بعد أحداث سبتمبر في عام ٢٠٠١، عقدا جورج بوش الإبن، سائرّ على الخطى الشيطانية التي خطاها أباه، وحزبه الجمهوري العزم على تطبيق استراتيجية تنص على الإطاحة بعشر عواصم عربية وإسلامية تحت بند “الديمقراطية” السرابي. وقد إحتوت هذه الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية على عمليات عسكرية جوية وميدانية وبحرية متواصلة، ودعايات إعلامية مكثّفة موجهة ضد المقاومين الإسلاميين والغير إسلاميين والعرب بصفة عامة للتشكيك بإنسانيتهم وحقهم في العيش والإرادة الحرة، والتدخل المباشر بالشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية وتبديل حكوماتها التي تمنّعت عن رفع الراية البيضاء أمام الاحتلال الأمريكي والإحتلال الإسرائيلي بحكومات تبعية لا تؤمن بجدوى مقاومة المغتصب؛ مما أدى إلى التنكيل بشعوب دول عربية وإسلامية مثل: العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان وفلسطين، وغيرهن من الأقاليم والدول والمناطق الجغرافية التي كان فيها أي مجموعات مقاومة، وذبح وتشريد وتهجير الملايين منهم، والتسبب لهم بالدمار والمجاعات والعقاب الجماعي.
وما أضحى جليّاً أكثر فأكثر بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، أن بنيامين نتنياهو، الذي حرّض أمريكا على إحتلال العراق والإطاحة بصدام حسين بزعم حيازة العراق على “أسلحة دمار شامل”، يطمح لإعادة السيناريو الأمريكي في الشرق الأوسط، والذي كان خلال السنوات الثمانية من حكم جورج بوش الإبن. وإذا ما أردنا أن نقوم بمماثلة تاريخية سياسية فإننا سندرك أن ١١ سبتمبر، الذي كان الدافع المسرحي الأكبر لِبوش لإشعال فتيل الحرب على الشرق الأوسط، هو مشابه إلى حد ما بالسابع من أكتوبر الذي كان يتوق له بنيامين نتنياهو لذات الدوافع ولتحقيق ذات النتائج الكارثية التي تسبب بها بوش ونائبه “تشيني” وحكومته على الشعوب، مما في ذلك شعبه الأمريكي وجيشه الذي إستفاق في نهاية المطاف على أهوال الخوض في حرب كان بالإمكان أن يتم تفاديها، حرب لم يكن من الواجب أن تكون حربه، بل حرب الكيان الصهيوني.
ومن المخاوف الكبرى التي تؤرّق نتنياهو، والقضايا التي يواصل طرحها في كتبه وخطاباته، هي وجود حكم إسلامي مجاور للأراضي المحتلة، والملف النووي الإيراني، وحركات المقاومة في أي مكان في غرب آسيا. واذا ما أمعنّا النظر في كوابيس بوش، والتي ما زالت تطارده إلى الآن، سنصل إلى ذات الذرائع التي يرتكز عليها نتنياهو اليوم في سفكه للدماء والتجويع والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والعقاب الجماعي واستحلال الأراضي العربية والإسلامية تحت شعار ديني توسّعي ويميني متطرّف.
إضافة إلى ذلك، هنالك مماثلة بديهية مؤسفة بين مجرمَي الحرب هذين، ألا وهي ركوب أمواج البغضاء والحقد والفُرقة والاختلافات والنزاعات بين الدول العربية والإسلامية، التي فضّلت أن تسلّم زِمام أمورها لأمريكا والاحتلال الإسرائيلي وأن يتدخل كل منهما بشؤونها الداخلية لحمايتها من بني لسانها ودينها مقابل جزء كبير من سيادتها واستقلالها، وثروات وخيرات شعوبها. على سبيل المثال، من المزاعم التي وظّفها بوش لإحتلال العراق هي حماية الكويت وإقليم كردستان. ومن الغاية في السخرية أن العراق والكويت وإقليم كردستان يُعتبرن من أكثر المناطق الجغرافية إستحواذً على ثروات نفطية في العالم، وذلك يدل على الكثير من دوافع بوش “لِجلب الديمقراطية” إلى هذه المناطق الجغرافية، وكذلك دوافع نتنياهو في غزة ودول المنطقة. وبمنهجية مختلفة عن بوش وأكثر خُبثاً دهاءً منها لتوفير الأمن والسلام لدولة الإحتلال ولإبتزاز الدول العربية والإسلامية، يسعى ترامب بأقصى جهوده في الوقت الراهن، بمباركة من نتنياهو، لإنهاء إتفاقياته “الإبراهيمية” بإحكام تطبيع السعودية وسوريا مع الكيان الصهيوني بناءً على نوبات الهلع المستمرة للأطراف الثلاث من إيران وأذرعها، وذلك أيضاً على هامش الاستفراد بالقضية الفلسطينية وتصفيتها.
بصرف النظر عمّا وصلنا إليه من مطابقات شخصية استراتيجية وإجرامية بين جورج بوش الإبن وبنيامين نتنياهو؛ من الذعر الذي تسببه لهما اسلحة الدفاع عن النفس في الإقليم العربي والإسلامي، ومحاولات التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، والإصرار الشديد على إسقاط البلدان العربية والإسلامية التي تتواجد فيها أي بارقة مقاومة، واستهداف المقاومين الإسلاميين بشكل رئيسي، وشن حروب دموية على عدة بلدان في توقيت زمني قياسي، وإلحاق الأضرار بشعبيهما بحروب عبثية… فذلك ما هو إلّا ضربٌ آخر من جنون إعادة تجربة فاشلة تم فيها إنتهاك القواعد الإنسانية والدولية كافة. والعلم والمنطق التاريخيين يُثبتان أن إعادة تجربة عقيمة دوغماتيكية كهذه بهذا الكم من التفاصيل التراجيدية المتشابهة تؤدي حتماً إلى نهاية لا يُحمَد عُقباها.