مروان طوباسي يكتب : بين تهدئة مؤقتة وتكريس واقع الاحتلال.. قراءة في المبادرة المصرية

اطلس:بينما قرارات ترامب تضع الصين والولايات المتحدة على شفا حرب واثارة بؤر توتر جديدة وحروب متوقعة خاصة مع إيران اذ فشلت المفاوضات حول الملف النووي في ظروف التحولات الدولية . الى جانب ما يجري في لحظة مشبعة بالنار والدم والمآسي وحجم الآلام في فلسطين .

يُعاد طرح مبادرات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة ، في مقدمتها المبادرة المصرية الجديدة ، التي تُصاغ على عَجل بين ضغوط سياسية دولية وإقليمية، وواقع ميداني يحاول الأحتلال من خلاله فرض شروط استسلام ، لا مجرد تهدئة أو وقفا لاطلاق النار لمدة محددة رغم الأزمة التي يواجهها نتنياهو من داخل المجتمع الإسرائيلي بمختلف قطاعاته السياسية والأمنية .

إن المبادرة المصرية رغم استنادها الى مصادر الحرص القومي في جوهرها ، تحمل ملامح “هدنة مشروطة” أكثر مما تمثل حلاً سياسياً أو أنسحابا حقيقيا لقوات الأحتلال حتى من غزة . ورغم الحديث عن ثلاث مراحل تبدأ بوقف إطلاق نار وأنسحاب من المناطق السكنية بالقطاع ، فإن القراءة المتأنية للواقع ، ولتجاربنا السابقة نحن كفلسطينين ، تكشف أننا أمام محاولة جديدة لإدارة الأزمة ، لا حلّها ، والفرق جوهري هنا.

وقف إطلاق النار ضرورة إنسانية عاجلة ، لا خلاف على أولويته الملحة  ، لكن السؤال الجوهري هو ، بأي شروط؟ وبأي ثمن سياسي؟ وهل يمكن وقف النار مع بقاء الأحتلال داخل غزة أو على أبوابها ، ومع أستمرار الحصار ، وتفويض لجنة مدنية مشروطة بإدارة القطاع تحت أعين الأحتلال وحرابه وبضمانات غير فلسطينية؟

إن ما يُطرح تحت مسمى “لجنة الإسناد المجتمعي” لإدارة غزة ، لا يمكن فصله عن مخرجات هذه المبادرة ، ولا عن محاولات ترسيم شكل غزة القادم وفق مقاييس أمنية إسرائيلية . فهل ستكون اللجنة ، إن نشأت ، خطوة نحو توحيد الصف الوطني وبناء مرجعية ميدانية ذات تمثيل حقيقي ، أم بوابة لإنتاج إدارة وظيفية مؤقتة تخدم أهدافا غير وطنية ، وتكرّس الانقسام تحت مظلة الحاجة الإنسانية؟

أنني أرى بأن أي محاولة لخلق واقع إداري جديد في غزة لا يستند إلى توافق وطني شامل ، ولا ينبثق من رؤية موحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا وصاحبة الولاية السياسية والقانونية ، رغم حاجتها العاجلة لتطوير وتوسيع أدائها وقاعدتها كجبهة وطنية واسعة ، هو قابل للتحول إلى أداة تطويع سياسية ، مهما كانت نوايا القائمين عليه .

إسرائيل اليوم تحاول الخروج من مأزقها عبر معادلة لا نصر عسكري ولكن مكاسب سياسية وأمنية . وهي بذلك تراهن على تهدئة تحفظ ماء وجهها ، وتعيد تنظيم غزة من الداخل بما يضمن إضعاف المقاومة وأستمرار السيطرة غير المباشرة .

الولايات المتحدة ، عبر دعمها للمبادرة ، لا تسعى لإنصاف شعبنا الفلسطيني ، بل لحماية أمن إسرائيل و”استقرار المنطقة” تحت سقف المصالح الإستراتيجية الأمريكية في اطار رؤية “الشرق الاوسط الجديد “. والحديث المتجدد هنا عن “صفقة جديدة” بصيغة ترامب أو غيره ، ما هو إلا محاولة لإعادة إنتاج الفشل بوجه جديد ، وتجاوز أصل وجذر المشكلة المتمثلة أصلاً بأستمرار الأحتلال الاستيطاني الأحلالي لكافة الأراضي الفلسطينية  .

ما نحتاجه ليس مبادرة تداوي النزيف فقط على أهمية وقفه طبعاً ، بل رؤية وطنية تعيد تعريف المعركة مع أطماع الأحتلال وسياساته بالإقتلاع والتهجير ، وتربط بين غزة والضفة والقُدس والشتات في مشروع وطني تحرري واحد ، يستند إلى ارادة سياسية تمتلك القرار الوطني المستقل والرؤية والبرنامج الواضح ، ووحدة سياسية وميدانية ، وإرادة شعبية حقيقية تقف خلف هذا المشروع .

باعتقادي ، فأن أي تهدئة ، ما لم تتضمن انسحاباً كاملاً من غزة ، ورفعاً للحصار ، وضمانا لحرية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، فهي تهدئة هشة ، قد تتحول إلى فخ سياسي . وأن أي لجنة لا تُشكَل بإرادة وطنية فلسطينية جامعة ، ستكون إدارة بلا سيادة ، وأداة تجميد للوضع القائم ، لا أداة لتغيير الواقع .

اليوم ، نُستدعى نحن الفلسطينين جميعاً لموقف وطني تحرري واقعي وعقلاني واضح يتمثل ، بأن لا تهدئة تُشرعن الأحتلال ، ولا إدارة دون تمثيل وطني شرعي ، ولا مشروع وطني يُبنى تحت حراب المُحتل الغاصب .

المبادرة المصرية إن لم تُخضَع للتوافق الفلسطيني الوطني ، وترتبط بالأنسحاب الكامل وتفكيك الأستيطان ونظام الأبرتهايد ، وتحقيق العدالة للضحايا ولشعبنا الصامد وفق رؤية وبرنامج زمني واضح بالتعاون مع اطراف المبادرة الدولية لتحقيق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ، تكون حلاً مؤقتا لأزمة الأحتلال ، لا لحُريتنا نحن .

عن Atlas

شاهد أيضاً

اياد عبد العال يكتب : التناقضات الداخلية في الكيان الصهيوني: قرطبة تتكرّر

لطالما صوّر الكيان الصهيوني نفسه كقلعة منيعة في قلب العالم العربي، مدعومة بتفوق عسكري غير …