اطلس:في رسالة سياسية أمنية خلال جولته التفقدية (19اذار 2025) في مقر وحدة “المستعربين” التابعة لقوات حرس الحدود في الضفة الغربية، قال نتنياهو: ” بينما نخوض حربا شرسة ضد حماس في قطاع غزة، نحن ندرك إمكانية فتح جبهة أكبر وأقوى هنا في يهودا والسامرة”
في بداية شهر ايلول/سبتمبر اعلن الكابينيت الاسرائيلي عن اعتبار الضفة الغربية “جبهة حرب”، فيما اعتبرت الى حينه ومنذ بداية الحرب على غزة “جبهة ثانوية” وكانت مهمة الجيش ابقاءها تحت الضبط. بينما وفقا للتعريف الجديد فإن الوضع في الضفة “تجاوز تعريف القنبلة الموقوتة الى قنبلة منفجرة”، واشار القرار الوزاري الى الحاجة الى تغيير جذري في التعاطي وألى ان العملية العسكرية في مخيم جنين هي مجرد البداية وليست النهاية.
فعليا، اعتبر الجيش في شهر ايلول 2024 ان هذا القرار الوزاري هو قرار اولي بينما سيحتاج التغيير الجوهري ميدانيا الى وقت، مشيرا الى سلسلة من العمليات الكبرى تبدأ في شمال الضفة وبلوغا الى منطقة الخليل.
في ظل انشداد الانظار عالميا الى غزة التي تتعرض الى حرب الابادة، ومن ثم سقوط نظام الاسد في سوريا والحرب المكثفة على لبنان، ليتبعها الصفقة وعمليات تبادل الاسرى، قامت اسرائيل بحملة اجتياحات غير مسبوقة منذ اجتياح 2002، بينما المسعى الجديد هو التطهير العرقي والتهجير الذي طال اكثر من 40 الفا من اهالي مخيمي اللاجئين في جنين وطولكرم.
سبقت الاجتياحات لمخيمات شمال الضفة الحرب على غزة من حيث التوقيت، ففي صيف 2023 خرج جيش الاحتلال من مخيم جنين بعد إحداث دمار هائل في الممتلكات الشخصية وفي البنى التحية في مسعى لتخريبها بشكل لا يتيح اعادة استخدامها. خلال الحرب وفي اطار ما أطلق عليه الاحتلال اجتياح “المخيمات الصيفية” قام بعملية متواصلة منذ اشهر بتهجير الاهالي وتدمير البنى التحتية وعشرات البيوت وتخريب المئات منها والممتلكات، وجعل المنطقة الى طاردة للحياة فلسطينيا، ليبقي الجيش، تبعا لما “وعد” به وزير الحرب يسرائيل كاتس بإنفاذ النمط الغزي من الدمار الشامل والتطهير العرقي على الضفة الغربية، وليصبح مخيم جنين على غرار مخيم جباليا الذي تمت تسويته بالارض. اي ان ما يحدث في الضفة الغربية هو جزء لا يتجزأ من الحرب على غزة، بما فيه الحرب على وكالة غوث اللاجئين الاونروا، ومن وراء ذلك السعي الى انهاء المخيمات و”ذهنية اللجوء” وحق العودة، في سياق الانقاض على مجمل الحق الفلسطيني.
بدوره وبعد ان تجول نتنياهو قبل اسابيع في مخيم نور شمس في طولكرم وعقد اجتماعا من ضباطه في غرفة الاستقبال في احد المنازل التي تم تهجير اهلها تباهيا، فإنه يرى في وحدة المستعربين المعروفة بسطوتها نتيجة قدرتها على التخفي بالزي الفلسطيني وانتهاج سلوك اهل البلد الفلسطينيين، بأنها تُفقِد العدو من توازنه، وتقوم بمهمتها تجاهه. كل ذلك في اشارة الى اعتماد هذه الوحدة القائمة على الحيلة والمراوغة، الى جانب الجيش وسلاحي المدرعات والطيران.
