التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا والحرب الخفية : العرب وإسرائيل صراع النفوذ والمصالح

اطلس:كتب د. عـمر رحـال: تُعد القارة الأفريقية ساحة رئيسية لصراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تتنافس العديد من الدول على بسط نفوذها السياسي، والاقتصادي، والأمني في القارة التي تزخر بالموارد الطبيعية وتحتل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية. وفي هذا السياق، برزت إسرائيل والدول العربية كأطراف رئيسية تتسابق لتعزيز حضورها ونفوذها في أفريقيا، في معركة غير معلنة تتجلى في الأبعاد الدبلوماسية ،والعسكرية ، الاقتصادية ، والاستخباراتية.

لم يكن التنافس بين العرب وإسرائيل في أفريقيا وليد اللحظة ، بل يمتد إلى عقود مضت، حيث سعت إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 إلى كسر عزلتها الإقليمية من خلال توسيع دائرة تحالفاتها الدولية ، وكان للقارة الأفريقية أهمية خاصة في إستراتيجيتها الدبلوماسية . فمنذ خمسينيات القرن الماضي ، بدأت إسرائيل بتنفيذ سياسة نشطة في القارة ، مستندة إلى تقديم المساعدات التقنية والعسكرية والاقتصادية ، بهدف كسب دعم الدول الأفريقية في المحافل الدولية ، وخاصة في الأمم المتحدة، لمواجهة الإجماع العربي الرافض للاعتراف بها.
في المقابل، سعت الدول العربية، وخاصة مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلى التصدي للنفوذ الإسرائيلي في أفريقيا من خلال دعم حركات التحرر الوطني ، وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع الدول الأفريقية ، استناداً إلى روابط تاريخية وثقافية ودينية مشتركة . وقد شهدت العقود اللاحقة تصاعداً في هذا الصراع، حيث تأثرت سياسات الدول الأفريقية بتغيرات المشهد الدولي ، وانعكست بشكل مباشر على ميزان القوى بين إسرائيل والدول العربية في القارة.

مع نهاية الحرب الباردة وتراجع الدعم السوفيتي لكثير من الأنظمة والحركات الأفريقية، تغيرت المعادلة الجيوسياسية ، حيث وجدت إسرائيل فرصة سانحة لإعادة اختراق القارة عبر بوابة التعاون الاقتصادي والتكنولوجي ، في ظل انسحاب جزئي للدول العربية من الساحة الأفريقية بسبب انشغالاتها الداخلية والصراعات الإقليمية. وقد استفادت إسرائيل من تراجع التأثير العربي لتعزيز وجودها،مستغلة الحاجة الأفريقية إلى التكنولوجيا الحديثة ، والاستثمارات الزراعية، والتدريب العسكري، فضلاً عن النفوذ المتزايد في مجال الاستخبارات والأمن السيبراني.
في السنوات الأخيرة، تزايدت حدة المنافسة بين إسرائيل والدول العربية في أفريقيا، خاصة مع توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، مما أعاد تشكيل المشهد الاستراتيجي في القارة. وفي المقابل، لا تزال بعض الدول العربية، مثل الجزائر، تلعب دوراً محورياً في التصدي للنفوذ الإسرائيلي، خاصة في المؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، حيث قوبل منح إسرائيل صفة المراقب بمعارضة شديدة من دول عربية وإسلامية.

تسليط الضوء على أبعاد الصراع بين إسرائيل والدول العربية في أفريقيا، واستكشاف الأدوات والوسائل التي يستخدمها الطرفان في سعيهما لكسب النفوذ والتأثير في القارة. كما يبحث في انعكاسات هذا الصراع على الأمن والاستقرار في المنطقة، ومستقبل التنافس الإسرائيلي-العربي في أفريقيا في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة.
تُعد قارة أفريقيا ساحة صراع متجددة بين القوى الدولية والإقليمية، حيث تتنافس الدول على النفوذ الاقتصادي والسياسي والعسكري. في هذا السياق، تخوض إسرائيل والدول العربية صراعاً خفياً للسيطرة على الموارد الطبيعية، وتعزيز التحالفات السياسية، وتوسيع التأثير الاستراتيجي. فبينما تسعى إسرائيل لترسيخ وجودها عبر العلاقات الدبلوماسية والتعاون الأمني والتكنولوجي، تعمل الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية والجزائر، على حماية مصالحها والتصدي لهذا التمدد الإسرائيلي.

كذلك تتنوع الدوافع والأهداف وراء التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا ، فمنه ما هو أمني وعسكري ، حيث تحرص إسرائيل على بناء تحالفات مع دول أفريقية لضمان دعمها في المحافل الدولية، لا سيما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي هذا الإطار تسعى إلى إنشاء قواعد استخباراتية وعلاقات أمنية مع حكومات أفريقية بهدف مراقبة النشاطات بعض الدول العربية والصين وإيران ، كما و تعمل على بيع الأسلحة وتقديم الخدمات الأمنية والتدريب العسكري، مما يعزز من نفوذها داخل  القارة الأفريقية.

