تتصدر الشركات الأميركية والصينية السباق العالمي في سوق الذكاء الاصطناعي، وباتت التحديثات والمزايا التنافسية للنماذج الذكية تصل إلى أيدي المستخدمين بشكل شبه يومي، ويزداد التنافس المحموم بين المعسكرين سخونة منذ نوفمبر 2022، حين اكتسبت موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي انتعاشة كبرى بإطلاق ChatGPT.
واشتعلت المنافسة أكثر عندما أعلنت شركة DeepSeek الصينية، مؤخراً، عن نموذجها R1 المُفكِّر، مع أداء فائق بتكلفة تدريب تكاد تكون منعدمة أمام المليارات التي تنفقها الشركات الأميركية لتدريب نماذجها سنوياً.
وبخروج DeepSeek إلى النور، بلغت المنافسة مستوى متقدماً يؤذن بمزيد من الصولات والجولات في المستقبل المنظور.
أهم نماذج الذكاء الاصطناعي في الصين
نماذج DeepSeek الذكية
وضعت نماذج شركة DeepSeek الصينية، بكين رسمياً على خريطة الذكاء الاصطناعي، إذ تمكَّنت نماذجها المفكر R1 واللغوي الضخم V3 من تقديم أداء لافت في مواجهة المنتجات الأميركية مثل نماذج OpenAI، وجوجل.
استخدمت DeepSeek في ذلك مجموعة من الأساليب المتطورة في عمليات التدريب، والتقييم للنماذج الصينية، مما مكَّنها من الخروج بأداءٍ رائدٍ بتكلفة 5.6 مليون دولار فقط للتدريب.
ما يميز نماذج “ديب سيك” هو ما تقدمه من تجربة سريعة في التفاعل النصّي؛ لأنها تزوّد منصة DeepSeek الذكية بقدرة فائقة على تقديم الردود على استفسارات المستخدمين بسرعة كبيرة، بمعدل 60 توكين في الثانية الواحدة، وهي وحدة قياس البيانات المدخلة، أو المخرَجة من النماذج الذكية عند التفاعل معها.
وإلى جانب إمكانية الاطلاع على تسلسل تفكير المنصة قبل الإجابة عن أي استفسار، ما يساعد المستخدم على فهم طريقة عمل DeepSeek، وهو ما يسهل على المستخدم صياغة استفساراته بشكل أفضل ليحصل على معلومات أكثر دقة.
نموذج QwQ-32B من علي بابا
تضم قائمة النماذج الصينية الذكية التي أُطلقت مؤخراً، النموذج QwQ-32B من شركة علي بابا، مع مستوى فائق من الأداء والقدرات، إذ يتمتع بقدرة عالية على التفكير المنطقي واتخاذ القرارات وحل المشكلات المعقدة بكفاءة استثنائية، ما يجعله خياراً مثالياً للعديد من التطبيقات العملية.
يتيح نموذج QwQ-32B أداءً متطوراً مع متطلبات حاسوبية منخفضة جداً، مقارنةً بالمنافسين، كما تتميز تقنية التعلم المعزز متعدد المراحل في النموذج بقدرتها على تحسين الأداء في المهام الصعبة، مثل العمليات الحسابية والبرمجة، مع مراجعة وتدقيق النتائج ذاتياً، ما يضمن دقة أعلى في التطبيقات العملية مثل تطوير البرمجيات، وتحليل البيانات المالية، والذكاء التنافسي.
يدعم النموذج أيضاً سياقاً طويلاً، يبلغ 131 ألف توكن (يعادل كتاباً من 300 صفحة)، ما يتيح له التعامل مع كميات كبيرة من البيانات في عملية تحليل واحدة، وهو يتفوق في هذا المجال على نماذج OpenAI، ولكن جوجل مع جيميناي 2.0 تقدم نافذة سياقية تصل سعتها إلى 2 مليون توكن في عملية تحليل واحدة.
يتميز نموذج علي بابا بمستوى متقدم من الأداء عند إنجاز مهام مثل تحليل وتوقع اتجاهات السوق المالية ودعم اتخاذ القرار، وبرمجة تطبيقات وأدوات رقمية بسرعة ودقة عالية، مع القدرة على تحسين خدمات العملاء عبر روبوتات المحادثة الذكية، إلى جانب دعم التخطيط الاستراتيجي والتحليل الاستباقي للأزمات في المؤسسات.
