اطلس:كتب أسامة خليفة : أثار الدور المصري كوسيط في التفاوض لوقف الحرب العدوانية على قطاع غزة، جدلاً واسعاً، كذلك كان في كل الحروب العدوانية التي سبقت حرب 7 أكتوبر، البعض وصفه بأنه ضحية البراءة وحسن النية في التعامل مع إسرائيل المعروفة بالمراوغة والتنصل من الاتفاقيات الموقعة، لم ينجح الوسطاء ولا الضامنون للاتفاق الموقع في 17 يناير – قطر ومصر باعتبار الولايات المتحدة داعماً لنتنياهو وشريكاً في الحرب وليس وسيطاً نزيهاً- في إلزام إسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق، ولو في حده الأدنى المتعلق بالبروتوكول الإنساني، ناهيك عن الانسحاب من محور فيلادلفيا في الموعد المحدد المتفق عليه، وصولاً إلى خرق وقف إطلاق النار اليوم 18/3 وقصف مخيمات وبيوت المدنيين في المواصي وخان يونس وغزة ورفح، واستشهاد المئات على السحور الرمضاني، فلا احترموا هدنة الشهر المقدس ولا هدنة عيد الفصح.
تهجير سكان غزة إلى مصر المهدد لأمنها القومي سيزداد فرصه مع عودة خيار الحرب، ودفع سكان شمال قطاع غزة إلى جنوبه، يرى البعض أن حسن النية المبالغ به مع عدو لا يبالي بالاتفاقات والقوانين والأعراف الدولية الإنسانية، ما هو إلا من صفات الغفلة وتشتت الفكر والعقل، بينما يرى السفير المصري الأسبق عبدالله الأشعل أن دور مصر تابع، يقول: «دخلت العلاقات المصرية الإسرائيلية في نفق غامض جعل مصر في مركز التابع ودفعها إلى القيام بأدوار خادمة للمشروع الصهيوني بما لا يليق بحجمها وتاريخها وما حباها الله به من مكانة وموقع في التاريخ والجغرافيا والسياسة والحضارة .. فمن المعلوم أن مصر قد فقدت تأثيرها لدى إسرائيل وفى المنطقة بفقدان دورها الإقليمي منذ أن قررت أن تتراجع إلى الظل بحجة أنها قد أرهقت من المواجهة مع إسرائيل، وأنها أقنعت نفسها.. بأنها قدمت ما يكفي من التضحيات للقضية الفلسطينية»، عند هذا فقدت مصر دورها الإقليمي مما ترتب عليه ازدياد توحش إسرائيل، وأدى التراخي المصري والاكتفاء بالتنديد، بما يتعلق بالخرق الإسرائيلي للملحق الأمني لمعاهدة السلام «اتفاق فيلادلفيا» إلى الاستهتار بكل بنود المعاهدة.
على عكس ذلك وُصف الدور الذي تضطلع به مصر في الشرق الأوسط بالدور الجوهري والتاريخي، وفى كل الأحوال فإن دور مصر حاسم ولا شك في إنقاذ الموقف أو تركه يتدهور، وما كان من الممكن التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة أن يتحقق لولا التزامها بالدبلوماسية لحل النزاعات، ولكن السؤال أين دور مصر كضامن للاتفاق، لقد اعتبر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي، اتفاق إنهاء الحرب على غزة بمثابة نجاح للدبلوماسية المصرية وأعمال الوساطة التي تمت على مدار الأشهر الماضية، ولكنها لم تنجح في دور الضمانة، من يتحمل مسؤولية الدم المسفوك هذا اليوم؟. لقد ذهبت كل جهود الوساطة سدى.
وعن دعمها للقضية الفلسطينية ودحض أنها تابعة، تشير التصريحات العدائية لمسؤولين إسرائيليين ضد مصر إلى التوتر المتزايد بين القاهرة وتل أبيب، على خلفية الموقف المصري من الحرب في غزة، ورفضها أي دور عسكري أو إداري في القطاع بعد انتهاء العمليات الإسرائيلية كما رفضت مصر مقترحات إسرائيلية متعلقة بمستقبل غزة، مثل توطين الفلسطينيين في شمال سيناء، واتهام مصر بدعم حماس، تسببت في ردود فعل إسرائيلية حادة من القاهرة. وكذا كان إعلان مصر عزمها التدخل رسمياً لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، للنظر في انتهاكات قوات الاحتلال في غزة. وعن إغلاق المعبر كانت القاهرة قد أعلنت إغلاقه، بعدما أصبح مسرحاً لعمليات عسكرية، إضافة إلى نقل المساعدات الإنسانية لغزة، وجاهزية المستشفيات بشمال سيناء لاستقبال الجرحى الفلسطينيين. وتتحدث وسائل إعلام مصرية عن ألف شاحنة من المساعدات المحلية والعربية والدولية تم تخزينها في مواقع لوجيستية مجهزة، وهي في انتظار الدخول إلى قطاع غزة. وأعلن وزير الخارجية المصري، خلال مؤتمر صحفي، استعداد بلاده لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة الإعمار بالقطاع. تحرص القاهرة خلال الفترة القادمة على الإسراع في إعادة إعمار القطاع بحيث لا تكون هناك أي فرصة تفكك اجتماعي أو أمني داخل غزة، وترى القاهرة أن الحفاظ على أمن القطاع هو ضرورة أساسية لأمن مصر.