يشير تلميح نتنياهو الى “إمكانية فتح جبهة أكبر وأقوى هنا في يهودا والسامرة” الى النوايا والمخططات المبيتة ويبدو الجاهزة. يدرك نتنياهو وهذه عقيدته بأن الضفة الغربية هي “درة التاج” في مخططات تياري اليمين العقائدي والصهيونية الدينية، واهميتها بالمفهوم الاستيطاني والرابط الديني تفوق قطاع غزة ومعظم مناطق فلسطين التاريخية. في حين يرى اهمية سياسية كبرى في العدوان المتجدد عليها باعتبار ، وفي حال العودة الى الصفقة واتمام مراحلها سيشكل العدوان على الضفة التعويض الافضل والمقبول على اقصى اليمين الاستيطاني الصهيوني ديني. كما تشير خطوات نتنياهو الصدامية مع منظومات الدولة العميقة ومع كل من لا يبايعه السلطة، الى انه لم يعد يتورع عن التوجه الصدامي بما فيه مع عائلات الاسرى والمحتجزين في غزة بل بات ينحو نحو معركة الحسم السياسية دون اية روادع او كوابح، في قناعة منه ان حسم المعركة السياسية واعتماد دكتاتورية الاغلبية ستتيح اعتماد خطة الحسم على الاقل مركب الضم الذي فيها.
من الاسهل التعرف الى ما لا يريده نتنياهو من معرفة ماذا يريد، وفي هذا الصدد فإنه يعتبر اهم اهدافه هو منع قيام دولة فلسطينية وتقويض اية بنية كيانية قد تؤدي الى هذه الدولة او الى ربط مصير الصفة الغربية وقطاع غزة باعتبارهما بنية الدولة الفلسطينية.
ان تجديد العدوان المكثف على قطاع غزة انما يصب ضمن اهداف عديدة في هدف منع الدولة الفلسطينية، وفي مسعى للتعويق على مشروع اعادة اعمار غزة وبقاء سكانها ومخرجات قمة القاهرة العربية الاستثنائية؛ واذ يقوم المشروع على حكم فلسطيني مستقبلي للقطاع من خلال السلطة الفلسطينية بما يعني ربط مصير الضفة والقطاع في كيانية فلسطينية واحدة – الدولة. وفقا لرؤية نتنياهو فإن الحرب على غزة تحتاج الى الحرب على الضفة كما وصفها امام وحدة المستعربين، وذلك لتقويض مضمون لفكرة الدولة الفلسطينية، وتدمير قدرات وبنية السلطة الفلسطينية. بقاء مشروع التهجير في غزة على جدول الاعمال الاسرائيلي يعني استهدافه للضفة الغربية.
المخططات الاسرائيلية لا تتوقف عند التصريحات بل يجري تطبيقها على الارض الفلسطينية واحيانا يسبق التطبيق انجاز المخطط وهو سمة للمشروع الصهيوني الاستيطاني تاريخيا. وفقا للباحث في مركز مدار وليد حباس، فإن الادارة المدنية الاحتلالية وبتوجيه من مديرية الاستيطان قامت بهدم طريق فلسطينيبطول 9 كم في صحراء القدس (برية بيت لحم) والموصل بين المدن الفلسطينية في مناطق (ب) اي التابعة مدنيا لنفوذ السلطة الفلسطينية من دون المرور في المنطقة الخاضعة لسلسيطرة الاسرائيلية، بما يعني إلغاء اتفاقية واي-ريفر. هذا الاجراء اضافة الى سياسة عزل المدن الفلسطينية بالحواجز يجعل امكانية التواصل الجغرافي والسكاني في الضفة شبه معدومة.
للخلاصة؛ فإن تلميحات نتنياهو تجاه الضفة الغربية هي خطيرة للغاية ولا يجوز الاستهانة بها، والنوايا الاسرائيلية واضحة وفعليا الممارسات تسبق التصريحات؛ كما ان المرحلة القادمة وفقا لنتنياهو وفيما لو تسنى له تشمل اجتياحا شاملا، بما فيه إحداث تطهير عرقي واسع النطاق وزرع الدمار الشامل في الضفة في كل مناطقها؛ وبينما يتواصل الضم الزاحف فعليا على الارض، فإن احتمالية إعلانه رسميا كبيرة الا في حال تعارض مع الاولويات الامريكية اقليميا ودوليا. كل ذلك لا يعني ان هذه المخططات هي قضاء وقدر