نماذج بايدو الذكية
بالمثل، قدَّمت بايدو الصينية نموذجين جديدين للذكاء الاصطناعي؛ نموذج ERNIE X1 بقدرته العالية على التفكير والاستنتاج المنطقي؛ إذ يمكنه استخدام الأدوات بشكل مستقل، ما يجعله فعَّالاً في تنفيذ مهام معقَّدة، مثل تحليل الأسواق المالية، والتخطيط الاستراتيجي للشركات، فضلاً عن اتخاذ القرارات الدقيقة في مجالات حسَّاسة مثل الرعاية الصحية والطاقة.
وبحسب بايدو، فإن أداء ERNIE X1 ذي القدرات العالية على التفكير والإدراك ينافس نموذج DeepSeek R1 الصيني، لكنه يقدم نفس المستوى بنصف التكلفة، ما يمثل نقلة نوعية في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي الذي بات يركز ليس فقط على القدرات التقنية، وإنما أيضاً على مدى تناسب وكفاءة التكلفة.
أما النموذج الثاني ERNIE 4.5، فيتميز بقدرته الفائقة على فهم المحتوى متعدد الوسائط (النصوص، الصور، الفيديوهات، والصوتيات) والتفاعل معها.
ويتمتع النموذج بذكاء عاطفي (EQ) مرتفع، ما يمكّنه من فهم التعبيرات الساخرة، أو الرموز التعبيرية على منصات التواصل الاجتماعي، وتعد هذه الميزة فارقة عند مقارنتها بنماذج منافسة مثل GPT-4 من شركة OpenAI، وGemini من جوجل، التي لا تزال تواجه تحديات في الاستجابة المثالية للمحتوى الثقافي والاجتماعي المعقَّد.
ومن التطبيقات العملية لهذه النماذج، استخدامها في تحسين تجربة المستخدم في منصات التواصل الاجتماعي، وتقديم تحليلات دقيقة في مجالات الإعلام الرقمي، فضلاً عن التطبيقات الصناعية مثل الكشف المبكر عن الأعطال في المعدات من خلال التحليل المتقدم للصور والفيديوهات.
Manus.. أول وكيل رقمي متكامل
أخيراً، يأتي Manus، الوكيل الرقمي المتكامل الأول، الذي أخرجه إلى العالم مطوّرون بشركة Monica AI الصينية، ويتيح القدرة على إنشاء مواقع إلكترونية مخصَّصة من خلال عملية منظمة، تبدأ باختيار القالب المناسب، ثم تصميم الهيكل، وإضافة المحتوى بطريقة احترافية، وصولاً إلى إطلاق الموقع النهائي.
كما يمتلك Manus القدرة على تخطيط الرحلات بالكامل، إذ يمكنه جمع معلومات حول الرحلات الجوية المتاحة، واقتراح أفضل خيارات الطيران، مع تحديد الفنادق المناسبة حسب الميزانية والموقع، بالإضافة إلى وضع جدول زمني يشمل المعالم السياحية والأنشطة الترفيهية وأفضل المطاعم.
وفي المجال المالي، يستطيع Manus تحليل أداء أسهم الشركات مثل “تسلا” من خلال جمع البيانات التاريخية، ودراسة تقارير السوق، وإجراء مقارنات بين أداء الشركات المنافسة مثل Nio، وBYD، قبل تقديم توقعات مستقبلية تستند إلى نماذج تحليل البيانات.
وللصين استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، تستهدف بها أن تصبح قوة فاعلة في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي بحلول عام 2030.
وبالفعل، وضعت بكين مناهج دراسية في الذكاء الاصطناعي لتلاميذ المدارس، مع إرساء قوانين للحد من الآثار السلبية لاستخدام الذكاء الاصطناعي مثل مواجهة الشائعات والمحتوى المزيف على الإنترنت، وكذلك العمل على تعظيم الاستفادة من مختلف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعين الحكومي والخاص.