سامي مشعشع يكتب : قمة عربية أخرى تهبط لقاع سحيق جديد (حضيضنا الفلسطيني إذ يلاقى حضيضه العربي).

انها قمة لم ترتقى لمستوى التحديات والدماء ولم تقف ندا لمحاولات المحو والإبادة والذلال للعرب  .. القول بانها فشلت ولم ترتقى للتحدى القائم لهو الان من نافل القول. ان كان ما يحصل الان في الضفة المحتلة والقدس المسلوبة وغزة المدمرة والداخل الفلسطيني الملجوم غير كاف للالتقاء فلسطينيا، ولو على ادني حدود التوافق الوطني، فلا عجب إذن ان نسمع من المسؤولين العرب نفس الكلام المكرر والممجوج والمهين في رتابته والمذاع من داخل مبنى صنمي بارد اسمه كذبا جامعة الدول العربية. ولا عجب إذن ان يسعى ‘ الاشقاء’ القادة العرب ان يرسموا لنا مستقبلنا ؛ دون دولة، دون حرية، ومستقبل برسم التبعية، مستقبلا يسوق للعبودية بأغلال ذهبية. ولا عجب بعد كل ذلك الانكسار وتقديم الولاء والطاعة ان يرفضها الكيان إذ يدوس ببساطيره محتلا لأجزاء من سوريا، متمترسا في لبنان ومعززا احتلاله لكل فلسطين بمباركة ترامبية داعمة لتهجير وتقتيل وذبح وطرد وتوطين.

كل الذين علقوا امالا على قمة وصفوها لنا بأنها مصيرية فقد خاب أملهم. وكل الذين اعملوا المنطق بان موقف ترامب وتصريحاته بان علاقتنا معكم يا عرب هي علاقة تابع ومتبوع، سيد وعبد، وأنكم بالنسبة لنا لستم أندادا ولا شركاء وبان هذه الفوقية والتعالى والاستخفاف ستثير حمية الجامعة والدول الأعضاء فيها فقد سقط منطقهم وتهاوى. بيان القمة المتعب يشي بان كاتبيه يرفضون الاستيقاظ من أحلام يقظتهم بانهم أصحاب سيادة وبان الاخر، كل الاخر، لا ينظر إليهم إلا بإزدراء مبطن او مكشوف، وبأنهم بقرة حلوب، ومكبا للأسلحة البائدة وسوقا استهلاكيا شره يستهلك كل شيء من عباءته المقصبة إلى سجادة صلاته.

لقد استلب من حضر القمة العربية، وقدم خطة إعادة إعمار غزة، قرارنا الفلسطيني بسبب غفلتنا وانقسامنا ولأنه لا قرار لنا. لا مساحة لنا، أهل فلسطين، ولا مبرر بعد اليوم الانخراط الابله والمبتور في اختلافنا حول هل كان الطوفان نعمة ام نقمة؟ لا مجال لتخوين الطرف الفلسطيني الطرف الاخر والاصطفاف ضد بعضنا البعض وجحافل التتار على الأبواب تقصد إبادتنا جميعا. خطورة ‘لعبة’ تخوين بعضنا البعض والانغماس فيها مستمرة في ذات الوقت الذي تتحول فيه الضفة إلى يهودا وسامرة، وغزة إلى ريفيرا ترامبية دون سكانها، والقدس إذ تصبح أورشليمهم والأقصى وكنيسة القيامة معالم سياحية، وإذ يحشر بعضنا في محميات كالهنود الحمر، والبعض الاخر محصورا في كانتونات وغيتوات بانتوستانية كما في جنوب أفريقيا سابقا او “نور” نهيم بين دول العالم  وعلى تخومها.