كما تسعى دولة الاحتلال إلى التوسع الدبلوماسي وكسر العزلة الدولية لها فمنذ تأسيسها، سعت إسرائيل إلى كسب الاعتراف بها من الدول الأفريقية، وخصوصاً بعد موجة المقاطعة التي شهدتها خلال العقود الماضية بسبب تضامن القارة مع القضية الفلسطينية. ومنذ التسعينيات، ومع توقيع اتفاقيات أوسلو، عادت إسرائيل بقوة إلى أفريقيا، مستغلة التحولات السياسية والاقتصادية في القارة.
أما المصالح الاقتصادية والاستثمار فهي أيضاً على رأس أولويات دولة الاحتلال ، حيث تسعى للاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في أفريقيا، مثل المعادن النادرة والغاز والنفط. كما تركز شركات إسرائيلية على الاستثمار في مجالات التكنولوجيا الزراعية، وتحلية المياه، والأمن السيبراني، مما يعزز من تأثيرها الاقتصادي في القارة.
الموقف العربي ومحاولات التصدي للنفوذ الإسرائيلي على الرغم من أن الدول العربية تمتلك تاريخاً طويلاً من العلاقات مع أفريقيا، إلا أن العقود الأخيرة شهدت تراجعاً في هذا النفوذ لصالح إسرائيل. ومع ذلك، لا تزال بعض الدول العربية تحاول الحفاظ على نفوذها من خلال الاستناد على العلاقات التاريخية والدبلوماسية ، حيث تتمتع الدول العربية بعلاقات تاريخية وثيقة مع العديد من الدول الأفريقية، وخصوصاً تلك التي شهدت دعماً عربياً في فترات الاستعمار. كما تحاول جامعة الدول العربية لعب دور في تعزيز التعاون العربي الأفريقي، ولكن بفاعلية محدودة مقارنة بالنفوذ الإسرائيلي المتزايد.

يضاف لذلك الدعم الاقتصادي والمساعدات حيث تقدم الدول العربية، لا سيما الخليجية، استثمارات ضخمة في مشاريع البنية التحتية والتنمية في الدول الأفريقية. كما وتعتمد بعض الدول الأفريقية على القروض والمساعدات المقدمة من الدول العربية، مما يساهم في إبقاء العلاقات متينة. أما التعاون العسكري والأمني ، فما زالت تنشط بعض الدول العربية، مثل مصر والسعودية، في توقيع اتفاقيات تعاون أمني مع الدول الأفريقية، خاصة في منطقة القرن الأفريقي والساحل.تحاول مصر، على وجه الخصوص، الحد من النفوذ الإسرائيلي في دول مثل إثيوبيا والسودان، خاصة فيما يتعلق بملف مياه النيل وسد النهضة.

جدير بالذكر أن أبرز مناطق الصراع بين إسرائيل والدول العربية في أفريقيا ، تتركز في القرن الأفريقي، والذي يمتد من (الصومال، جيبوتي، إريتريا، وإثيوبيا) نقطة تنافس رئيسية بين إسرائيل والدول العربية. حيث تدعم إسرائيل إثيوبيا في مشاريعها المائية، مما يثير قلق مصر، التي تعتبر مياه النيل مسألة أمن قومي. كما تمتلك الإمارات والسعودية مصالح إستراتيجية في الموانئ البحرية في المنطقة، وهو ما يجعلها في مواجهة غير مباشرة مع النفوذ الإسرائيلي. وأيضاً في الساحل الأفريقي ، حيث يشهد الساحل الأفريقي تصاعداً في الوجود العسكري الإسرائيلي، خاصة في مجال ما يسمى (مكافحة الإرهاب) ، كما تلعب بعض الدول العربية، مثل الجزائر، دوراً في محاولة الحد من النفوذ الإسرائيلي، عبر التحالفات مع الدول الأفريقية . وفي غرب أفريقيا تركز إسرائيل على توسيع نفوذها في دول مثل غانا وساحل العاج ونيجيريا، من خلال التكنولوجيا والزراعة والأمن. كما وتحاول بعض الدول العربية مواجهة ذلك عبر المؤسسات الإسلامية والتمويل التنموي، خاصة من قبل بعض الدول الخليجية.