وأصرت مصر على قيادة غزة من قبل الفلسطينيين سواء للسلطة في الضفة، أو من خلال لجنة الإسناد المجتمعي، والأهم من ذلك رفضت القاهرة تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها ضمن خطة ترامب لامتلاك غزة كعقار واستثماره بعد تطويره إلى ريفيرا الشرق الأوسط.
بعد إحباط خطة ترامب، برزت خطة لابيد التي تستبدل الشروط والضغوط بالإغراءات والتهديد بقطع المساعدات الأميركية لمصر، حيث اقترح زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، وضع إدارة قطاع غزة تحت المسؤولية المصرية مؤقتاً لمدة ثماني سنوات، قابلة للتمديد إلى خمسة عشر عاماً، وذلك لحين إعادة بناء غزة وتهيئة ظروف طويلة الأجل لحكومة مستقلة، مقابل إلغاء المجتمع الدولي للديون الخارجية المصرية التي تقدر بـ« 155 مليار دولار».
وكان زعيم المعارضة يائير لابيد قد عرض في واشنطن، خطة مكملة لخطة «اليوم التالي» للحرب في غزة، التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويرى أن هذا المقترح لا يتعارض، من وجهة نظر لابيد، مع مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يرغب في تحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط، فبحسب المقترح الإسرائيلي، ستقود مصر عملية إعادة بناء غزة مع الأمريكيين، بدعم إقليمي وموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويصف لابيد مصر بأنها شريك استراتيجي موثوق به، مستنداً في طرحه إلى تاريخ مصر مع إدارة غزة قبل عام 1967، في فترة شهدت سنوات من الهدوء النسبي.
ومن ثم فإن إدارة مصر لغزة التي ستكون أحد أكبر المشاريع الاقتصادية في المنطقة، ستؤدي إلى النمو والازدهار لمصر بعد فترة صعبة، في ذلك يبدو أن زعماء إسرائيليين يفضلون ممارسة سياسة العصى والجزرة، وفق اقتراح زعيم المعارضة يائير لابيد إمكانية مشاركة القاهرة في خطة مستقبل غزة، على عكس ما كانت إسرائيل تهاجم مصر بسبب خطة «اليوم التالي» في غزة. وفي رد سريع وحاسم، رفضت مصر الاقتراح بشدة، مؤكدة أن القاهرة لن تشارك في أي محاولة للسيطرة على غزة، وفق ما نقلته وسائل الإعلام الرسمية.
الخطة التي قدمها لابيد تم صياغتها على مدار الأشهر الأخيرة، بمشاركة مسؤولين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى. وعرضها زعيم المعارضة الإسرائيلي خلال زيارته للولايات المتحدة، حيث التقى كبار المسؤولين في إدارة ترامب وأعضاء بارزين في مجلس الشيوخ، بهدف الترويج لها كجزء مكمل للخطة التي طرحها ترامب.
خلال هذه السنوات الثماني، يقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أن تعمل مصر على تدمير البنية التحتية لـ«الإرهاب» التي لا تزال باقية في غزة، ومنها الأنفاق ومرافق إنتاج الأسلحة، وإنشاء آلية أمنية مشتركة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة لضمان تنفيذ الاتفاق ومنع حماس من إعادة بناء قوتها العسكرية.
وبين سياسة إسرائيلية متطرفة للخروج من أزمتها ضاغطة لتليين موقف مصر المناهض لمشروع نتنياهو وأهداف حربه في الضفة والقطاع، ولخطة ترامب، وسياسة أخرى ناعمة تتطلع إلى إغراء مصر بوعود اقتصادية، فإن على مصر مراجعة دورها كوسيط في مفاوضات غير مباشرة عبثية، ودورها كضامن فاقد لدور فاعل، والدعوة إلى مفاوضات مباشرة بين حماس والولايات المتحدة لا تكون إسرائيل طرفاً فيها، رغم المعرفة أن الولايات المتحدة لا تنفع لا كوسيط ولا كضامن فهي مسؤولة اليوم عن الدماء الغزيرة التي سفكت على أرض قطاع غزة، فلتكفر عن جرائمها بالضغط على اسرائيل وإلزامها بتنفيذ نتائج هذه المفاوضات وإعادة الحقوق لأصحابها، ودور مصر يجب أن يكون في جانب فلسطين، بالعمل الجاد على عزل اسرائيل وملاحقة زعمائها المجرمين وتقديمهم للعدالة الدولية.