميًا هنا هو دعم القائم منها وتوسيعه، والحرص على استمراره، والتوازي في استخدام ذلك مع العوامل المباشرة والاستراتيجية الأخرى التي تم الإشارة إليها سابقًا، كل ذلك نحو الدولة، نحو الحرية، مستفيدين من الزلزال الدولي المصاحب للتغيرات في السياسة الأمريكية وحراكها الداخلي، وإعادة تنظيم علاقاتها الخارجية، سعيًا للبقاء في صدارة الهرمية الدولية، ضمن خطة الانسحاب التكتيكي المبدئي الأمريكي من سياسة التصعيد العالمي العنيف، ووقف الاستنزاف المتعاقب للاقتصاد الأمريكي، ومحاولة مكافحة بوابات الفساد الكبيرة فيه، ومعالجة تحدياته الهيكلية، ومنح فرصة لتموضع قوى محركات الاقتصاد الرقمية الحديثة في نظام القيادة التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية، استجابة لتحديات الانتصارات العظيمة التي حققتها الصين والهند في مجال الصناعات التقليدية، وسلاسل التوريد، والأمن الغذائي العالمي، ووضع أقدامها في معمعان الثورة الرقمية المعاصرة، وميدان الذكاء الاصطناعي بفاعلية، وولوج نظام مستقل في غزو الفضاء والصناعات الفضائية.

في هذا السياق، يجب على العرب تحقيق مصالحهم من خلال هذا الحراك الدولي وتموضعاته ومساوماته المرافقة لهذه الحالة، عدا عن المواقف المبدئية التي يجب ممارستها في كل الظروف، وعلى رأس تلك المبادئ إقامة الدولة الفلسطينية، عبر مغادرة الدفاع الإنشائي، ووقف سياسة الصمت والتواطؤ، والعدمية القاتلة في الخطاب والسلوك الرسمي العربي، والانتقال إلى اتخاذ خطوات عملية وحراك إجرائي مبادر في المواجهة السياسية مع الإدارة الأمريكية. وفي هذه اللحظة، يجب مقاومة تصريحات تهجير الفلسطينيين من أرضهم التاريخية، المبتدئة بشعبنا في قطاع غزة وذات القوس والمدى الواسع والمتدحرج، ساعين لإفشالها التام، ولتحقيق أمل شعوب المنطقة والعالم في تحرر الفلسطينيين وممارستهم لحق تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة، لأن ذلك بالضبط عنوان تحررهم هم بالذات، وولوجهم عالمًا أكثر عدالة واستقرارًا.

علينا الاستفادة العاجلة من عوامل القوة المتاحة وإطلاق قاطرتها، تلك العوامل التي تدور بين أصابع العرب وفي أفقهم، تحفيزًا لحراك عالمي جاد، يُمَركز هذا الهدف كقضية تحرر عالمية عاجلة وواجبة التنفيذ، وليس كقضية تفاوضية أبدية، ساعية للتسويف وشراء الزمن، وتفكيك كل قوة مؤثرة قادرة على نقل الهدف إلى الممكن.

فلنحوِّل هذا الجنون الإسرائيلي-الأمريكي الجامح، وتلاوينه المختلفة، إلى فرصة تحرر لفلسطين واستقلالها وبناء دولتها،فلننقل الشعارات الى الدولة ، وإن ذلك ممكن بالفعل . وإليكم إضاءة على أبرز تلك العوامل مدار البحث:
التأثير في الرأي العام الأمريكي :

باتت الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة تشكّل قوة انتخابية متزايدة، مما يتيح لها إمكانية التأثير على مجريات الانتخابات الأمريكية، وبالتالي المساهمة في إعادة تشكيل السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. من خلال ممارسة الضغط على المسؤولين المنتخبين، وتوجيه جهودهم نحو دعم المواقف المؤيدة لانشاء الدولة الفلسطينية واعلان استقلالها، وتعزيز حملات المناصرة المؤثرة لتحقيق هذا الهدف .

إلى جانب ذلك، تبرز منظمات حقوق الإنسان الأمريكية كقوة ضغط متنامية، حيث يمكن توظيف موقفها المتوازن تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في التأثير على توجهات الإدارة الأمريكية. وقد بدأت بعض قطاعات الرأي العام الأمريكي تُظهر ميلاً أكبر نحو مواقف أكثر إنصافًا، وهو ما يمكن تعزيزه عبر الحملات التوعوية التي تسهم في دفع حركات الضغط نحو تبنّي سياسات أكثر عدالة.

تعزيز النفوذ الثقافي والإعلامي:
أصبح للإعلام العربي والإسلامي دور محوري في الغرب، حيث يمكن استثماره لتوعية الرأي العام العالمي، لا سيما في الولايات المتحدة، حول تبعات سياسات التهجير وانعكاساتها على استقرار المنطقة. كما تشكّل الحملات الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أداة فعالة لنشر رسائل مناهضة لممارسات الاحتلال، والترويج لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم ، وعبر دعم شخصيات مؤثرة في العالم العربي والإسلامي والغربي، يمكنها المساهمة في تشكيل رأي عام عالمي أكثر وعياً بالقضية الفلسطينية.