بيان القمة الأخير معطوب ومن زوايا متعددة. أشير لواحدة منها. احتوى البيان الكسول مثلا على ذات اللازمة المكررة ومقدما ذات الدعم اللفظي والفارغ للأونروا، والتنديد المائع بالهجوم الكاسح عليها والمناشدة الفارغة بضرورة دعمها سياسيا وماليا. ما الجديد الذي قدمته القمة أمام التحدى الوجودي للاونروا والخطر الداهم على حق العودة للاجئين الفلسطينين في بيانها الختامي؟. لا جديد. هل من خطة للمواجهة؟ لا. هل من قرار عربي بدعم الوكالة ماليا وبكل ما تحتاجه ؟ لا وفتات أموالهم لن تزيد. هل من توافق عربي لمنع تفريغ فلسطين من سكانها ، باستثناء منعهم قسرا عن تركها خوفا من أهلها إذ يدخلون عواصمهم؟ لا. هل من قناعة وحراك عربي فعال ضد الثلاثية المتبلورة إسرائيليا  وامريكيا ( القدس عاصمة الكيان الأبدية. لا لحق العودة. ولا لدولة فلسطينية مكتملة)؟. لا.

ذكي هذا الترامب. طرح علينا ملهاة غزة-ريفيرا وأرفقها بفيديو افتراضي لمستقبل غزة -دبي، وطالب بترحيلنا، وحتى انه جهارا رفض الخطة المصرية لإعادة البناء في غزة دون الترحيل (خطة مجزوءة فى افقها السياسي وقد حازت على شبه إجماع عربي وشبه إجماع فلسطيني). ذكي هذا الرجل صاحب الشعر البرتقالي إذ أطلق يد الكيان في لبنان وسوريا ودعم مطلبها بإخضاع كل فلسطين وكل الفلسطينين. يدرك ان الـ ١٠٠٪؜التي يطلبها عالية السقوف علينا كعرب، ويدرك بانه في أسوأ الأحوال سيفرض على العرب ان يذعنوا ويلبوا ٥٠٪؜ من مطالبه وربما اكثر (وأنا اجزم اكثر).

وهكذا إذن ستسير الأمور: -لا ترحيل قسري من غزة وسيقدم لنا هذا كانجاز ومعجزة القرن عربيا. -نعم لترحيل وتفريغ سكاني “طوعي” قسري الطابع (نتنياهو يستخدم تعبير “حرية المغادرة”!). -نعم لضم أجزاء شاسعة من الضفة الغربية وتطهيرها من الفلسطينيين (ثمنا مقبولا امام الإنجاز الباهر في منع التهجير!) -لا مكان للحديث، سيقول لهم ترامب، عن القدس بعد اليوم (ليست على طاولة البحث) فقد نقلنا السفارة الأمريكية هناك وطردنا الوكالة خارجها. -لا تتحدثوا بعد اليوم عن حق العودة، هذا المطلب العدمي، والذي تم شطبه كبند عربي وفلسطيني ولم نعد نحن، اهل البلد،  نطالب به جديا ونسعى وراءه فعليا. ويكمل ترامب في تفصيل صفقته العقارية/التجارية: ودعونا نعمل معكم يا عرب على التطبيع مقابل توفير دولة ‘فلسطينية’ فيها كثير من معالم روابط القرى، وحكم بلديات محشوة في كانتونات ترفع علما وتصدح نشيدا وطنيا.

ولكن يا جماعة ما علينا من كل هذا الهراء. دعونا نلتفت لقضايا اكثر إلحاحية وأهمية: هل نحن مع او ضد عرض مسلسل معاوية بن أبي سفيان على شاشتنا الرمضانية؟
وهل سيفوز أمل العرب وفخر المسلمين ‘مو’ صالح بجائزة الكرة الذهبية او بجائزة الحذاءالكندرة الذهبية (أجلكم الله) لهذا العام ام لا؟

 

سامي مشعشع الخبير في شؤون الأونروا

عن Atlas

شاهد أيضاً

مروان طوباسي يكتب : التَكيُف مع السياسات الأمريكية لن يحمي أحداً من تداعياتها المستقبلية

مع تصاعد الجرائم الإسرائيلية وتدويرها في مناطق مختلفة بين غزة والضفة  بحق شعبنا الفلسطيني وشعوب …