هذا الصراع العربي الإسرائيلي في القارة الأفريقية يعد جزءاً من معركة أوسع حول القضية الفلسطينية، حيث تسعى إسرائيل إلى تقليل الدعم الأفريقي التقليدي لفلسطين. وقد نجحت في ذلك جزئياً عبر إقناع بعض الدول الأفريقية بالتطبيع والانحياز إلى سياساتها في الأمم المتحدة. وتقويض مكانة القضية الفلسطينية داخل الاتحاد الأفريقي، كما حدث عندما حصلت إسرائيل على صفة مراقب في المنظمة رغم المعارضة العربية.وبناء علاقات أمنية مع بعض الأنظمة الأفريقية التي تضع مصالحها الاقتصادية والسياسية فوق الاعتبارات الأخلاقية والتاريخية.

اختراق إسرائيل ينصب على ست دول أفريقية وهي توغو، رواندا، جنوب السودان، الكاميرون، والكونغو، حيث تُعد رواندا الأكثر انخراطاً في هذه العلاقة، إذ تشهد اتصالات مكثفة وتعاوناً متزايداً مع تل أبيب . وعلى الصعيد العسكري، تستعين العديد من الدول الأفريقية بإسرائيل، من بينها، توغو، ملاوي، كينيا، أنغولا، ساحل العاج نيجيريا، الكاميرون، والنيجر، زامبيا،إثيوبيا، والتي تشمل التدريبات المشتركة وتعيين الملحقين العسكريين في عدة دول أفريقية. هذا التعاون العسكري الإسرائيلي الأفريقي، تجدد عقب الحصول على تعليمات من المستوى السياسي الإسرائيلي بضرورة تكثيف الاتصالات العسكرية مع القارة، بعد الزيارة التي قام بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في صيف العام 2016 إلى عدد من الدول الأفريقية ، وإعلانه أن “إسرائيل عادت إلى أفريقيا، وأفريقيا عادت إلى إسرائيل”. ويشمل هذا إرسال طواقم إنقاذ من الكوارث الطبيعية، وتدريبات عسكرية مشتركة مع جيوش أخرى، وغيرها، علماً أن هناك جهداً مشتركاً لكل من جيش الاحتلال، والشاباك،والموساد، ووزارة خارجية دولة الاحتلال ، لتعزيز حضور دولة الاحتلال في القارة الأفريقية في المجالات المختلفة .

أما على صعيد التطبيع، فقد شمل العديد من الدول العربية والإسلامية في القارة، مثل تشاد، التي استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، مروراً بالمغرب، وصولاً إلى السودان. وفي سنة 1996 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا ودولة الاحتلال ، وفي تشرين الأول 1999 أعلن في واشنطن عن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى السفراء.
ومنذ عام 2002، تسعى إسرائيل للحصول على صفة “دولة مراقب” في الاتحاد الأفريقي والمشاركة في قممه الدورية، وكانت إسرائيل تشغل منصب دولة مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية حتى العام 2002 . إلا أن الجزائر وجنوب أفريقيا تُعد العقبة الأبرز أمام تحقيق هذا الهدف، نظراً لموقفها الداعم للقضية الفلسطينية .

أما فيما يتعلق بعلاقاتها الدبلوماسية، ترتبط  دولة الاحتلال بعلاقات رسمية مع (40) من أصل (54) دولة أفريقية، كما تدير (10) سفارات في القارة، تشمل نيجيريا ، أنغولا ،إريتريا، غانا، ساحل العاج، إثيوبيا، الكاميرون، والسنغال، كينيا.وجنوب أفريقيا، وذلك قبل أن يصوت برلمان جنوب إفريقيا في تشرين الثاني عام 2023 على قطع العلاقات الدبلوماسية بين جنوب أفريقيا ودولة الاحتلال ،أما في بقية الدول، فتتمثل إسرائيل عبر سفراء غير مقيمين، في حين هناك (15) سفارة لدول أفريقية دائمة في تل أبيب.

أخيراً يمثل الصراع الإسرائيلي العربي في أفريقيا امتداداً لصراعات النفوذ في الشرق الأوسط، حيث تسعى كل من إسرائيل وبعض الدول العربية إلى تعزيز مكانتها في القارة الغنية بالموارد والفرص الإستراتيجية. وبينما نجحت إسرائيل في تحقيق تقدم كبير عبر الدبلوماسية والاستثمارات، لا تزال بعض الدول العربية تمتلك أدوات قوية للحفاظ على نفوذها، بشرط تطوير سياسات أكثر فاعلية ومرونة في التعامل مع التحديات المتغيرة. وفي ظل المتغيرات الجيوسياسية الحالية، سيظل التنافس في أفريقيا جزءاً لا يتجزأ من معادلة القوة الإقليمية بين إسرائيل والعالم العربي.

عن Atlas

شاهد أيضاً

الدور المصري والغدر الإسرائيلي

اطلس:كتب أسامة خليفة : أثار الدور المصري كوسيط في التفاوض لوقف الحرب العدوانية على قطاع …