توليد ضغط داخلي عبر اللوبيات السياسية:
يمثل تعزيز دور اللوبي الفلسطيني في الولايات المتحدة، مثل منظمة “جي ستريت” التي تدافع عن الحقوق الفلسطينية، وكذلك اللوبيات العربية والاسلامية واللاتينية الأخرى، خطوة حاسمة للضغط على الكونغرس والإدارة الفيدرالية من أجل تغيير السياسات المتبعة. وبالتوازي مع ذلك، يكتسب التعاون مع منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية في الولايات المتحدة أهمية كبيرة، حيث يمكن لهذه الأطراف أن تؤثر على صنّاع القرار في واشنطن، مما يسهم في إعادة تشكيل الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية.

الضغط عبر القنوات الدولية :
تعد مجموعة الـ77 تحالفًا قويًا يضم دولاً نامية عديدة، بما في ذلك العديد من الدول العربية والإسلامية، ما يمنحها قدرة على ممارسة ضغوط كبيرة في المنتديات الدولية ، ومن شأن تعزيز هذا التحالف وتتوسيع تحالفات اخرى كمجموعة لاهاي ،أن يضاعف الضغط على الولايات المتحدة، خاصة في ظل تزايد التأييد الدولي للحقوق الفلسطينية. كما يمكن للدول العربية أن تستثمر نفوذها داخل المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لتخصيص مساعدات أكبر للفلسطينيين ، مع ضمان استمرار وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في القيام بدورها الطبيعي ، والعمل على عرقلة أي اجراءات تتعارض مع حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.

تعزيز التحولات السياسية داخل الدول العربية :
لتحقيق تأثير أوسع على الساحة الدولية، ينبغي على الدول العربية أن تبرهن على أن القضية الفلسطينية تشكّل أولوية استراتيجية في سياساتها. ويمكن تجسيد ذلك من خلال تعزيز الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والتعاون المشترك في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة، مما يمنح الدول العربية قوة تفاوضية أكبر في المحافل الدولية ، علاوة على ذلك، فإن ترسيخ الحوكمة الرشيدة والشفافية في الدول العربية من شأنه أن يرسّخ صورتها كقوى مسؤولة ومؤثرة، مما يعزز من قدرتها على الضغط السياسي والدبلوماسي على الغرب.

توظيف قوة الثقافة والفنون :
تلعب الثقافة والفنون دوراً هامًا في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، حيث يمكن للأفلام والمسرحيات والكتب والفعاليات الفنية أن تسهم في رفع الوعي العالمي بحقوق الفلسطينيين. كما أن استثمار الشخصيات العامة والدينية المؤثرة من العالم العربي والإسلامي والدولي، في دعم انشاء الدولة الفلسطينية واستقلالها ، ورفض سياسات التهجير، من شأنه أن يعزز التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية.

توسيع دائرة التأثير العربي في المجتمع الدولي :
يعد نشر الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي ومنتديات الأمم المتحدة، وسيلة فعالة لإقناع القوى الكبرى بتغيير مواقفها واتخاذ خطوات أكثر إنصافًا. كما يمكن للدول العربية الضغط عبر المساعدات الإنسانية، من خلال إبراز أن حل القضية الفلسطينية ليس مجرد قضية سياسية، بل عامل أساسي لاستقرار المنطقة بأسرها. فدعم مشاريع إعادة البناء والتنمية في فلسطين وتعزيز صمود السكان في غزة والقدس والضفة الغربية، يفرض واقعًا جديدًا يستدعي تحركات دولية جادة نحو تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة.

الانتصار على الذات :
إن التحدي الجوهري الذي يواجه النظام العربي يكمن في قدرته على تحقيق الانتصار على ذاته، والإدراك بأن المواجهة السياسية الواعية والمباشرة أقل تكلفة وأقصر طريقاً للحفاظ على الحقوق التاريخية لشعوب المنطقة، وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني، ناهيك انه يجب على العرب الاستفادة من النطاق التلاعبي وهوامشه والذي تتيحه علاقات الارتباط بالسياسة الأمريكية ، فهل سيكون الفاعلون العرب على قدر هذه المسؤولية؟ أم أننا سنجد أنفسنا من جديد أمام حلم آخر ووضع آخر، قد يكون أكثر إيلامًا للجميع؟فنذكر لا عدالة ولا حياة للمرتجفين .

عن Atlas

شاهد أيضاً

الاستيطان الرعوي يبتلع الضفة.. أبو ياسر يغادر “الجبل” بعد 22 عاما

اطلس:كتب فطين عبيد: حملات الاحتلال لطرد بدو ورعاة فلسطين المنتشرين في عدد من مناطق الضفة …