العلم الفلسطيني: راية مقاومة ورسالة إنسانية تتجاوز الحدود

كتب م. غسان جابر: في لحظة بالغة الرمزية خلال مؤتمر ميسينا في إيطاليا، وهو اجتماع للدول الست المؤسسة للجماعة الأوروبية للفحم والصلب – وهي: فرنسا، ألمانيا الغربية، إيطاليا، بلجيكا، هولندا، ولوكسمبورغ – رُفع العلم الفلسطيني ليعلو بين أعلام الدول المشاركة. لم يكن هذا الفعل مجرد حركة بروتوكولية، بل كان موقفًا سياسيًا وإنسانيًا عميقًا، أكده رئيس المؤتمر بقوله: “العلم الفلسطيني هو أكثر من مجرد رمز، إنه مقاومة. يجب أن يكون في المصانع حيث يناضل العمال، في الساحات للمطالبة بالحقوق، في الأماكن التي تُبنى فيها العدالة. اليوم أكثر من أي وقت مضى، الانحياز إلى الحق أمر لابد منه.”

هذا التصريح، وهذا المشهد، يعكسان تحولًا متزايدًا في وعي الشعوب الحرة تجاه القضية الفلسطينية، ويؤكدان أن العلم الفلسطيني لم يعد حبيس الجغرافيا أو مرهونًا بالسياق المحلي، بل بات رمزًا عالميًا لمناهضة الظلم والتمييز والاستعمار، ورسالة إنسانية تتردد أصداؤها في كل مكان ينشد الكرامة والحرية.

رمزية العلم الفلسطيني

يتكون العلم الفلسطيني من أربعة ألوان: الأسود، الأبيض، الأخضر، والأحمر، وهي ألوان ارتبطت تاريخيًا بالثورات العربية والإسلامية، وتحمل دلالات تعكس وحدة المصير والنضال ضد القهر. لكن في السياق الفلسطيني، تجاوزت هذه الألوان مدلولاتها الكلاسيكية لتجسد صمود شعب بأكمله، واجه الاحتلال والاقتلاع والشتات لأكثر من سبعة عقود، دون أن يفقد بوصلته أو ينكسر حلمه.

رفع العلم الفلسطيني في الفعاليات الدولية لم يعد مجرد إشارة تضامن، بل هو إعلان موقف أخلاقي من العالم تجاه قضية عادلة، ورسالة تحدٍ لكل من يحاول طمس الهوية الفلسطينية أو تهميشها.

العلم الفلسطيني في الضمير العالمي

من الجامعات الأمريكية إلى ساحات أوروبا، ومن مسيرات أمريكا اللاتينية إلى ميادين آسيا وإفريقيا، يتصدر العلم الفلسطيني المشهد في الوقفات الاحتجاجية والحركات الطلابية ونضالات الشعوب. بات جزءًا من الخطاب الكوني ضد الاحتلال والتمييز العنصري، وامتدادًا لقيم التحرر التي تحملها الشعوب المقهورة.

إن رفع العلم الفلسطيني لم يعد يخص الفلسطينيين وحدهم، بل أصبح وسيلة يعبر بها أحرار العالم عن انتمائهم لقضية عادلة، وعن رغبتهم في بناء عالم أكثر عدالة، يخلو من الكيل بمكيالين، ويحترم حق الشعوب في تقرير مصيرها.

المعنى الإنساني لراية فلسطين

حين يُرفع العلم الفلسطيني في مصنع، أو ساحة احتجاج، أو في مؤتمر اقتصادي وسياسي مثل ميسينا، فهو لا يُرفع فقط من أجل فلسطين، بل أيضًا من أجل حقوق العمال، ومن أجل الكرامة الإنسانية، ومن أجل العدالة الاجتماعية. هو علم يُلهم، ويذكّر، ويحرّك الضمائر.

اليوم، وفي ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر وتجويع وحصار، يكتسب هذا العلم بعدًا أكثر إنسانية، ويغدو شارةً للتضامن العالمي في وجه الإبادة والتطهير العرقي. من غزة إلى الخليل، ومن نابلس إلى القدس، يرفرف هذا العلم في سماء المقاومة، ولكن في ذات الوقت، ترفرف معه كل القيم التي تجمع الإنسانية: الحرية، العدالة، الكرامة، والمساواة.

نقول :

إن العلم الفلسطيني ليس قطعة قماش، بل هو وثيقة حية كتبتها دماء الشهداء، وصاغتها تضحيات الأسرى، ورفعتها أيادي اللاجئين والمناضلين. هو راية حق لن تُخفض، ومع مرور الزمن، يثبت أنه لا يمثل فقط شعبًا يسعى إلى التحرر، بل يمثّل ضميرًا عالميًا آخذًا في الاستفاقة، ورسالة إنسانية لا تعرف حدودًا، ولا تعترف بصمت المتواطئين.

وفي زمن تتساقط فيه أقنعة الدول وتُختبر فيه القيم، يبقى الانحياز إلى فلسطين، وإلى علمها، هو انحياز إلى جوهر الإنسانية.

عن Atlas

شاهد أيضاً

اعتراف نتنياهو وجريمة التطهير العرقي في غزة

كتب إسماعيل جمعة الريماوي: في واحدة من اللحظات التي تتجلى فيها طبيعة المشروع الصهيوني العاري …